حاورها - محمد أبوزيد - القاهرة تشغل القضايا المطروحة في الساحة العربية اجتماعيًّا وإنسانيًّا وأدبيًّا مساحة مقدرة في إنتاج الكاتبة السعودية أميمة عبدالعزيز زاهد، المولودة في المدينةالمنورة، وسبيلها في تناول هذه القضايا «الجرأة» مع مسحة من الحزن غير خافية على من يتابع ويقرأ لها، حيث يبرز هذا النهج في العديد من إصدارتها مثل «رسالة لسيدي الرجل، و»صقيع المشاعر»، و»أي رجل من الرجال أنت»، و»لن تفهمني»، و»الأنفاس الهاربة»، و»أحاسيسي لن تستجيب».. كما شاركت أميمة في الساحة الإعلامية بالعديد من الكتابات والمقالات الأدبية في الصحف السعودية والخليجية، فضلاً عن مشاركتها في عدد من اللقاءات والندوات والمنتديات والمؤتمرات والدورات والملتقيات والمراكز، ومعارض الكتب العربية والعالمية، وبعض الأندية والصوالين الأدبية، وعدد من القنوات الفضائية والمحطات الإذاعية، وغير ذلك.. جملة هذه المحاور وتفاصيلها في سياق هذا الحوار مع الكتبة السعودية أميمة زاهد.. حزن خاص وعام * تغلب على كتباتك سمة الحزن.. فلم هذه المسحة؟ ومن أين استقيتها؟ نعم يغلب على كتاباتي طابع الحزن، مع أنه ليس من صفاتي، مع ملاحظة أن كل ما أكتبه ليس خاصًا بي وإنما أكتب لأي همسة تتسلل لمشاعري ولكل محبي الكلمة، وأحب أن أقرأ كل ما استمتع به وكل ما يشبعني دينيًّا وثقافيًّا ونفسيًّا واجتماعيًّا بصرف النظر عن الكاتب أو الكاتبة. محور الحياة * أبديت اهتمامًا واضحًا بالرجل في مؤلفاتك وبخاصة في كتابك «رسالة لسيدي الرجل» فما موقع الرجل في حياتك؟ الرجل هو محور حياتي، الرجل الذي يمثل لي الأب الذي فقدته، ووليفي الذي يرافقني، والأخ الذي أعزة واحترمه، والابن الذي أعشقه، والصديق الذي أقدره.. كل هؤلاء محور حياتي لذا أكتب له وعنه وإليه، فالرجل هو نصفي الآخر، ورفيق رحلتي، والأهم من كل هذا هو الكائن الوحيد الذي أحيا أنا وهو معًا فوق سطح هذا الكون وأقول له بهمس: امنحني جزءً من حياتك وليس كلها. مع الحق * مع كل هذا الانحياز النبيل للرجل لكنك في المقابل مدافعة عن المرأة حتى لقبت ب»محامية المرأة»؟ من أطلق على هذا اللقب هو أحد الكُتّاب السعوديين، وأنا لست محامية عنها، لأن المرأة الذكية قادرة على أن تتدافع عن نفسها، ولم تتهاون في حقوقها أو تعطي الفرصة للرجل بأن يستغلها ويسلبها ما يريد دون وجه حق، ولكن في كثير من الأحيان تأتيني رسائل لحالات اجتماعية ولمشكلات زوجية أطرح رأيي فيها بصراحة دون أن انحاز للمرأة، لأنني أنحاز فقط للحق، ولو كان ضد رغبة المرأة، وفي كثير من مقالاتي كنت فيها مع الرجل قلبًا وقالبًا. رمال متحركة * إذًا متى تشعرين أن المرأة تسقط في رمال متحركة؟ عندما تضارب أحاسيسها ومشاعرها، وعندما لا تفرق بين الصح والخطأ، وبين الكائن والممكن، وبين الضحك والجد، وبين مَن يحبها ومَن يستغلها، وعندما تتنازل عن كرامتها وعزتها مقابل أمور فانية، وعندما تنسى فطرتها وأنوثتها وتطلب المساواة، وعندما تكون لديها كل الأمور سيان.. لحظتها تفقد كيانها وإنسانيتها التي تسقط في رمال متحركة لن تستطيع الإفلات منها. خيال متعدد * برأيك هل النساء صور يبدلها خيال الرجال؟ في بعض الأحيان قد تكون المرأة صورًا يبدلها خيال الرجال، ولكن ليس كل صور النساء وليس كل خيال الرجال.. فهناك نساء لا تستطيع مخيلة الرجل مهما كانت قوية أن تبدلهن؛ لأنهن يفرضن الصورة ذاتها على مر الزمن.. كما أن ليس خيال الرجال متساويًا فهناك خيال إيجابي ومشرق وواقعي ورائع وهناك خيال سلبي مبتذل وسخيف وفي وقتنا الحالي مع الأسف نعاني من هذه المشكلة فالمرأة لا تعرف ما يتخيل فيها الرجل وما هي الصورة التي يرسمها لها في خيالة وأي من النوعين هو. الحب قدر * الحب يحضر كثيرًا في مقالاتك.. فأي رسالة يستبطنها هذا الاهتمام؟ ذلك لأني أثق أن الحب الحقيقي يقهر أي عقبات، ويلغي أي اختلافات، ويقرب أي تباعد في المستويات والدرجات والمسافات، وعندما نحب نغيّر عاداتنا السيئة ونغيّر ونتغيّر، وتتغير أصواتنا وأذواقنا وأحلامنا، نفرح بلا سبب، ونبكي بلا سبب، ونحزن بلا سبب نفكر كثيرًا، ونتمنى كثيرًا، ونخاف كثيرًا يصبح للكلمة ثقلها، وللحظة وزنها، وللفرحة طعمها نرسم الخطط ونفتعل الصدف ونشكر الظروف، فعندما نحب نتعلم بجد لأننا نتألم بجد ويكون العطاء بلا انتهاء ويكون الأخذ بلا مقابل وتكون الدموع أصدق.. عندما نحب ننسى جرح الحبيب وغدره ونزرع دومًا بذور الأمل ونطفئ دومًا شعلة الفراق ونقول بصوت حنون الغد سيكون أجمل فتنبض قلوبنا وتصمت لغتنا. لو وجد الحب الحقيقي فنحن لن نختار الحب ولا من نحب لأن الحب يأتي بدون سابق إنذار ولو كانت المسألة اختيارية لما أصبح حبًّا فقد يكون نزوة أو هفوة أو إعجابًا وانبهارًا أو قد يكون علاقة عابرة فالحب قدر لا نعرف له وقتًا ولا زمنًا ولا أشخاصًا بعينهم.. فلا تفاوض في الشعور بالحب. حرية مسؤولة * كيف تصفين الشعور الذي ينتابكِ أثناء الكتابة عن معاناة الآخرين؟ متعتي أجدها في قلمي فأسطّر أحاسيس الغير بكل صدق، وأعبّر عن مشاعرهم المرهفة عبر الورق، فمتعة الكتابة تشعرني بأني قريبة من ذاتي ومن الآخرين وهي متعة يعرفها كل من مارسها فكلماتي وأناتي وهمساتي تشعرني بالدفء وتصنع لي عالمًا مليئًا بكل ما أتمناه وأحلم به من حب وصداقة، إنها متعة لا يقدّرها إلاّ من عرف مدى صعوبة الاقتراب من الحياة الاجتماعية لأناس قد لا أعرفهم ولا يعرفونني، متعة عندما أشعر وألمس عن قرب معاناتهم وأعرف مدى صعوبة ما يبوحون به من مشاعر يفيض منها الدفء أحيانًا والقسوة أحيانًا أخرى خاصة، ونحن قد نشأنا على أن نخفي مشاعرنا الحقيقية مهما كانت عادية وطبيعيه وتعودنا أن نظهر ما يتوقع المجتمع أن نظهره، ومن يتجرأ ليعلن عنها يتعرض لعقاب اجتماعي ومعنوي حتى لو كانت مشاعر بريئة طاهرة صادقة فأي موقف مهما كبر أو صغر قد يكون تافهًا أو بسيطًا للآخرين، ولكنه في الواقع مثير للتفكير وللوجدان؛ لأنها أحاسيس قوية ومؤثرة ومؤلمة ومن وجهة نظري أن حرية القلم كما أتخيلها ليست هي حرية النشر فقط، وإنما هي حرية مسؤولة لا تعني أن أكتب ما أشاء ثم يتحوّل ما أكتبه إلى دخان يطير في الهواء. * وفقًا لهذه الرؤية هل تحبين التغريد داخل السرب أم خارجه؟ سأغرد بالداخل لأسعد من بالخارج، ولأنسلخ قليلاً من وحدتي. * برأيك هل صراع الحضارات مادي أم ثقافي؟ أرى أنه في الأصل صراع إنساني.