أعود للكتابة عن البلدية مرة أخرى؛ لأنّ ثمة صورة نمطية رسخت في أذهان ومشاعر الناس عنها بسبب ما تمارسه البلدية نفسها منذ عرفت في بلادنا، فهي مجرد جهاز حكومي يهتم بتنظيف الشوارع والأحياء، ومراقبة الأسواق، وإصدار رخص البناء، ومن المؤسف أن سمة سائدة راسخة عن البلدية لدى عامة الناس وخاصتهم أنها (بلى وأذية)، وهذا بالطبع من المبالغات والتضخيم السلبي الذي يحصل نتيجة تراكمات مواقف سلبية عديدة مع المراجعين والمستفيدين والمتضررين على حد سواء، ويبدو أنه لابد من استخدام منظار محايد وعقلاني وعلمي وعملي لفهم حقيقة هذا المرفق الحكومي الحيوي والهام والحساس، ولكن قبل ذلك يحق لنا أن نتساءل عمّا إذا كان لدى المسؤولين في هذا الجهاز رؤية مغايرة لما يجب أن تكون عليه صورتهم عند المجتمع؟ أو هل لديهم تصور مغاير لما هو شائع عنهم؟ وهل بإمكانهم القيام بمهمّات أخرى إضافة إلى ما عُرف عنهم؟ وإذا كان كذلك -أتمنى ذلك مخلصًا- فهل لديهم خطط لتغيير آليات العمل لديهم؟ هل بإمكانهم التواصل مباشرة مع الإنسان الذي يقومون بخدمته، ويحرصون على راحته؟ وعلى سبيل المثال عند إرادة البلدية إصدار قرار يمس مصلحة هذا الإنسان، وربما بعض خصوصياته وملكيته الشخصية، كتحديد لون بيته، وشكل واجهة عمارته السكنية، أو طريقة رصف الشارع وسفلتته، أو تجهيز حديقة عامة له ولأهله، فهل يمكن إشراك هذا الإنسان (أنّى كان، ومهما كان) فيؤخذ رأيه ويُستشار بالفعل للاستفادة من وجهة نظره، لأنه المستفيد منها، والمستخدم لها؟ وفي الوقت نفسه يحق لنا أن نتساءل: هل لهذا الإنسان الحق في هذا، أم أنه لا يجوز له حتى التفكير بهكذا طريقة؟ ربما لا تزال بلادنا بكافة مدنها وقراها تعيش حالة بناء وتطوير وتنمية مستدامة، فهي تحتاج زمنًا طويلاً لنصل إلى مرحلة تنصرف فيها جهود البلدية إلى مشروعات تنموية حضارية ليست عادية بالنسبة لمجتمعنا، وهي لا تزال حتى اللحظة مشغولة بالتخطيط والتنظيم للأمور الأساسية، ولذلك فلا وقت لديها لأي أعمال أخرى، ربما تعتبر الآن من باب الرفاهية ومن الكماليات -قد تكون هذه نظرة البلدية- لكن حتى ولو كانت مسؤوليات البلدية جسيمة وكبيرة، لكنها مطالبة بالتحرّك نحو نقاط كثيرة يحتاجها الإنسان في مجتمعنا، ولا يمكن لأي جهة أخرى القيام بها إلاّ البلدية، ويكفي أنها لو اهتمت حقًا، وبكل جدية ومصداقية بقضية النظافة في كافة مكوّنات المدن وغيرها، وباستثمار كل الوسائل المعاصرة وبتوفير الميزانيات اللازمة والطاقة، ولكن بالتشاور مع الإنسان (المستفيد) وإشراكه في كل صغيرة وكبيرة ليتحمل نصيبه من المسؤولية، وليكون عونًا لها في إنجاح المشروع، فإنها ستكون نقطة تحول جذري في مفهوم البلدية، وتغيير تاريخي للصورة النمطية للسلبية التي عرفت عنها، ولعل للحديث تتمة بحول الله. [email protected]