حضرت في نيويورك مؤخرًا حفل تخرج في إحدى الجامعات واستمعت إلى خطيب الحفل وهو يوجه كلمة الى الخريجين والخريجات. واستقطاب المتحدثين المتميزين تقليد حميد انتهجته الجامعات الأمريكية في كل حفل تخرج، وغالبًا ما يكون خطاب التخرج من أهم الكلمات التي تقع في نفوس الخريجين موقعًا حسنًا وتبقى في ذاكرتهم طويلًا وتضيء لهم جانبًا من جوانب حياتهم المستقبلية. في هذا الخطاب اقتصر المتحدث على ثلاث نصائح هي ادفع وتراجع وتحرك.. كانت الأولى أن ادفع بسقف تطلعاتك إلى الأعلى، سافر إلى النجوم بدون تردد أو تشاؤم أو إحباط.. تسامح مع الغموض فالمستقبل بطبيعته غامض، ولا تتهيب صعود الجبال حتى لا تعيش أبد الدهر بين الحفر.. فكر بطريقة ناقدة ولا تستكن إلى الأعراف السائدة في محيط العمل، فالتطلع إلى الأعلى يجب أن يتجاوز ما يبدو أنه ممكن وأن يتعدى حدود الرغبات وأن يتنافر مع الأطر المقيدة. النصيحة الثانية قد تبدو للوهلة الأولى مناقضة للثانية ولكنها في الواقع مكملة لها، وفيها يقول المتحدث إن عليك أن تعرف متى تتراجع وأن تحرص على ألا تكون وحدك في الطليعة وأن تؤمن بأن يد الله مع الجماعة وأنك لا تحتكر الحقيقة وحدك مهما أوتيت من العلم، اعمل بنشاط ولكن عليك أن تستمتع أيضًا بأوقات راحتك وحاول أن تكتسب الحلفاء والأنصار دون أن ترتبط بأي منهم ارتباطًا وثيقًا حتى تتمكن من الحفاظ على منظورك المستقل، تقدم ونافس واجتهد ولكن لا تنس أن تعرف كيف ومتى ينبغي عليك التوقف أو التراجع. أما النصيحة الثالثة فهي أن عليك أن تستمر في الحركة بدون انقطاع، ادفع أو تراجع حسب مقتضى الحال ولكن لا تتوقف أبدًا عن الحركة، اجعل لنفسك هدفًا ساميًا واسع إليه، انظر إلى مصلحتك الشخصية دون أن تنسى محيطك ومجتمعك الكبير، شارك الآخرين في اهتماماتهم وإنجازاتهم وتلذذ بمتعة العطاء كما تستطيب مذاق الإنجاز، وتذكر أن الإنسانية لا تزدهر إلا بالأخذ والعطاء واستمع إلى قول أبي العلاء المعري: فلا نزلت عليَّ ولا بأرضي سحائب ليس تنتظم البلادا التطلع نحو الأهداف السامية على الصعيدين الشخصي والعام، والطموح والاندفاع، والتواضع وإدراك قيمة التراجع، الأخذ والعطاء، والحركة الدؤوبة النشطة المستمرة، هذه هي الخلطة السرية السحرية لا للنجاح فحسب وانما أيضًا للشعور بالراحة والسكينة واليقين. [email protected] [email protected]