حتى حول مواقع قبور الأنبياء اختلفت بعض الدول العربية فيما بينها، اختلافًا مُبينًا يُقاس بكِبَر المسافة بينها!. ترى هذه الدولة تزعم أن قبر نبيٍّ ما موجودٌ في أراضيها، وتلك الدولة تزعم نفس الشيء عن نفس النبيّ، في ظلّ غيابٍ كاملٍ للتحقيقات العلمية الرصينة والبحوث التاريخية الموثوقة!. لا بُدّ وأن أعطيكم مثلًا: بالأمس زُرْت قبرًا في قمّة جبل إتين، في مدينة صلالة التابعة لمحافظة ظفار العُمانية، وهوجبلٌ جميلٌ للغاية، لم أر مثله في الجزيرة العربية، تكسوه الخضرة الكثيفة، والأشجار البديعة، ويغمره الضباب ورذاذ المطر المنعش بضعة أشهر متواصلة في السنة، إذ يُقال أنّ القبر يرجع للنبيّ أيوب عليه السلام، الذي صبر على شدّة بلاء المرض لسنوات طويلة، حتى شفاه الله بعد أن دعا بالدعاء الشهير (رَبِّ إنِّي مَسَّنِيّ الضُرُّ وأنْتَ أرْحَمُ الرَاحِمِينْ)، وبجوار القبر مُصلّى قديم تتّجه قبلته للمسجد الأقصى، وأثر قدمٍ عملاقة لإنسان محفورة في الصخر، وأثر عينٍ لماء تُشرف على الجفاف!. بينما في كُلٍّ من سوريا والعراق يوجد قبرٌ أيضًا يُزعم أنه لنفس النبيّ عليه السلام، مع نفس المُلحقات، أي المُصلّى القديم، وأثر القدم، وأثر عين الماء، فمن يا تُرى نُصدّق؟ وأيّها هوالقبر الصحيح؟ تالله إني لأعتقد أنّ القبر الصحيح ليس أيّ واحدٍ منها، وتالله ربّما نحتاج لمثل صبر أيّوب عليه السلام قبل أن تتفضّل الدول العربية وتتحرّى عن القبور بأمانة، وتعرف، وتعترف، وتُعرّف الناس بشجاعة أدبية وحضارية، عن الخطأ والصحيح منها!. من ناحية أخرى، وبقدر ما اختلفت الدول العربية حول مواقع قبور الأنبياء عليهم السلام، اتفقت فقط حول استغلال المواقع للسياحة المُدرّة للمال، ونجحت في ذلك نجاحًا كبيرًا، واستقطبت أناسيّ كثيرا، كما اتفق بعضُ المبتدعين فيها حول ترويج الخرافات والشركيات عند المواقع، مثل وضع النقود بجانب القبور طلبًا للأجر والثواب، والتبرّك والتمسّح بها وبالآثار المجاورة لها طلبًا للاستشفاء وتفريج الهموم، ممّا للأسف يؤمن بها كثيرٌ من السُذّج والجاهلين، ولا تُوعّيهم أيُّ جهةٍ هناك، ولا تنهاهم عن المنكر، ولا تأمرهم بالمعروف بما يوافق التوحيد والشرع الحنيف!. وهنا أدرك شهرزاد الصباح، وقبل أن تسكت عن الكلام المباح، بعثت لي برسالة وتس آب تقول فيها إنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين الذي منّ على بلاد الحرمين الشريفين بمن يجتهد صائبًا لا مُخطئًا في حماية العقيدة الإسلامية الصحيحة من تجارة القبور وما يصاحبها من بِدع وخُرافات وشركيات، فإن وُصِفت بلادُنا بالتشدّد فأنعم به من تشدّد، وإن وُصِف أهلُها بالتشدّد فانقل يا عالم على لساني بأنّي أول المتشدّدين!. @T_algashgari [email protected]