مرحلة الدراسة -دون شك- من المراحل الجميلة في حياة كل واحد منّا، رغم متطلباتها، والصعوبات التي قد تكتنفها، ولا يعرف لذتها إلاّ مَن فقدها بعد الانتهاء منها، والانغماس في مسارب الحياة، وانشغالاتها، وغالبًا ما تمتزج هذه المرحلة بالكثير من الذكريات، وتتلون بألوان الحياة المختلفة. ففيها المفرح المبهج، ومنها المؤلم المبكي أحيانًا، لكنها -وبكل صورها- ذات رنّة خاصة في أعماق كل واحد منّا، والمعلمون هم من أبرز معالم هذه الفترة، ناهيك عن الزملاء الذين يشكلون الأغلبية العظمى من البشر الذين يعايشهم الشخص، وقد يكون لبعض المسؤولين الإداريين بصمات عميقة في بناء شخصية الطالب، أو بالعكس تمامًا، ولا يتمتع كل المعلمين بنفس الدرجة من التأثير الإيجابي، خاصة إن كان منهم الروتينيون الجامدون، والذين اتخذوا التعليم مجرد مهنة للترزق، وكسب لقمة العيش فحسب، لكن يتميز البعض من المعلمين بحسن أدائهم، وممارستهم للدور التربوي التوجيهي لطلابهم، ولو لم يتفوه بكلمة، بل يدل عليه سلوكه واقتداره على أداء دوره بكفاءة عالية، وهؤلاء هم من يحفر أخاديد من الحب والتقدير في قلوب طلابهم، وتدوم ذكراهم العطرة في مسيرة حياتهم أبدًا! من المؤلم أن تمر بأحدنا المرحلة الابتدائية دون تأثير وتوجيه إيجابي واضح في بناء شخصيتنا، والأسوأ منها أن تعقبها المراحل الأخرى بالمنوال نفسه، وقد تختلف مرحلة عن أخرى حسب نوعية المسؤول الإداري، ومستواه الفكري، واهتماماته وميوله، أحيانًا يكون هذا العنصر سلبيًّا إلى حد كبير، فإذا كانت المزاجية وعدم توفر قواعد وأنظمة إدارية تضبط المسيرة التعليمية والتربوية، وتضعها على المسار الصحيح، وربما يكون لبعض المعلمين دور قوي في إدارة عجلة الحياة التعليمية في المدرسة بكاملها، إن كان يتمتع بروح وثابة، وعقل متفتح، ونفس تواقة للنجاح، ولديه مهارات وخبرات متميّزة يعشق بثها في المدرسة، فهو بهذه المواصفات يستطيع بسط شخصيته عليها من خلال هذه القوى الناعمة التي يملكها، ومن حسن حظه وتوفيق الله له إن وجد مديرًا تربويًّا متفهمًا يتيح له الفرص للنجاح والأخذ بالمدرسة إلى قمم التميّز. وربما يكون من بين الطلاب من يمتلك من القدرات والمهارات ما يمكنهم من قيادة طاقات المدرسة الكامنة نحو الريادة، خاصة إن وهبهم الله دبلوماسية كافية لإقناع الإدارة والهيئة التعليمية بما لديهم من إمكانات يحركون بها المياه الساكنة، وهم بذلك يحققون نجاحات لأنفسهم، ولمن حولهم، ولمجتمعهم المدرسي، وربما على مستوى بلادهم. كل هذه الحالات عشتها شخصيًّا خلال مراحل دراستي المختلفة، وعايشتها في زملائي الطلاب، أو في بعض طلابي، أو في القيادات التي عملت معها، وهي ليست نماذج نادرة، بل نجدها مبثوثة في أنحاء المحيط التعليمي كافة، وعلى العموم فإن مثل هذه الفرص لابد من استثمارها وتوجيهها لمصلحة المؤسسة التعليمية، والمجتمع المدرسي، والبيئة المحلية المحيطة بنا. [email protected]