أصبحت هذه الأماكن غار حراء وغار ثور ومبنى مولد الرسول عليه الصلاة والسلام أصبحت من المواقع التي تشبه (المزارات) المقدسة عند الحجاج هذه الأيام بحيث يحرصون كل الحرص على زيارتها والوقوف عندها والصلاة عليها والتمسح والتبرك بها وبأحجارها حتى أصبحت وكأنها من أركان الحج لا يتم الحج بدونها. بل وحمل حفنات من ترابها والحصى والأحجار الصغيرة الملقاة حولها وأخذها إلى بلادهم ويجعلون منها التمائم والقلائد يعلقونها على أعناقهم وأعناق أطفالهم وأعناق المرضى منهم باعتقاداتهم الفاسدة بأن هذه الأتربة وهذه الأحجار تجلب الشفاء والنفع وتمنع الحسد والشرور ومس الجن والشياطين، ويتركون في خضم هذه المعتقدات الفاسدة التوجه إلى الله سبحانه وتعالى والتضرع إليه لرفع الضر ويتوجهون بكامل إخلاصهم إلى هذه المعتقدات الفاسدة في هذه الأحجار والأتربة وهذه الخزعبلات والخرافات. وهذا هو عين الشرك والوثنية وصرف العبادة لغير الله. وقد طفحت صفحات الوجس من الكتاب والسنة بالتنديد والتحذير من هذه المعتقدات الفاسدة وسوء عاقبتها في الدنيا والآخرة. ويعجب المرء كيف وصل الحال بالقائمين على شؤون الحجاج من مؤسسات الطوافة إلى أنه لم يعد يربط هذه المؤسسات بالحجاج سوى ترتيب تنقلاتهم في المشاعر خلال الموسم وسكنهم ليس إلا. أما ما يحتاجه هؤلاء الحجاج وهذا هو الأهم من كل ما ذكر وهو التوجيه الصحيح في المعتقد الصحيح وفي أحكام العبادات كلها فهذا للأسف الشديد معدوم ولم يعد الحاج يجد شيئا من ذلك لا من مؤسسات الطوافة ولا من غيرهم من عامة الناس. وكان الحجاج في الماضي كل ليلة بعد رجوعهم من المسجد الحرام بعد صلاة العشاء يجلسون مع المطوفين في مراكزهم المعدة والمخصصة لهذا اللقاء اليومي ويتناولون أطراف الحديث ويأخذون عن المطوف ما يجهلونه من أحكام العبادات والعقائد. وهذا اللقاء بين الحجاج والمسؤولين في مؤسسة الطوافة أصبح هذه الأيام في حكم العدم. بل ربما لا يعرف المسؤولون في مؤسسات الطوافة هذه الأيام حجاجهم إلا بصورهم في جوازات سفرهم. لأن الإجراء المتبع هو أن يأتي الحجاج بالحافلات إلى مركز الخدمة الميدانية لهذه المؤسسات ومن ثم يتم إرسالهم إلى مساكنهم دون نزولهم من الحافلات أو لقائهم أو حتى الترحيب بهم، ناهيك عن تحذيرهم من المعتقدات الفاسدة والعبادات الخاطئة. ولقد حذر الرسول من اتخاذ قبور الأنبياء مساجد بقوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه البخاري (851/1304) من حديث عائشة: « .. لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد». بل قد نهى عليه الصلاة والسلام عن وضع المعالم وبناء القباب عليها. كما أنه عليه الصلاة والسلام هدم في فتح مكة كل مظاهر ووسائل وحبائل الشرك وعبادة الأوثان. وأزال ما كان يتبرك به الناس ويتمسحون به ويعبدونه من الأحجار والأشجار في مكةالمكرمة وما حولها من القرى مما كان معروفا ومشهورا لدى قبائل العرب كلها في تلك الأيام مثل صخرة اللات وشجرة العزى وغيرها من الأوثان. ويكمن وراء هذه الممارسات من التكالب على هذه الأماكن الاعتقاد الفاسد بأن أحجار هذا الغار الذي كان الرسول عليه الصلاة والسلام يتعبد الله فيه أو ذاك الغار الذي اختبأ فيه الرسول عليه الصلاة والسلام وصاحبه الصديق ونزل في هذا الغار قرآن يتلى إلى يوم القيامة، أو مبنى مولد الرسول عليه الصلاة والسلام .. بأن أحجار هذه الأماكن مقدسة وتجلب النفع يتمسحون بها ويسجدون عليها، كما كشفت كاميرات الصحافة أخيرا بعض الحجاج وهم يصلون عند مدخل غار حراء ويتمسحون بأحجاره ويقبلونها ويحملون من الأرض ما تناثر حوله من الأتربة والحصى. بل ويحملون من الأتربة التي في قارعة الطريق المؤدي إلى هذا الغار، وكذا غار ثور. ولقد تفاقمت في العشر سنوات الأخيرة ولم تكن موجودة من قبل هذه الظاهرة فترى الحجاج بعد صلاة الفجر مباشرة تتكالب حافلاتهم ويكثر الزحام حتى كأن المرء يحس أنه في مشعر من مشاعر الحج. والعجب كل العجب أن يكون المسؤولون عن مؤسسات الطوافة هم آخر من يعلمون عن تصرفات وتحركات حجاجهم هذه بل ربما لا يعلمون أصلا عن ذهابهم هنا وهناك، وإنما الحبل متروك على غارب بعض سائقي الحافلات لأنهم يروجون ويزينون للحجاج الذهاب إلى هذه الأماكن ليحصلوا على المال. وهذا غدر كبير وخيانة للأمانة. فهم فرض المسألة فيهم حتى لو لم يكونوا مسؤولين عن هؤلاء الحجاج رسميا فإن الأصل في حقهم إرشادهم إلى الحق والصلاح وصفاء العقيدة ونقاء التوحيد لله وحده، لا أن يتجروا بذممهم ويبيعوا أماناتهم لقاء حفنة من النقود ووسخ الدنيا وهي عليهم وبال وسوء عاقبة في الدنيا والآخرة.. ولكن نعود ونرجع القول بأن هذا التوجيه والإرشاد للحجاج يقع مسؤوليته بالمقام الأول على المسؤولين في مؤسسات الطوافة، وهم للأسف الشديد أبعد ما يكونون عن الحاج واحتياجاته الماسة لهذا التوجيه والإرشاد. ولقد قيض الله لهذا الدين هذه الحكومة الرشيدة التي قامت أصلا ولم تزل على تأصيل عقيدة التوحيد في النفوس وحمايتها من لوث الشرك والوثنية وخرافات المعتقدات الفاسدة والخزعبلات. ولقد قال عليه الصلاة والسلام لعمه العباس ولابنته فاطمة يوم الحج الأكبر: «يا فاطمة بنت محمد إني لا أملك لك من الله شيئا». فإذا كان هو عليه الصلاة والسلام نفسه وفي حياته لا يملك لابنته وفلذة كبده من الله شيئا. فما يكون حال أحجار المبنى الذي ولد فيه الرسول عليه الصلاة والسلام أو هذا الغار أو ذاك الذي كان يتعبد الله فيه؟. ولقد قال عليه الصلاة والسلام: «ليسأل أحدكم ربه حتى شعث نعله إذا انقطع».. وفي هذا التوجيه الإخلاص في العبادة لله وحده. فالأصل إزاء هذه الممارسات الخاطئة أن يقوم المسؤولون عن مؤسسات الطوافة بتوجيه الحجاج ونصحهم وإرشادهم وتحذيرهم من حبائل الشرك ووسائله. ولقد اقتلع سيدنا عمر شجرة الرضوان عندما رأى الناس يتكالبون عليها ويتبركون بها ويصلون عندها وقد نزل فيها قرآن يتلى وأمر بقطعها وقال: (أراكم أيها الناس رجعتم إلى العزى ..). ولازالت مشاريع تطوير هذه الأماكن حبيسة أدراج أمانة مكةالمكرمة منذ سنوات طويلة. فاكس: 6975040 [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 148 مسافة ثم الرسالة