يشهد موقع مكتبة مكةالمكرمة والمعروف ب (المولد النبوي) الواقع بمنطقة سوق الليل (سابقًا) والمجاور للساحات الشمالية للمسجد الحرام كل يوم، آلاف الزوار والمعتمرين الذين يقصدون الموقع لأخذ اللقطات التذكارية ومشاهدة الموقع، ويرافق بعض المعتمرين والزوار مجموعة من الموجهين الذين يتحدثون بلغاتهم، وشوهد عدد من الزوار الآسيويين وهم يتبركون بجدران المكتبة ويذرفون الدمع وهم يستمعون لتوجيهات المرشدين، وفي المقابل وضعت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عددًا من المراقبين للقيام بدور التوجيه ومنع المخالفات في الموقع كما يقوم رجال الهيئة بتوزيع بعض الكتيبات والنشرات التوعوية بلغة الحجاج، «الرسالة» طرحت الموضوع على العلماء والمختصين للتعرف على أسباب ما يحدث وبيان موقف الشرع من هذه الممارسات وخرجت بالإيضاح التالي: ابتداءً أوضح المرشد بهيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بمركز السوق سامى أحمد الخياط أن ما يحدث حول موقع مكتبة مكةالمكرمة يتلخص في عدة أمور هي تردد كثير من الزوار والمعتمرين والحجاج لبيت الله الحرام على موقع مكتبة مكةالمكرمة من مختلف الجنسيات معتقدين أن هذا المكان هو مسقط رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن المبنى يضم مكان مولده وبيته الذي نشأ فيه في مكةالمكرمة، ومما ساهم في ترسيخ هذه المعتقدات هو أنهم وجدوا بعض الباحثين المعاصرين يذكرون ذلك في بعض كتاباتهم، إضافة إلى قدم المبنى وتهالكه وبقائه على هذا الحال، وهذا رسخ لدى الجهال ذلك المعتقد، والمقرر عند أهل العلم أنه لا يعرف موقع ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم وبيته، إذ إن تلك الأحداث كانت قبل البعثة، إضافة إلى أنه ليس من عادة العرب الاهتمام بمواقع مواليد أبنائهم ولو كانوا عظماء، ولا توجد أدلة حديثية ولا تاريخية، ولا واقعية ولا عقلية تدل على أن موقع مكتبة مكةالمكرمة هو مكان مولد الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فلم يحفظ عن الخلفاء الراشدين، ولا العشرة المبشرين بالجنة، ولا المهاجرين ولا الأنصار، أن أحدًا منهم كان يعلم مكان مولد الرسول صلى الله عليه وسلم وبيته في مكة، ولما فتحت مكةالمكرمة لم يحفظ عن أحدٍ من الصحابة البحث عن مكان مولده وبيته صلى الله عليه وسلم، وقد أحدث الناس في موقع مكتبة مكةالمكرمة ألوانًا من الخرافات، والبدع والضلالات المنافية للإسلام، والمضادة للشرع الحنيف. المخالفات الشرعية وأضاف: لقد رصدت الهيئة مجموعة مخالفات تجاه موقع مكتبة مكةالمكرمة منها الصلاة تجاه المكتبة واستدبار الكعبة المشرفة والسجود تجاه المكتبة واستدبار الكعبة وتقبيل الباب والجدران والتمسح والتبرك بهما والدعاء والابتهالات، والبكاء، عند المكتبة وطلب المدد والاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم من دون الله بشفاء المريض، وتوسيع الرزق، وحل المشاكل وأخذ الأتربة والحصى من المبنى للبركة والاستشفاء بها. وغير ذلك وكل هذه الأعمال غير مشروعة، بل وتمثل خطرًا على دين من يعملها، وتنافي العقيدة الإسلامية الصحيحة، وتعليمات الشريعة الحنيفة، فمنها ما هو شركٌ أكبرٌ ينافي التوحيد ودين الإسلام كالغلو في النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه من دون الله، والسجود والصلاة له، ومنها ما هو بدعة، وكل بدعة ضلالة، كالتبرك والتمسح والدعاء تجاه المكتبة. والله تبارك وتعالى أمرنا بعبادته وحده لا شريك له، ونهانا عن الشرك والبدع. قال تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا). وقال تعالى (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه) وقال صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، وقال: (إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة). وأردف أن الله تعالى أمرنا باتباع شرعه والعمل بسنته، قال تعالى: (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول) وقال: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة). وقال: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله)، فالواجب على المسلمين اتباع شرع الله المطهر، وعبادة الله تعالى بما شرعه الله في كتابه، وما جاء في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم الصحيحة، والاقتصار على ذلك، والحذر من الشرك والبدع والضلالات والخرافات المنافية لدين الإسلام، والمضادة للشرع المطهر، فمحبة النبي صلى الله عليه وسلم تكون في اتباع سنته والعمل بهديه في أمور الدين كلها، ويتعين على أهل العلم والبصيرة بيان هذا الأمر العظيم، وتوجيه المسلمين لذلك. دور الهيئة وأوضح الخياط أن هيئة الأمر بالمعروف لها دور كبير في توجيه الزوار والمترددين على الموقع وما يصدر عنهم من مخالفات شرعية أشرنا لبعضها آنفًا، فيقوم الأعضاء والمرشدون بمنع أي مظهر من مظاهر الشرك والبدع والخرافات، كما يبذلون النصح والتوجيه اللازم لزوار لمكتبة مكةالمكرمة وإرشادهم حيال تصحيح معتقدهم تجاه موقع المكتبة، وبيان ما يشرع زيارته وما لا يشرع في مكةالمكرمة، والتحذير مما ينافي العقيدة الصحيحة، وخطورة البدع والخرافات على الدين الإسلامي الحنيف، ويزودون الزوار والمترددين بما يتوفر لديهم من كتيبات إرشادية بمختلف اللغات، بيد أن العائق الأكبر في إيصال رسالة الهيئة للزوار للمكتبة هو حاجز اللغة، إذ إن أعضاء الهيئة لا يجيدون لغاتهم. الشويعر: يترتب على التعلق بآثار النبي نقص الاهتمام والعناية بالفرائض والسنن اعتبر مدير تطوير المناهج التعليمية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية د. عزام الشويعر أنه من الواجب النظر في مصالح المسلمين ونفعهم، والنظر فيما آلت إليه أحوال بعض المسلمين في هذا العصر من التمسح بالأحجار والأشجار أو التراب والصلاة إليها أو دعوتها من دون الله، ويظن الجاهل أنها قربة إلى لله وسبب لحصول الشفاعة وكشف الكربة، فالمسؤولية على الجميع، العلماء والدعاة والخطباء ورجال الحسبة والمرشدين والمطوفين وعلى الجميع أن ينظر في الأسباب ويتفهموها ويعملوا على علاجها. أول الأسباب: الجهل بأحكام الدين. ثانيًا: قلة العلماء الربانيين في هذا العصر الذين يهتمون بنشر السنة وتعاليمها. ثالثًا: انتشار الأحاديث الموضوعة والمكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم في فضل بعض الأماكن والآثار. رابعًا: تصدر أصحاب الأهواء والمكاسب الدنيوية وحرصهم على التكسب المادي بنشر البدع والخرافات. خامسًا: التأثر بالكفار وتقاليدهم في شعائرهم الدينية. سادسًا: الاغترار بعمل بعض المنتسبين للعلم حيث سهل بعضهم في تعظيم الآثار المكانية. سابعًا: ما ذكره الله عز وجل في كتابه من كيد الشيطان للإنسان وحرصه على إضلاله مثل قصة السامري. ثامنًا: ضعف مشاركة وسائل الإعلام في عرض مثل هذه المواضيع. الحكم الشرعي إن زيارة المكان الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم، لو كان مشروعًا لفعله النبي صلى الله عليه وسلم، في مكة أو دعا إليه بعد الفتح، أو فعله أصحابه أو دلوا عليه وهم أحرص الناس على الخير وأسرع الناس في اتباع النبي صلى الله عليه وسلم بل ثبت عن عمر رضي الله عنه وأرضاه، عن المعرور بن سويد قال صليت مع عمر صلاة الفجر فقرأ قوله تعالى (ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل) وفي الركعة الثانية (لإيلاف قريش) فلما سلم دعا قوما ينزلون فيصلون في المسجد وسأل عنهم فقالوا مسجد صلى فيه النبي الله عليه وسلم فقال إنما أهلك من كان قبلكم أنهم اتخذوا آثار أنبيائهم بيِّعًا) رواه عبدالرزاق وأبو بكر من أبي شيبة، بل يترتب على التعلق بالآثار المكانية للنبي صلى الله عليه وسلم أنها تنقص الاهتمام والعناية بالفرائض والسنن، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (إن الخاصة والعامة تنتقص عنايتهم بالفرائض والسنن إذا تعلقوا بالبدع، فتجد الرجل يجتهد فيها ويخلص وينيب ويفعل ما لا يفعله بالفرائض والسنن حتى يفعل هذا عبادة، ويفعل الفرائض والسنن عادة، ووظيفة هذا عكس الدين فيفوت بذلك ما في الفرائض والسنن من المغفرة والرحمة والرقة والطهارة والخشوع وإجابة الدعوة). ومن الآثار أنك تصرف شيئًا من الصلاة والدعاء والخوف والرجاء لغير الله عز وجل، جاء رجل إلى النبي صلى الله عيه وسلم فقال إني نذرت أن أنحر إبل ببوانة فقال النبي صلى الله عليه وسلم هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ فقال: لا قال أوف بنذرك) دل هذا الحديث على منع فعل العبادة في أماكن الأوثان. شبهات وهناك شبهة يقولها البعض وهي أننا نحيي الآثار المكانية ونضع عندها مرشدين، والجواب عليها أن النبي صلى الله عليه وسلم أزال اللات والعزى وأمر بإزالتها وهدمها ولم يوجه بترك أن يعلم الناس عندها أو يرشدهم أو وضع لوحات تحذيرية، بل أمر بتسويتها واخفاء معالمها. ويقول البعض إن في منع الناس من اتيان مثل هذه الآثار اعتداء على السيرة والتاريخ، والجواب عليه أن كتب السيرة والتاريخ صدرت لنا موقف سلف هذه الأمة مواقف صارمة مع الآثار المكانية حماية لجانب التوحيد واتباعًا لهدي الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال الله تعالى (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) فأمر رضي الله عنه قطع شجرة الحديبية. ثم إن القول بأن الحضور إلى مثل هذه الأماكن الأثرية يهيئ النفوس للعبادة، والجواب عليه أنه لو كان خيرًا لسبقونا إليه فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يذهب بأبناء الصحابة أو ببناتهم إلى بدر أو مكان ولادته عند الفتح، والحقيقة أن النفوس في هذا الموقف تتعلق بهذه الآثار وتترك مواعظ الكتاب والسنة، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (من أكثر من السفر إلى زيارة المشاهد ونحوها لا يبق لحج بيت الله الحرام في قلبه من المحبة والتعظيم ما يكون في قلب من وسعته السنة) ويضيف أن العلاج يكون بإزالة الأسباب التي سبق ذكرها. الشايع: العاطفة الجياشة في قلوب هؤلاء للرسول هي التي تدفعهم إلى المكان رأى الأمين العام المساعد بالهيئة العالمية للتعريف بالرسول صلى الله عيه وسلم د. خالد الشايع أن الحامل الذي يدفع هؤلاء إلى التوجه إلى المكان المشار إليه هو العاطفة الجياشة في قلوبهم والشوق لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، حيث أحبوا كل ما يتعلق به وما يتصل بشأنه وهذا أمر محمود بأصله ولكن ينبغي أن يضاف إلى هذه المشاعر أمر مهم هو مقتضى الحب والايمان بالحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ألا وهو أن نعرض هذه الأعمال على منهجه الشريف وهديه القويم، إن كانت متفقة معها فعلى العين والرأس وإن كانت مخالفة لها فالواجب تركها وتجنبها. وقد وقع في زمان الحبيب صلى الله عليه وسلم عمل مشابه بالأصل لهذه المشاعر الفياضة من إجلال الرسول صلى الله عليه وسلم وتعظيمه حيث عمِد أحد الصحابة وهو ابن مسعود رضي الله عنه لما رجع من سفر ورأى تعظيم بعض الأقوام لسادتهم، عمد وهم بالسجود للرسول صلى الله عليه وسلم فنهاه عن ذلك وبين له أن حبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ينبغي ألا يحمله على مخالفة أصل العقيدة. وهكذا بالنسبة لإخواننا الذين يحملهم حبهم وشوقهم للحبيب صلى الله عليه وسلم على أن يمارسوا بعض الأعمال عند الموضع الذي يذكر أنه مكان لمولده أن ينظروا في هذه الأعمال وهل هي متوافقة مع أصل العقيدة ونهج الرسول والجواب عن هذا تبينه النصوص النبوية الشريفة والتي منعت الغلو فيه عليه الصلاة والسلام، ومن الغلو المظاهر والأعمال المشار إليها مما يتعاطونه عند موضع المولد. المفدا: الأماكن المقدسة في الشرع ربما تفقد قيمتها في زحمة المقدسات الموهومة في خطورة هذه الأعمال على عقيدة مرتكبيها أوضح الأستاذ السابق للشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية د. محمد المفدا أنها نوع من التبرك بمكان لم يرد في الشرع ما يؤيد بركته وآثار النبي صلى الله عليه وسلم لا يتبرك بها في حال صحة الموقع أو المكان فكيف إذا لم يكن غير مؤكد؟ ومن الآثار السيئة أيضًا أنهم يفوتون على أنفسهم فرصة الدعاء في الأماكن الفاضلة كالحرمين وأوقات إجابة الدعاء، إضافة إلى ما يجره هذا الفعل من التقديس والتعظيم لتلك الأماكن التي لم يرد في الشرع ما يؤيد تقديسها أو تعظيمها، وربما قادت إلى أنواع من الشرك كالطواف حولها ودعائها من دون الله تبارك وتعالى ونحن أمة متعبدون بنصوص الكتاب والسنة ولا نعدوهما. وتعلق القلوب بأمور وهمية لا تنفع ولا تنفع صاحبها، مما يضعف الاهتمام بالمقدسات الحقيقية، خاصة إذا كثرت، والأماكن المقدسة في الشرع ربما تفقد قيمتها وقداستها عند الإنسان في زحمة المقدسات الموهومة الكثيرة (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب).