من التحديات التي لا يُريد بعض المسؤولين إدراكها أو تصديقها الانفتاح الثقافي والتفجر المعرفي والوعي لدى الناس الذين بات إسكاتهم بالكلام المعهود صعباً جداً، ومن القضايا التي أثارت الحفيظة فترة طويلة من الزمن وتعاظم فيها الشعور بالظلم، التمييز في الرواتب بسبب الجنس والجنسية أحياناً، حيث لم تمنحها وسائل الإعلام ولا وزارة العمل ما تستحقه من اهتمام، وغص الناس من ابتلاع مزيد من التبريرات غير المقنعة، مع العلم بأن عدداً كبيراً من الموظفين والموظفات المشاركين في تنمية هذا الوطن في كلا القطاعين عانوا ومازالوا يعانون من بعض ظواهر التمييز التي رسختها بعض قوانين العمل، في ممارسات غير إنسانية ضد العديد من الناس المسلوبة حقوقهم، وطال هذا التعسف الوظيفي الإناث على وجه الخصوص والذكور بصفة عامة، حيث امتهنت بعض القطاعات بشكل واضح التمييز بين الموظفين وجعلته شيئا عاديا واختلقت له بعض القطاعات مبررات لا علاقة لها بالمواثيق الدولية التي تناهض التمييز العنصري بجميع أشكاله، وعلى الرغم من الدعوات الكثيرة لتشجيع المرأة على الدخول بقوة في كافة مجالات العمل فإنها تواجه فوق العراقيل صعوبات كبيرة من خلال بعض الممارسات التعسفية التى تتعرض لها في مواقع مختلفة لأنها فقط أنثى! فعلى سبيل المثال نجد بعض القطاعات وكأنها تطبق الآية الخاصة بالميراث (للذكر مثل حظ الأنثيين) فتحدد على أساسها راتب الإناث، على الرغم من تساويهن مع الذكور في التخصص والمهارات، ومع ذلك لا يتسلمن نفس الراتب، وعندما تطالب رئيسها بمساواتها في الراتب والمميزات مع زملائها الذكور، يرفض بشدة ويبرر دون أن يستند إلى أي قانون يجيز ذلك، حيث اعتاد بعض الرؤساء على المكابرة وعدم الاعتراف بالانتهاكات الوظيفية التي ترتكب، وبعضهم لا يخجل ويردد بكل ثقة الآية الخاصة بالميراث، لأنه يعتقد بأن الاستناد إلى آية من القرآن سيكون دليل وبرهان لتبرير ظلمه! وعلى الرغم من البرامج العديدة التي استحدثتها وزارة العمل للتطوير، فإنها لم تعمل بشكل مرض على تجديد وتطوير القوانين القديمة بشكل يتناسب مع شريعة وسياسة الدولة، فتجد مثلا المرأة العاملة التي يتوفى زوجها لها الحق في إجازة بأجر كامل مدة لا تقل عن خمسة عشر يوما فقط من تاريخ الوفاة، مع أن المرأة مطالبة بعدم الخروج من منزلها مدة عدتها (أربعة أشهر وعشرة أيام) فكيف تخرج إلى العمل؟ وكيف تجلس في بيتها بلا راتب؟، وبالنظر إلى قانون العمل الخاص بتشغيل النساء والذي شمل 14 مادة غاب فيها قانون (التحرش) وهو برأيي أهم قانون يكفل لها العمل بشكل لا يستهين بكرامتها ويضمن لها حماية من المضايقات ويمنحها مساحة تؤدي فيها عملها بحرية دون الخوف من تهديد أو ابتزاز يسلب مميزاتها الوظيفية، وبما أن المرأة موجودة وتعمل في أغلب الإدارات الحكومية والأهلية فلا بد من حماية الحقوق التي ضمنها لها الشرع مقابل ما تؤديه من خدمات وعطاء ومجهود من أجل استمرار حركة التنمية في البلاد، فليس من العدل أن تظل الأقل دائما في الامتياز والمنصب والرواتب والبدلات والمكافآت وفرص الانتداب على الرغم من تفوقها ونجاحها! وفي عالم الذكور التعسف الوظيفي تعربد فيه الطبقية والتمييز أحياناً على أساس الواسطة والجنسية وهي صورة من صور الفساد المقنن بمهنية عالية الأداء، لأن بعض قوانين الشركات والقطاعات لا تطبق إلاّ على (الغلابة) الذين لا ظل يتبعهم ويختصر لهم السنوات التي يقطعها الكادحون، فيلف الغبن والإحباط أصحاب الكفاءات من السعوديين مثل الطبيب والمهندس والمعلم والمحاسب وحملة الماجستير والدكتوراة الذين كثيرا ما يتسلمون نصف ما يمنح للأجنبي (الأمريكي والأوروبي)، وكثيراً ما تُذهلنا بعض الشركات الريادية في كلا القطاعين بمميزاتها التي تُمنح ببذخ للأجانب الذين يعترفون بأنهم لا يمكن أن يحصلوا عليها في بلدهم ولا حتى في أحلام اليقظة، فتتوفر لهم سيارة مجانية، وبنزين مجاني، وبعضهم يحصل على مواقف مجانية، ناهيك عن السكن المجاني الفاخر الذي غالباً ما يكون في أحد المجمعات التي توفر أماكن ترفيهية، وتتكفل بدفع مصاريف الدراسة لأبنائهم مع ثمن تذاكر سفر ومميزات موسمية خيالية، مخترقين السقف في الخدمات والمميزات مع التأكد من إبقائنا في (البدروم) دائماً. وفي نفس الوقت الذي تلفظ فيه أمريكا وأوروبا بعض موظفيها الفاشلين والمسرحين من أعمالهم بسبب شلل الاقتصاد وارتفاع الضرائب نجد هنا بعض الشركات التي تلتقطهم بكل سهولة وتؤثرهم أحياناً على الكفاءات السعودية بشكل يستفز المشاعر خاصة عندما يكونون بمؤهلات متوسطة وخبرات محدودة في أغلب الأحيان، وتجد بعضهم جنود مشاة بحرية سابقين أنهوا سنوات الخدمة وتم ضمهم للبطالة هناك، يتم منحهم في بعض الشركات مناصب قيادية على الرغم من الاضطرابات النفسية التي قد يعاني منها بعضهم كما تقول التقارير الأمريكية عن معظم الجنود الأمريكيين! وما تفعله تلك القطاعات من تمييز عنصري كفيل بتوليد أحقاد تتوارثها الأجيال في أماكن العمل، وكافية لقهر وإحباط عدد كبير من الرجال والسيدات الذين يفقدون الحماس في الاستمرار بالعمل، وأحد الأسباب الرئيسة في هجرة الكفاءات الوطنية للخارج. حين تم الإعلان في وقت سابق «عن شركات تخطط لتشغيل السعوديات كعاملات منزليات برواتب يومية وشهرية، وذلك بهدف توطين وظائف لحملة الثانوية فما فوق»، كان ذلك بمثابة الإعلان عن تفاصيل حلقة من المسلسل المكسيكي الساخر قبل عرضه لتوطين العنف الخفي الذي يمارس ضد النصف الآخر من المجتمع، وتذكرت الحديث (ما أكرمهن إلا كريم ولا أهانهن إلاّ لئيم) وما أكثر اللئام في هذا الزمن.