خلال مسيرته الطويلة، ركز مجلس التعاون الخليجي على الجانب الاقتصادي في خططه الطموحة من أجل تحقيق العائد الأكبر من ثمرات التعاون بين دوله في المجالات الاقتصادية مشروعًا وسوقًا واستثمارًا، ولا يعني ذلك أن المجلس أهمل الجانبين الأمني والدفاعي اللذين احتلا أهمية قصوى في جدول أعمال القمم الخليجية على مدى أكثر من ثلاثة عقود، لاسيما بعد حرب الخليج الثانية عندما تعرض الكويت الشقيق للغزو العراقي عام 1990. وقد ظلت تلك الأهمية تزداد بشكل متنام في ظل اختلال نظرية الاحتواء المزدوج التي انهارت بعد الغزو الأمريكي للعراق في ربيع 2003 ، عندما أصبحت إيران المهدد الأكبر لأمن الخليج، وحيث وصلت التهديدات والاستفزازات الإيرانية لدول المجلس الست إلى ذروتها في الآونة الأخيرة من خلال التدخل في شؤونها الداخلية وزرع بذور الفتنة في دوله، وهو ما اتضح بشكل كبير بالنسبة لمملكة البحرين الشقيقة التي تعرضت لعدة محاولات انقلابية حركتها الأصابع الإيرانية. الفكر الإستراتيجي لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله-، وما يتمتع به من بعد نظر في رؤيته لتطورات الأحداث دفعه إلى أن يطرح مبادرته قبل عام التي دعا فيها إلى انتقال دول المجلس من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد التي تعتبر الصيغة المناسبة لمواجهة تحديات أمنية جسدتها التهديدات الإيرانية المتزايدة التي يزيد من وطأتها إصرار طهران على تطوير برنامجها النووي المثير للجدل. وقد أحسن المجلس صنعًا عندما بدأ في تدشين المبادرة في قمة المنامة التي اختتمت أعمالها أمس الأول عندما وافق في بيانه الختامي على إقرار الاتفاقية الأمنية لدول المجلس وإنشاء قيادة عسكرية موحدة للتنسيق والتخطيط والقيادة للقوات البرية والبحرية والجوية. أهمية هذا الإنجاز الجديد تتمثل في اتسامه ببعد إستراتيجي هام إلى جانب إنه يهيئ الأرضية المناسبة لانطلاق الاتحاد الخليجي الذي تنعقد عليه الآمال بأن يولد مع انعقاد القمة الخليجية التشاورية في الرياض بعد ستة أشهر. ينطوي الإنجاز الخليجي الجديد على أهمية كبيرة لأن من شأنه تعزيز المنظومة الأمنية والدفاعية لدول المجلس بما يوفر مظلة أمنية ودفاعية شاملة لدوله في مواجهة أي تهديد خارجي إلى جانب حماية المنجزات والمكتسبات التي حققتها تلك الدول في ظل الأمن والاستقرار والرخاء الذي تنعم به.