* في ظرف 72 ساعة فقط، أعادت حملات وزارة العمل الكثير من الأمور إلى نصابها الصحيح، وصححت جزءا من المعادلة المقلوبة لسوق العمل في بلادنا!.. نعم.. 72 ساعة فقط كانت كافية لأن يتصل بي شاب جامعي ليقول بفرح غامر: «إن العروض الوظيفية صارت تنهال علينا مثل الرز.. من يستطيع العمل 4 ساعات سيكون راتبه (4000) ريال .. ومن يعمل 8 ساعات يتقاضى ثمانية آلاف.. (يعني الساعة بألف ريال والحسّابة بتحسب).. حتى المدارس الخاصة اتصلت بكل من في قوائم الانتظار واستدعتهم فوراً للعمل». * لم أستغرب حقيقة كلام ذلك الشاب، فأنا مؤمن تماماً أن القطاع الخاص هو العملاق الذي بإمكانه ابتلاع البطالة وكل آثارها إن أحسنّا توجيهه.. ففي كل دول العالم يعتبر هذا القطاع هو المكان المفضل لمعظم الشباب، لأنه يعني لهم المستقبل والطموح والترقي المبني على المجهود، بعكس القطاعات الحكومية المرتبط بعضها بالجمود والفساد وتدخل الواسطة والمحسوبية.. وهذا ما يطرح علينا تساؤلا منطقياً: لماذا لا يحدث هذا في بلادنا؟!. * دعونا نتجاوز قضايا نظام الكفيل، وسهولة الاستقدام، وسهولة توظيف الأجانب والمتخلفين، لنقول إن السبب الأكبر -من وجهة نظر خاصة- يعود إلى أزمة الثقة بين الشباب وأصحاب العمل.. فالشاب السعودي في نظر كثير من أصحاب الأعمال ليس أكثر من شاب مُدلَّل قليل الخبرة، كثير التذمر والشكاية، لا يقيم للانضباط والإنتاجية وزناً، لذا فهو في رأي الغالبية منهم غير جدير بالثقة!.. و بالمقابل ينظر الشباب إلى كثير من أصحاب العمل على أنهم مجموعة من مصاصي الدماء الاستغلاليين الذين لا يراعون في الموظف المواطن إلاً ولا ذمة!.. وأنهم يُحبون الأجانب لأنهم يتحكمون في مصائرهم!.. وهي الأزمة التي عبَّر لي عنها أحد الشباب بقوله: إن مدير الشركة التي يعمل بها يقوم بإرسال الأجانب إلى الخارج لتطوير قدراتهم، بينما يحرم السعوديين من ذلك؛ وعندما تظلّم الشاب للمدير قال له بسخرية: ومن يضمن لي بقاءكم في العمل بعد أن أقوم بتأهيلكم وتطويركم؟!. * القضية إذن «أزمة ثقة» لا يمكن لكلا الطرفين تجاوزها دون تدخل طرف ثالث يلعب دور الضامن وهو الحكومة أو وزارة العمل تحديداً التي لا أعلم حتى اللحظة لماذا تغفل أو تتغافل عن تحديث أنظمتها ومعالجة أوجه القصور بها من أجل نظام عمالي يُنظِّم العلاقة بين الطرفين بشكل جدّي، ويضمن لكل ذي حق حقه!، ويريحها من هذا الصداع المزمن. * وحتى «لا نطير بالعجة» كما يقول العامة، فإنه من المهم أن نشير إلى أنه إن كانت حملة وزارة العمل قد كشفت خلال أسبوع واحد فقط عن آلاف الفرص الوظيفية، فإنه من الضروري أن تتم عملية الإحلال والتبديل بكل هدوء وتعقل.. حتى لا يتضرر الوطن.. فبلادنا لازالت بحاجة لخدمات وخبرات الكثير من غير السعوديين.. كما أنه من الظلم أن نفرض شبابنا دون إنتاجية حقيقية، فالعلاقة بين صاحب العمل وطالبه يجب أن تكون علاقة تفاعلية مبنية على حاجة حقيقية ودون إجبار لأي طرف. [email protected]