تظل للأسواق الشعبية بجدة نكهتها الخاصة، ولعل من أبرز ما يميز سوق باب مكة هو وجود بعض الباعة المعمرين في السوق، والذين مضت عليهم العقود تلو العقود وهم ما زالوا يعملون بجد ومثابرة بحثا عن لقمة العيش بين أوساط هذه الأسواق التي تعد المكان المناسب لتلبية الكثير من احتياجات المواطنين والمقيمين من ذوي الدخل المحدود. ومن أولئك الباعة المعمرين العم بركات علي راجح العبدلي ابن الستة والستين عاما، والذي أمضى أكثر من ثلاثين عاما منها وهو يعمل في هذا السوق العتيق. وبعد أن أطلق تنهيدة من على بسطته المتواضعة استعاد من خلالها الذكريات قال العم بركات: قدمت من قريتي (المظيلف) قبل أكثر من ثلاثين عاما حيث كنت أعمل مزارعا في القرية وكان مصدر دخلي الوحيد منها ثم أتيت جدة بغية تحسين المستوى المعيشي، وعملت في العسس عند عمدة الحارة ليلا، وفي الصباح كنت أبسط ممتهنا بيع الخيزران والمساويك والمراوح اليدوية، وظللت على هذا الحال سنين عدة حتى تم إلغاء نظام العسس. وأضاف: حبي وتعلقي بالسوق دفعني لمواصلة رحلة الكفاح التي بدأتها من أكثر من ثلاثين عاما، ومواصلة العمل في بسطتي لبيع العصي والخيزران والمساويك وبعض الأواني التراثية كنوع من التسلية وقضاء وقت الفراغ لدي». العم بركات الذي تعود أن يبسط كل يوم منذ إشراقة الصباح الباكر، ها هو المرض اليوم يتسلل إليه، ليكتفي في العمل في المساء من بعد العصر وحتى العاشرة مساء بعدها يعود إلى بيته الشعبي بحي السبيل, الذي يسكن بعضه ويؤجر بعضه الآخر. وعن أبرز المواقف التي حدثت معه يقول: أحيانا يأتيني بعض الزبائن من جنسيات مختلفة لا يملكون المال الكافي لشراء ما يحتاجونه من عندي فأقوم بمساعدتهم على ذلك. وبالرغم من قلة المردود المادي لبسطته إلا أن العم بركات يرفض تركها أو حتى تغيير نشاطها، مشيرا إلى أنه استطاع تكوين علاقات واسعة مع زبائن من مختلف الطبقات عبر أكثر من ثلاثة عقود. وقال: تكونت لدي علاقة وثيقة بالزوار، ولو لم أخرج من عملي على هذه البسطة الا بالعلاقة الطيبة وحسن المعاملة لكفاني ذلك.