·يسود اعتقاد جارف في أوساط السعوديين أن البطالة مشكلة حكومية بحتة .. لذا فان عليها تحمّل كل تبعاتها؛ وإيجاد الحلول الناجعة لها .. وهذا فهم قاصر و لاشك .. فمن الخطأ تجاهل الدور الذي يلعبه العاطل نفسه في مشكلة البطالة من خلال عدم استعداده وتنمية قدراته ، كما انه من الخطأ أيضا تجاهل دور القطاع الخاص في عدم تحمله لمسؤولياته الوطنية والاجتماعية ؛ وغلبة التفكير المادي على أهدافه . ·هذه التوطئة كانت مهمة كي ألفت الانتباه إلى قضية قد تكون من ابرز العوائق في عملية توطين التوظيف ؛ هي أزمة الثقة بين العاطلين من جهة ؛ و أصحاب الأعمال من جهة أخرى .. فالشاب السعودي لا يزال في نظر بعض رجال الأعمال شاب أخرق - واعتذر عن اللفظ الذي لم أجد اقرب منه ملامسةً للمعنى - كثير التذمر ، لا يقيم للانضباط و الإنتاجية وزناً ، لذا فهو غير جدير بالثقة حسب رأيهم .. و بالمقابل ينظر بعض الشباب إلى أصحاب الأعمال على أنهم مجموعة من مصاصي الدماء الذين لا يراعون في الموظف إلاً ولا ذمة ، لذا يرون العمل في تلك المنشآت مرحلة مؤقتة في حياتهم ؛ يجب أن لا تستمر !. ·هذه العلاقة المضطربة، و في ظل تمسك وزارة العمل بنهجها القديم ، أنتجت ما يمكن تسميته بوظائف ( المسيار) ، وهي نوع من البطالة المقنعة ، أشبه ما تكون بزواج المسيار ، حين يفرض الطرف الأقوى على الطرف الأضعف التنازل عن بعض حقوقه الأساسية مقابل منافع هزيلة ، لذا غالباً ما تنتهي هذه العلاقة بالفشل الذريع نتيجة عدم اقتناع الطرفين وانعدام الثقة بينهما .. وقد عبّر لي احد الشباب عن هذه الأزمة بقوله أن مديره يقوم بإرسال الموظفين الأجانب إلى الخارج لتطوير قدراتهم بينما يحرم السعوديين من ذلك ؛ وعندما تظلّم الشاب قال له المدير بسخرية : ومن يضمن لي بقاءكم بعد أن أقوم بتأهيلكم و تطوير قدراتكم ! . ·أزمة الثقة هذه يمكن إيجاز ابرز محاورها الخلافية في الانضباطية والإنتاجية التي يشترطها صاحب العمل .. و الأمن الوظيفي والراتب المناسب والترقي الطبيعي بالنسبة للموظف .. ورغم بساطة هذه القضايا إلا انه لا يمكن لكلا الطرفين حلّها دون تدخل طرف ثالث يلعب دور الضامن ، والذي من المفترض أن يكون وزارة العمل التي لا اعلم لماذا تغفل أو تتغافل عن هذا الأمر حتى الآن . ·قبل أيام خرج وزير العمل مهدداً بأنه سيفرّق في التعامل بين المنشآت المتعاونة في توطين الوظائف وغير المتعاونة ، مضيفاً أنه لن يسمح باستمرار توظيف غير السعوديين .. وهو كلام فضلاً عن تكراره فانه يسير في نفس اتجاه الفكر السابق الذي أنتج هذا الكم من وظائف الشفقة .. و كم كنت أتمنى لو أن معاليه خرج ليقول أن وزارته قد انتهت بالفعل من إنشاء دستور عُمّالي ينظم العلاقة بين الطرفين بشكل جدّي وعادل ، لا يضمن لكل طرف حقه فحسب .. بل و يسمح للمنشآت التي لا ترغب في توظيف السعوديين بذلك ، شريطة دفع ضريبة مالية تذهب إلى صناديق دعم العاطلين وتدريبهم ، وهو ما قد يكون أجدى وانفع للطرفين من سياسة الإكراه على وظائف (المسيار) التي لا تخدم الموظف؛ ولا المؤسسة ؛ولا حتى الاقتصاد الوطني . ·يا معالي الوزير : ليس من النجاح في شيء - بل أظنه من الهدر - أن نفرض شبابنا على المؤسسات الوطنية برواتب زهيدة و دون إنتاجية حقيقية لمجرد أن نقول أننا وظّفناهم ، فالعلاقة بينهما لن تستمر إلا إن كانت علاقة تفاعلية تحكمها الثقة والمصلحة المشتركة ، و الأهم أن تكون دون إجبار .. فكل شيء يا معالي الوزير بالخناق ، إلا الوظيفة بالاتفاق . [email protected]