كان يوم أمس يوم ميلادي!! والسؤال التقليدي الذي عادة ما يُطرح في هذه المناسبة، إذا ما تخطينا قضية حُكم الاحتفال بأعياد الميلاد، هو: هل يفرح الشخص أم يحزن في ذكرى يوم ميلاده؟ فرغم فرحة البعض، فإن هناك من يرى في احتفال الشخص بعيد ميلاده بلاهة وغباءً!! فكيف يحتفل أي إنسان بفقدان عام من عمره؟ *** ومع ذكرى يوم مولدي تتداعى أمامي صورتان: الصورة الأولي: يمثلها قصيدة هي "أحلى" ما قرأت، وسمعت، ورأيت، خلال موقع اليوتيوب، للشاعر العراقي الكبير "محمد مهدي الجواهري" ألقاها في ذكري يوم ميلاد "الملك الحسين بن طلال"، يقول مطلعها: يا سيّدي أَسْعِفْ فَمِي لِيَقُولا في يومِ مولدِكَ الجميلِ جميلا أَسْعِفْ فَمِي يُطْلِعْكَ حُرّاً ناطِفًا عَسَلاً، وليسَ مُدَاهِنًا مَعْسُولا والصورة الثانية: يمثلها قصيدة هي "أقسى" ما قرأت لإنسان على نفسه، كتبها الشاعر المصري الكبير "كامل الشناوي" يُعبِّر فيها عن حاله، وغنّاها بلحنٍ رائع الموسيقار "فريد الأطرش"، بعد أن رأى أن كلماتها كانت تُعبِّر أصدق تعبير عن حاله، وهي قصيدة: "عدت يا يوم مولدي" التي يقول مطلعها: (عدت يا يوم مولدي.. عدت يا أيُّها الشقي.. الصبا ضاع من يدي.. وغزا الشيب مفرقي.. ليت يا يوم مولدي.. كنت يومًا بلا غدِ..) *** وأنا أشعر، وقد طويتُ من العمر سنة أخرى بكل ما فيها، وبدأتُ سنة جديدة، بإحساس ما بين الفرح بالحياة ونعمها التي أفاء الله بها على الإنسان، (وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا) (النحل: 18)، وبين الحزن على ما فاتني من حق الشكر لله سبحانه وتعالي، (لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ) (الواقعة: 70). فقليل منا من يشكر نعم الله، أو ينتبه فلا تأخذه الدنيا عن شكر الله حق شكره. وفي هذا المعنى يقول إنساننا المُبدع الدكتور غازي القصيبي -رحمه الله- في قصيدة كتبها وكأنه ينعى فيها نفسه إلى نفسه، وهي قصيدة بعنوان: (حديقة الغروب) يقول في مطلعها: (خمسٌ وستُونَ.. في أجفان إعصارِ أما سئمتَ ارتحالاً أيُّها الساري؟ أما مللتَ من الأسفارِ.. ما هدأت إلاَّ وألقتك في وعثاءِ أسفار؟ أما تَعِبتَ من الأعداءِ.. مَا برحوا يحاورونكَ بالكبريتِ والنارِ والصحبُ.. أين رفاقُ العمرِ؟ هل بَقِيَتْ سوى ثُمالةِ أيامٍ.. وتذكارِ؟ بلى! اكتفيتُ.. وأضناني السرى! وشكا قلبي العناءَ!... ولكن تلك أقداري..) ليُنهي قصيدته بالرد على التساؤلات التي أثارها في مطلعها حين يقول: (يا عالمَ الغيبِ! ذنبي أنتَ تعرفُه وأنت تعلمُ إعلاني.. وإسراري وأنتَ أدرى بإيمانٍ مَننتَ به علي.. ما خدشته كل أوزاري أحببتُ لقياكَ.. حسن الظن يشفع لي أيرتُجَى العفو إلاّ عند غفَّارِ؟) *** وأخيرًا.. علينا أن ندرك أنه مهما طال عمر الإنسان فهو قصير، ما دام الموت هو نهاية كل حي، والوقت لا يمكن أن يُسترجع، وهو رأس المال الحقيقي متى عرفنا كيف نستثمره. وفي كل الأحوال يظل الإيمان في قلب الإنسان المسلم رأسماله الحقيقي. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: "قل آمنت بالله، ثم استقم". * نافذة صغيرة: (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ: "يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللَهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ").. رواه الترمذي. [email protected]