الأم هي الحب الأول.. وهي الحب الأعظم.. وهي الحب الأبدي. هي الحب الأول لأن كل جنين يتشبث بأمه وهو في أحشائها.. مدركا بما وهبه الله إياه من فطرة أنها تطعمه من رحيق دمائها وتحتويه في ثناياها وتحدب عليه قبل أن تراه.. ثم إذا حان موعد إطلالته على الكون صاح خائفاً حتى أن تجتذبه الأم نحو صدرها وتغمره بدفء حنانها وتشبعه من مدرار صدرها.. أفلا تكون الحب الأول؟ وهي الحب الأعظم.. لأن حبها لأبنائها فريد من نوعه.. فهو وحده الحب غير المشروط.. وهو وحده الحب غير المحدود.. وهو وحده الحب الذي في سبيله تسعد الأم بالتضحيات مهما عظمت.. قد يحب المرء زوجاً تسعده، أو ابنة تحنو عليه، أو أختاً تغليه، أو أباً يرعاه ولكن أحداً منهم لا يستطيع أن يرقى إلى مكانة الأم لأن حبها وعطاءها لا يرقى إليه أحد.. لقد وضع الله الجنة تحت أقدام الأمهات، أفلا تكون الحب الأعظم؟ وهي الحب الأبدي لأنه يبدأ مع بداية الحياة ولا ينتهي إلا بانتهائها.. بل إن حب الإنسان لأمه يستمر بعد وفاته متمثلاً في حبها عند أحفادها وأسباطها.. أفلا يكون الحب الأبدي؟ يمضي كثير منا سنوات طوالاً وهم يستعدون لرحيل الأب أو الأم وقد يدركون في وقت أو في آخر أن الساعة قد أزفت ومع ذلك تظل لحظة الفراق مليئة بألم ليس له مثيل.. لقد كنت أشفق على أمي من نسمة الهواء وأحنو عليها من شربة الماء لعلها باردة أكثر مما ينبغي أو دافئة أكثر مما يجب، وإذا نقلتها إلى الطبيب تقطع فؤادي وأنا أراقبه يبحث عن وريدها ليخزه بإبرة، ووددت لو كانت وخزته في عيني وما كانت في جسدها، ثم بعد ذلك أجدني أحملها في حر القائلة على آلة حدباء وأودعها بطن اللحود وأهيل عليها التراب، ثم أعود.. لا شيء معي إلا كلمات محمود سامي البارودي وهو ينشد: لَعَمْرِي لَقَدْ غَال الرَّدَى مَنْ أُحِبُّهُ وَكانَ بودي أنْ أموتَ وَيسلما وَأيُّ حياة ٍ بعدَ أمًّ فقدتها كَمَا يفْقِدُ الْمَرْءُ الزُّلاَلَ عَلَى الظَّمَا تَوَلَّتْ،فَوَلَّى الصَّبْرُعَنِّي،وَعَادَنِي غرامٌ عليها،شفَّ جسمي،وأسقما وَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ ذُكْرَة ٌ تَبْعَثُ الأَسى وَطَيْفٌ يُوَافِيني إِذَا الطَّرْفُ هَوَّمَا وَكانتْ لعيني قرة ً ،وَلمهجتي سروراً،فخابَ الطرفُ وَالقلبُ منهما فَلَوْلاَ اعْتِقَادِي بِالْقَضَاءِ وَحُكْمِهِ لقطعتُ نفسي لهفة ً وَتندما أيها الشباب.. أيها الناس.. أدركوا رضا والديكم قبل أن يفوت الفوت ولا ينفع الصوت.. وإنا لله وإنا إليه راجعون!! [email protected]