أخذت على نفسي وعدًا وعهدًا منذ عقود على أن يكون مسلكي هو سلامة المنهج، وليس منهج السلامة، ولذا صدعت بالحق، ولم أخفْ في الله لومة لائم، سواء من حاكم، أو محكوم، أو نظام، أو تنظيم، أو كبير، أو صغير، وفي كل مرة تمر الأيام لتثبت صدق موقفي وانضمام الآخرين لرأيي، ومن ذلك أنني أعلنت موقفي من النفير للجهاد بالنفس في سوريا، وصدعت بحرمة الجهاد بالنفس لغير السوريين في سوريا؛ لأنه غير مستوفٍ للشروط، وغير منتفٍ للموانع، وغير جامع للضوابط الشرعية، ولاسيما أن أهل الشام لم يطلبوا الرجال لكفايتهم، وإنما طلبوا المال للتسليح والغذاء وتجهيز المجاهدين في الداخل ورعاية أسرهم، وبالتالي فالجهاد هناك للسوريين فرض عين من باب جهاد الدفع، وباقي المسلمين في حقهم جهاد المال، والدعم السياسي والاقتصادي والإعلامي، وكل ما يحتاجه الشعب السوري الذي يُقتل رجاله ونساؤه وأطفاله في مجازر يومية بيد النظام الباغي، الطائفي، العلوي، النصيري، الباطني، وحلفائه الدينيين من الفرس، والمجوس، والرافضة في إيران والعراق ولبنان، وحلفائه السياسيين في موسكو وبكين. وقد تساءلت أكثر من مرة: لماذا وقفت مؤسسات العلماء المسلمين دون أي مؤتمر طول سنتين من القتل في سوريا، ثم نتفاجأ بأنهم بفضل الله استيقظوا ليجتمعوا في فنادق القاهرة، وحينها أعلنوا النفير من الفنادق إلى الخنادق، وأوجبوا الجهاد بالنفس لكل المسلمين، دون أن يذكروا سببًا لسكوتهم لعامين، أو يبيّنوا الأضرار اللاحقة للشعب السوري من وراء أعباء من يأتيهم من الخارج، لاسيما وهم يشكون قلة السلاح والذخيرة والمؤن، فضلًا عن حاجة أهاليهم للرعاية والكفالة. وحينما انتهى المؤتمر ومعه الكلمات النارية وبعده الخطب الرنانة، فقد ظننت أنهم كلهم أو على الأقل بعضهم سيلبسون أكفانهم من مطار القاهرة ويتجهون إلى أرض الجهاد عبر عمّان وبيروت وتركيا، ولكن انفض الجمع ولم يَبلغنا عن أي شيخ من الموقعين أو من تلك المنظمات المجتمعة أن أحدًا منهم ذهب -ولو على الحدود- ليعين المجاهدين، وهنا أذكرهم بأن النبي عليه الصلاة والسلام قاد المعارك، وخاض الحروب ومعه ومن بعده خلفاؤه الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي -رضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين- ولم يدفن من الصحابة في المدينة النبوية وهم يزيدون عن المئة ألف إلاّ القليل، والباقي دفنوا في العراق والشام وأصقاع الأرض يجاهدون بأنفسهم، وينشرون دين الله، وعليه فيجب أن يكون ورثة النبوة وهم العلماء مقتدون بسنته وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده، حيث كانوا من المجاهدين بأموالهم وأنفسهم، ولكن منذ أفغانستان قبل ثلاثة عقود وحتى سوريا اليوم وما بينهما من نوازل مماثلة إلاّ أننا لم نجد إلاّ النادر من العلماء الذين يقودون المسيرة الجهادية، حيث تركوها للتكفيريين والفئات الضالة، وها هم اليوم يرمون شبابنا بفتواهم هذه في أحضان تلك الفئات التكفيرية التي بدأت تكفرنا وتهدد بلادنا، وهم لا زالوا لم ينتهوا من الشام فكيف بعد ذلك سيكون الحال والمآل، لاسيما حينما نسمع من يدغدغ مشاعر الناس بشعارات رنانة كالخلافة الراشدة، في حين أن الأمة لا تزال تشكو تقصير ورثة النبوة فكيف بغيرهم، وحسبنا قوله تعالى (قل هو من عند أنفسكم)، لاسيما أن دول الخليج التي يتآمرون عليها ويهددونها ويزايدون على جهودها هي التي تدعم -ولا زالت- الشعب السوري، وبالأفعال وليس بمجرد الأقوال، ناهيك عن التناقضات بين ما يفتون به وما يمارسونه. وقد غردت في حسابي بتويتر قبل المؤتمر وأثناءه وبعده أن أفغنة سوريا ليست من مصلحة المسلمين، فضلًا عن السوريين، فجاءتني الشتائم كالعادة، وما هي إلاّ أيام ويبدأ آخرون بالكشف عن مواقف مماثلة لموقفي، ومنهم الشيخ الدكتور سلمان العودة، والشيخ الدكتور عبدالإله العرفج، والدكتور طارق السويدان، وكذلك المفكر السوري الكبير الشيخ الدكتور عبدالكريم بكار، ثم توالت الدعوات المماثلة، وإن كنت أفتخر بتحمل أعباء المبادرة، إلاّ أنني أشكر كل من اصطف لهذا الرأي الشجاع والحكيم، وكلنا مع الشعب السوري المجاهد، ولكن بعاطفة حكيمة وليس بعاطفة متهورة. وأكثر ما لفت انتباهي وانتباه الكثير من الناس أن من حرض الشباب على الجهاد بأنفسهم، وغرر بهم لم يجعل من نفسه قدوة لهم، وهنا أستذكر قوله تعالى: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون)، وأستحضر قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن ممّا أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: "إذا لم تستح فاصنع ما شئت") رواه البخاري. وختامًا أسأل كل قارئ كريم هذا السؤال: مجاهدو الفنادق هل وصلوا الخنادق؟ وكل نفير وأنتم بخير.