تتميّز مكةالمكرمة عن بقية مدن العالم بوجود المسجد الحرام الذي يفد إليه الحجاج والمعتمرين من مختلف أرجاء العالم، وتمتلئ ساحاته وأروقته بهم، فضلا عن الطرق المؤدية إليه من داخل مكة وخارجها على مدار العام خاصة خلال مواسم الحج، ورمضان، والعمرة، كما تتميز بأنها قبلة أكثر من مليار مسلم يتوجهون إليها في صلواتهم خمس مرات يوميًا. من هذا المنطلق، سعت إمارة منطقة مكةالمكرمة بالتعاون مع شركات عالمية متخصصة في مجال العمران إلى إعداد مخطط إستراتيجي شامل لمكةالمكرمة والمشاعر المقدسة منذ عام 2013م ينتهي بحلول عام 1462 ه /2040 م، لتطوبر خدمات الحج في مكةالمكرمة عموماً وفي المشاعر المقدسة على وجه الخصوص، والوصول لجودة الخدمة في قطاعات التنمية مثل : استعمالات الأراضي، والبيئة، والطرق، والنقل، والإسكان، والبنية التحتية، والتنمية الاجتماعية والاقتصادية. وسيتم خلال السنوات المقبلة توجيه التغيرات في استعمالات الأراضي، وفي توفير الخدمات والمرافق، وإعداد البرامج التطويرية في جميع مراحل التنمية بشكل متوازن، لخدمة السكان والحجاج والمعتمرين على حد سواء، وفقاً لمعايير ورؤية وتخطيط مستندة إلى أهداف وغايات طويلة الأجل، وقابلة للتنفيذ على أرض الواقع . وركز المخطط الشامل لمكةالمكرمة على أن تزايد عدد المسلمين حول العالم يؤدي بالضرورة إلى تزايد أعداد الحجاج والمعتمرين، مما يمثل تحدياً هائلاً ومستمراً فيما يتعلق بالموازنة بين استقبال هذه الأعداد الكبيرة والمحافظة على روحانية المكان والزمان، وتمكينهم من أداء مناسكهم بيسر وسهوله وطمأنينة، في ظل توفير الخدمات والمرافق وكافة متطلبات الإعاشة والإقامة والتنقل، الأمر الذي يتطلب درجه عالية من تنسيق المهام والاستعمالات عبر أرجاء مكةالمكرمة والمشاعر المقدسة. وتبنى المخطط الشامل لمكةالمكرمة والمشاعر المقدسة منهجية لدراسة جوانب القصور الحالية في كافة مجالات التنمية واقتراح الحلول لها ومن ثم رسم توصيات وبرامج التطوير المستقبلي المتناسق والمتكامل في كافة تلك المجالات التنموية والتطويرية . وعرضت نتائج تلك التحليلات والتوصيات على ممثلي الجهات المعنية الحكومية والخاصة من خلال عقد العديد من ورش العمل، ومن خلال إدراج معلومات جديدة وصقل التوصيات والاستجابة لمئات الملاحظات التي تلقيناها من الخبراء المحليين والدوليين، كما تم استخدام أنظمة المعلومات الجغرافية لإيجاد عدد كبير من العلاقات الإحصائية بين الخصائص المكانية ومجموعات البيانات الأخرى، وتوضيح التوصيات والمفاهيم في الخرائط ثنائية الأبعاد والتصاميم ثلاثية الأبعاد . وتستند الخطة الشاملة على نموذج إستخدام الأراضي الحيوية في أنظمة المعلومات الجغرافية التي كانت مصدراً أساسياً في تحديد الإجراءات الموصى بها على المواقع وإظهار المفاضلة المحتملة بين مختلف الأفكار إضافة إلى إظهار التضارب بين مختلف التوصيات بحيث تكون هناك إمكانية لحلها والموائمة بينها . وبحلول عام 1462ه سيبلغ مجموع السكان دائمي الإقامة في مكةالمكرمة 3.8 مليون شخص، فيما يستند توقع عدد الزوار بحلول العام التخطيطي المستهدف إلى تقدير عدد الحجاج المتوقعين المحليين، ومن خارج البلاد، وغير المصرح لهم والقادمين لأداء العمرة المحليين ومن خارج البلاد. وتم اشتقاق توقعين لهذه الأعداد، الأول يستند لسياسات التأشيرة الحالية ومعدلات تزايد أعداد المسلمين في البلاد، وفق ما ورد في الخطة الهيكلية لمكةالمكرمة حتى عام 1450/2028م ، والثاني إلى القدرة الاستيعابية للأماكن المقدسة إذا لم يتم إجراء أي توسعات. وكانت نتائج توقع أعداد الزوار بحلول العام 1462 ه /2040 م كالتالي: التوقع غير المقيد دون حدود القيود على القدرة الاستيعابية 8ر14 مليون على مدار العام, يتألفون من 5.1 مليون حاج و 9.7 من المعتمرين؛ والتوقع المقيد بقيود على القدرة الاستيعابية تم تقديره بمجموع قدره 14.8 مليون من الزوار، يتألفون من 4.1 مليون من الحجاج و 10.8 مليون من القادمين لأداء العمرة ووضع المخطط الشامل رؤية هي في جعل مكةالمكرمة إحدى المدن الأكثر عصرية وجمال في العالم . وتقتضي هذه الرؤية حماية حرمة الأماكن المقدسة والحفاظ على مكانة الأماكن المقدسة، ووضع آليات في مكانها لدعم تنمية وتطوير الأماكن المقدسة عبر الأجيال القادمة ويتم ذلك ضمن سياق النمو المنظم لكل من السكان والزوار . وراعت التحديثات والإستراتيجيات الموصى بها في المخطط الشامل تحقيق التوازن والتكامل بين التطوير والتنمية في كافة المجالات، والتعامل مع العديد من التحديات الاستيعابية والوظيفية لمكةالمكرمة وللمشاعر المقدسة، بما في ذلك إدارة الحشود والازدحام، وتوفير الخدمات والمرافق المناسبة في كمها ونوعها وتوزيعها، والتطوير بأسلوب يحافظ على خصائص البيئة، بما في ذلك المحافظة على تدفقات وعلى نوعية مياه بئر زمزم. وتأخذ إستراتيجيات التدخل بعين الاعتبار الحاجة المتزايدة لمرافق الحج لكل من الزائر والمقيم في الوقت الذي يتم فيه موازنة الروابط الروحانية والاجتماعية التي تضمن حجاً لا ينسى في مكة وهناك حاجة لاستيعاب النمو الكبير المتوقع في عدد الحجاج في بيئة آمنة وروحانية، مع منع سيطرة النمو غير المنظم على مقدار المساحة المحدودة المحيطة بالحرم المكي الشريف لاستيعاب الحجاج والمعتمرين . ووجدت حاجة لتوسعة البعد الجغرافي والوظيفي للمنطقة المركزية بمكةالمكرمة لتوفير معظم المساكن والخدمات لمرتادي الحرم المكي الشريف على مدار العام، وسيتم في إطاره مراعاة ما يحقق التطوير الحضري المتكامل، الهادف إلى زيادة تغطية و فعالية استخدام خدمات البنية التحتية والمرافق . ولم يغفل المخطط الشامل الجبال العديدة التي تتميز بها مكةالمكرمة، فعمل على توفير بناء متنوع لاستعمالات الأراضي لزيادة الكثافات وحماية الأرض والموارد البيئية وتوظيف الجبال كمساحات مفتوحة، بشكل لا يعيق وجود السكان ضمن مسافات مشي معيارية مناسبة، من الخدمات ومن المنطقة المركزية على حد سواء . كما لم يغفل المخطط المساحة في المنطقة المركزية لمكةالمكرمة التي تعد محدودة جداً ومصدراً نفيساً باهظ الثمن. وتشمل المبادرات الحضرية الرئيسة توسيع المنطقة المركزية إلى الخارج، بحيث تشمل المساحات المحاطة بالطريق الدائري الثالث، والحد من كثافة التنمية المجاورة مباشرة للحرم المكي الشريف، ورأى المخطط أن التضاريس لمكة تمثل عائقاً رئيسياً أمام توفير مساحات كبيرة لتوسعة الحرم المكي الشريف والساحات المحيطة من جميع الاتجاهات، ويمثل الشكل الطبيعي لوادي إبراهيم، وما تبقى من تركيبة التلال والمناطق الجبلية المحيطة قيوداً على التنمية المتكاملة والمترابطة، لاسيما في المنطقة المركزية . ولزيادة الطاقة الاستيعابية الحالية للحرم المكي الشريف ولمعالجة الاختلال في انسيابية الحركة، كان من الضروري توفير مساحات مفتوحة كافية في المنطقة المركزية لدعم وصول الحجاج والمعتمرين إلى المسجد الحرام وخروجهم منه وتوزعهم في أرجاء مختلفة بسلامة وأمان. ووجد أن هناك حاجه لتوظيف أنظمة ذكية لإدارة الحشود و مراقبة تدفقات وصول الحجيج وأنماط الحركة بشكل أفضل . وبذات الأهمية ستكون عملية التدرج الهرمي في مسارات النقل الرئيسية، بل وتعدد أنواع وسائل النقل وتكاملها، لضمان انسيابية تدفقات حركة وسائل النقل وحركة المشاة، في أرجاء مكةالمكرمة عموماً وفي المنطقة المركزية وبين تلك الأرجاء بما فيها المشاعر المقدسة وبين المنطقة المركزية . وتوقع المخطط الشامل أن تزداد الطاقة الاستيعابية للحرم الشريف والساحات المحيطة به وبعض الطرق المغلقة المرتبطة بتلك الساحات لتستوعب ما مجموعه 2ر1 مليون مصل . وحتى مع هذه التوسعة، ولاستيعاب ذروة عدد المصلين خلال أواخر شهر رمضان المبارك، فإن هناك حاجة لتوسعة المساحات المحيطة بالمسجد الحرام بما مقداره 45ر1 مليون متر مربع إضافي، وللعمل وفق القيود التضاريسية السالف تبيانها، اقترح المخطط سلسلة من الساحات المتواصلة التي من شأنها استيعاب 500 ألف مصل ضمن مسافة تبعد في أقصاها بمقدار 500 متر من المسجد الحرام، مع أن استيعاب تلك الساحات سيرتفع إلى 900 ألف مصل إضافي ضمن مسافة تبعد في أقصاها كيلومتر واحداً من المسجد الحرام، ناهيك عن استيعاب تلك الساحات الإضافية لما مجموعه 500 ألف مصل في الساحات الفرعية المحيطة الأخرى . ويوصي المخطط الشامل بالحصول على الأرض اللازمة لهذه المساحات كأولوية قصوى على المدى القصير، قبل البدء في أعمال التوسعة الفعلية، لتفادي تضاعف أسعار التعويض. وسيتم تعويض أصحاب الأراضي المتضررين من هذه التوسعات على النحو الواجب بالقيمة السوقية العادلة لأراضيهم، إما من خلال الدفع أو تحويل حقوق التنمية إلى مواقع ومشاريع بديلة داخل نفس المنطقة المركزية بمساحتها الجديدة الممتدة إلى حدود الدائري الثالث وبمجرد أن تصبح الأرض في وضعية الحيازة العامة، يمكن التوسع في الساحات بشكل تدريجي . وتوفر هذه المساحات الواسعة أماكن للمصلين، ومواقع أكثر لمراقبة وإدارة حركة الحشود لتطبيق متطلبات خطط الإدارة الذكية وتحقيق مستويات عالية من السلامة . ويهدف المخطط الشامل إلى توفير خيارات سكنية منخفضة التكلفة، يمكن أن يتحمل المقيمون في مكةالمكرمة أعباء إيجاراتها، وتقليص مستأجري الوحدات السكنية من السعوديين بما نسبته 50 % بحلول عام 1462 ه/2040م وإجمالاً، ولإسكان السعوديين المقيمين، فإن المخطط الشامل يهدف إلى توفير 100 ألف من الوحدات السكنية التي يمكن تحمل تكلفتها خلال الأعوام العشر القادمة أي بمعدل عشرة آلاف وحدة سكنية والتي سيتم إنشاؤها في مختلف الأماكن المتاحة في أرجاء مدينة مكةالمكرمة . وفيما يخص إسكان المقيمين من غير السعوديين، فيجب أن يتم التخطيط لتوفير ما لا يقل عن 60 ألف من وحدات العمال على مدى الأعوام ال 30 القادمة، بمعدل 10 آلاف وحدة في برنامج لكل 5 أعوام أي بمعدل2000 وحدة سنويا، مع أهمية أن يتآلف هذا النوع من مزيج من أنواع الوحدات للتمييز العمراني فيما بينها، مع مراعاة متطلبات الصحة والسلامة وسهولة الوصول والتنقل، منها وإليها . وعلى المدى الطويل، ستكون هناك حاجة لما لا يقل عن 150 ألف من الوحدات السكنية التي يمكن تحمل تكلفتها بحلول عام 1462 ه )2040 م، لرفع مستوى الملكية وللحد من معدل الإستئجار بين المواطنين السعوديين، بالإضافة إلى توفير الخيارات السكنية للعائلات متدنية ومتوسطة الدخل . وتتوقع خطة الإسكان بأن يكون ما نسبته 45 % من ال 920 الف وحدة سكنية المتوقعة بأسعار مناسبة، إذ ستشغل الوحدة السكنية مساحة أقل من الأرض . وبشكل عام، فإن المخطط الشامل لمكةالمكرمة اقترح ثلاثة أنواع مدمجة من الوحدات السكنية التي هي بالفعل تحت الإنشاء كوسيلة لتقديم المزيد من خيارات الإسكان ويحدد المخطط الشامل لمكةالمكرمة إستراتيجية للتطوير المرحلي، وإعادة التطوير لخدمات البنية التحتية بحيث يتم خلالها استكمال النقص الحالي في تغطية شبكات المياه والصرف الصحي وتصريف مياه الأمطار والكهرباء والهاتف، والتغطية للتوسع المستقبلي من هذه الشبكات حتى عام 1462ه.