بين البحث عن لقمة العيش، وضعف الحيلة، والرضوخ لمطالب الآباء، برزت في الآونة الأخيرة ظاهرة تشغيل الأطفال كباعة في إشارات المرور والاسواق والتي تشكل ظاهرة سلبية على المجتمع بشكل عام. وحسبما أفاد حقوقيون ل »المدينة» أن ظاهرة تشغيل الأطفال تمثل ما أسموه «إساءة استخدام الولاية» من قبل بعض الآباء والعائلين لأبنائهم، وبين الحاجة إلى المادة والعوامل الاقتصادية التي تدعو الأسر إلى الدفع بأطفالهم الصغار إلى معترك العمل في سن مبكرة، ويرى المجتمع أن هذه الظاهرة تنمو بشكل واضح مع الجهود المحلية والعالمية لمحاربتها وتخصيص يوم عالمي لمحاربة تشغيل الأطفال. «المدينة» قامت بجولة ميدانية للوقوف على عمل هؤلاء الصبية الذين وجدوا أنفسهم في عرض الطريق قبل الوقت المناسب. عمل عائلي يقول علي (10 سنوات)، والذي بدا عليه الخوف وعدم الرغبة في الحديث معنا عندما اقتربنا منه، حاولنا استقطابه، فتحدث بصوت خجول وحروف متقطعة حول ما يقوم به من عمل، فقال: «البسطة» التي أقوم بالبيع فيها تعود ملكيتها لأخي الأكبر، الذي أعمل معه منذ سنتين، وأضاف: كنت أعمل في بادئ الأمر بالمجان وبعد أن تعلمت كيف أدير «البسطة» أصبحت أعمل بمقابل. ويرى خالد (9 سنوات)، والذي بدا عكس سابقه، حيث كان فرحًا عندما شاهد عدسة «المدينة» وهي تقترب منه، وقد انطلق في حديثه الطفولي لنا وتحدث بلغة يغلب عليها البراءة وحداثة التجربة، حيث قال إنه يدرس في الصف الثالث الابتدائي، ويقضي في البسطة أكثر مما يقضيه في المنزل، حيث يأتي إلى البسطة مع آذان العصر ويقوم بالبيع حتى الساعة 12 ليلًا، ويقول خالد انه يرغب في مواصلة العمل في البسطة التي يمتلكها صديق أخيه والذي يعطيه بعض المال مقابل بيعه فيها. ويريد صاحب الجسد النحيل ذي التسع سنوات أن يقود البسطة بمفرده وأن يكون لديه خبرة في التجارة. ويرى أنه لا يمكنه فصل الدراسة عن العمل، حيث قال انه يريد مواصلتهما معًا وهو سعيد لذلك وأن العمل لا يعيقه عن استذكار دروسه حيث إنه يقوم بشكل يومي وعند قدومه من المدرسة مباشرة. ومن علي وخالد إلى إبراهيم، ذي العشرة أعوام أيضا، قال انه يعمل هو وإخوته من أجل تأمين مصاريف عائلتهم الصغيرة وذلك بعد وفاة والدهم، وأنه مع إخوته يعملون في أنشطة مختلفة حتى يستطيعوا كسب مزيد من المال، حيث يقوم هو ببيع الشنط بينما يعمل شقيقه الآخر في بيع المياه وكذلك الحال ينطبق على أخيهم الأكبر الذي يملك بسطة لبيع العطورات، بينما تعمل والدته في مجال الخياطة. حقوق الإنسان من جهته قال المستشار القانوني لهيئة حقوق الإنسان الدكتور عمر الخولي ان تشغيل الأطفال آفة خطيرة، مؤكدًا أنه يجب الالتزام بالسن القانونية والذي حددته الجهات المختصة والمحدد ب 18 عامًا، وقال الدكتور الخولي: اختفاء الآباء إما بشكل اضطراري كالوفاة والمرض أو اختياري كانفصال الوالدين مما ساعد كثيرًا على بروز مثل هذه الظواهر بشكل قوي، مؤكدًا أن الكثير من الآباء لا يستشعرون وجودهم مع الأسرة وحماية أبنائهم، ومن هذا المنطلق تحتاج الأسرة إلى عائل مما يدفع بها إلى الزج بأبنائها الصغار إلى العمل ولو بأجر زهيد من أجل تأمين لقمة العيش. وأضاف الدكتور الخولي: هناك العديد من الآباء يسيئون استخدام الولاية -على حد تعبيره- وذلك عبر الدفع بأبنائهم إلى سوق العمل في سن مبكرة، حيث يعتبر هذا الأمر انتهاكًا لحقوق الإنسان، فالطفل الصغير يجد نفسه مجبرًا على تنفيذ مطالب ولي أمره حتى لو كانت تضر به. معاقبة المخالفين ومن جهته قال المتحدث الإعلامي لجوازات منطقة مكةالمكرمة المقدم محمد الحسين ان تشغيل الأطفال المقيمين بصفة نظامية من اختصاص مكتب العمل، ولكن إذا كان هذا الأمر يتعارض مع نظام الإقامة ونظام الجوازات يتم عرض مخالفته التي تخص الجوازات إلى اللجنة الإدارية الخاصة بإدارة الوافدين ومن ثم إصدار الأحكام المناسبة عليه. وتتفاوت العقوبة وتختلف باختلاف المخالفات التي تم ارتكابها، وحول ما يتم من تشغيل لأطفال لا يحمل ذويهم إقامات نظامية أجاب الحسين: يتم عرض الحالة على اللجنة الإدارية الخاصة في الجوازات ومن ثم يتم إحالته ليتم تطبيق التعليمات الخاصة بذلك عليه.