من النادر جدا خلو أي مجتمع وعبر التاريخ من الطابور الخامس المعروف بخدماته المخلصة لأعداء مجتمعه أو على الأقل لا يهمه أمر من حوله من بني جلدته ولا مصالحهم وليس لديه أدنى درجة من الحرص على مصلحة بلده ، وأخطر هذا النمط هو من يبيع نفسه وانتماءه لآخرين ولو كانوا أشد الأعداء لبلده ومجتمعه، فهذا يسعى بكل ما لديه من طاقات وإمكانات وهوى لتحقيق مخططاتهم ورغباتهم ربما لقاء دريهمات معدودة أو مجرد تلميع وسمعة ومكانة براقة لشخصه على حساب كل قيم الوفاء وحقوق الانتماء الوطني والديني. قد تكون هذه المقدمة ضرورية للحديث عن «طابور خفي» يعمل جاهدا لتحطيم كل مقومات ومقدرات ومكتسبات هذا المجتمع الكريم وهذه البلاد الغالية ، ليس من الضروري أن تستخدم أسلحة الدمار الشامل أو النووية أو حتى الأسلحة البيضاء في عمليات التخريب هذه ، بل قد يكون أخطر سلاح هو تجميد الخطط والوقوف حجر عثرة أمام كل جهد مخلص وإعاقة أي محاولة لبناء مكتسبات حضارية جديدة أو المحافظة على ما تم تنفيذه من مشروعات ومرافق ، وقد يكون أي موظف ولو كان ذا مركز بسيط ممن ينفذ هذه الخطط التخريبية بإهماله وتلاعبه بالأنظمة أو تفلته من مهامه ومسئولياته ولو كانت مجرد تنظيف أو حراسة المنشأة ، ولكن الأدهى منه هو من يتربع على كرسي مسئولية من العيار الثقيل ويمارس هذه الجريمة تحت أي مسمى ولو كان باستغلال مركزه الرسمي أو جاهه ، ومن المؤلم أن صورا كثيرة من هذا النمط باتت تشكل كوابيس قاتمة ومرعبة تجثم على قلوب المواطنين في كثير من زوايا هذه البلاد ، ولعل كل واحد منا واجه أمثالا عديدة في حياته كمواطن عندما يراجع دائرة حكومية أو موظف في مرفق رسمي حيث يواجه بكثير من العقبات التي تقف حجر عثرة أمام تنفيذ معاملته أو تحقيق رغباته في الارتقاء بمستوى أدائه أو الانتقال إلى موقع آخر يستحقه بقوة النظام. وكم من المواقف المؤلمة التي تجرح مشاعر المواطن المسكين عندما يجد نفسه مضطرا لمراجعة إدارة خدمية حكومية فيواجه بمن يزعم أن النظام لا يسمح له بما يحتاج إليه ، قد يعرف تماما من يزعم عشق النظام أنه يحفر خنادق عميقة من التبرم والضيق لكل ما ينتمي إلى الأنظمة الرسمية ، بل يصل به الحال إلى الإحساس في أعماقه ببغض البلاد كلها والرغبة في الخروج منها طالما أنه لا يمكنه تنفيذ ما يستحقه ويكفله له النظام أصلا بسبب الطابور الخفي الذي يحول بينه وبين ذلك ، وحتى لو حاول البحث عن ركن يركن إليه يحل له المعضلة فلن يجد بين يديه إلا الانكفاء على نفسه ، فإما أصيب بالسلبية المفرطة واللامبالاة لكل ما حوله طالما أن أحدا ما لا يحميه من تسلط المتسلطين وتجبر المتجبرين.! وليس بعيدا أن يجد أمثال هذا المسكين من يمد إليه أيدي مبسوطة تدعوه إليها لتوفر له ما يحتاج إلىه ولو بطرق ملتوية بالرشوة والتزوير والواسطة والمحسوبية وغير ذلك من الأساليب التي باتت معروفة وشائعة في أوساط مجتمعنا، ويكفينا مثالا واضحا كالشمس كارثة جدة المهولة التي حفرت في نفوسنا خنادق من الجروح والألم ..! [email protected]