أولًا: مفردات لغوية.. سيحاكمنا بتجلياتها التاريخ.. ثمة مفردات وتراكيب لغوية، نجد في استخدامها في غالب الأحياء، لتكون ثيمة متكررة مغلقة لخطابات تعليمية وثقافية واجتماعية شتّى، وتصبح رؤيتنا لدلالاتها ناقصة حينًا، وقاصرة في أحيان أخرى. 1- (بيئة جاذبة) كثيرًا.. ما يتداول أصحاب الخطاب التعليمي لدينا هذا (المفهوم)، على ألسنة مشرفيه التربويين، ومديري إدارات مؤسساته التعليمية المتعددة، إذ هم إمّا يزعمون أن بيئاتهم التعليمية -التي تتجه إليها خطاباتهم- هي بيئات جاذبة للمتعلمين باختلاف أطيافهم، وإمّا يروّجون لمن حولهم، أن اشتغالات خطاباتهم التعليمية التربوية، تتجه دائمًا لتحقيق هذه البيئة الجاذبة كيانًا حقيقيًّا ملموسًا في مدارسنا المتنوعة.. والحقيقة أن هذه البيئة المتخيلة شبه غائبة عن المشهد التعليمي، إلاّ بنسب ضئيلة، توافرت فيها لبعض المدارس إمكانات معينة وشروط مستحقة يمكن أن تقترب بها من هذه البيئة/ الحلم.. في مدارسنا عامة..! .. الدلائل كثيرة، ولستم في حاجة إلى سردها (بالتأكيد)، من ارتفاع نسب الغياب بين الطلاب، والحاجة الملحة دائمًا إلى إجازات متكررة... وهكذا!! .. كان من الممكن -على الأقل- ترك النطق بهذه (البيئة الجاذبة)، حتى نثق بأننا نعمل في الاتجاه الصحيح لإيجادها.. إذ إننا نسير في الاتجاه (الصحراوي) المعاكس، الذي يقودنا في كل مرة، إلى فضاءات طاردة منفرة.. يباب في يباب!! 2- (الهوية.. الخصوصية) وعندما يصادفنا الآخر في أي ملتقى وطريق، نبرز شأن (الهوية) كسلاح مضاد للتفاعل الإيجابي معه، ومع ثقافاته وآدابه!! هل لدينا (هوية).. حقًّا؟! ما هي (هويتنا)؟ أين نجدها؟ في بعض المدارس المجدبة، أم في بعض المستشفيات التي باعت الضمائر، وتلاعبت بالمصائر، أم في بعض المدن الواقعة بيوتها وطرقاتها نهبًا للمفسدين، أم في ثقافة (دوري زين) التي يرتهن إليها السواد الأعظم.. منا؟ أمّا محاولتنا القفز على هذه الكوارث، باعتبارنا (جيرة خيرة) للحرمين الشريفين، ليخولنا هذا الجوار بأن نتوهم دائمًا بكوننا المجتمع الملائكي على أرض الله الواسعة. فهذه، لا ناقة لنا فيها أو جمل، فهي نعمة من نعم الخالق عز وجل على أهل هذه البلاد، لم نحسن الوفاء بواجباتها (فإذا استثنينا اعتراف حجيج كل عام بجهود حكومتنا الشريفة)، كيف نفسر الرؤية التي ينظرون بها إلى ما يصادفونه من بعض مواطني البلاد، الذين لا يتورعون عن ممارسة غشهم والتدليس عليهم، وتقديم أسوأ مشاهد الإخلال بقيم الدين الخالص والنظام المتقن والعلم الكوني، وبقية المنظومة النبيلة. (3) العقل! .. (اعقل.. يا رجل) و(خلك عاقل).. والعقل والعقل..!! ونحن أبعد ما نكون عن أنوار العقل (الخالص)، الذي يزدهي بالذهنية العلمية القادرة على رؤية الأشياء والحكم عليها بطريقة سوية.. نحن -في معظم حالاتنا- مجتمع انفعالي عاطفي يعشق الخطابية الفجة، والعيش في عالم الأساطير والأحلام والخرافات، ولذلك فقد انتهينا إلى آحاد متماثلة من (معيونين) و(محسودين) و(مسحورين) و(مخذولين)!! (4) الأمن.. والأمان!! أمّا الأمن فقد تكفلت به حكومتنا الرشيدة، باعتباره غاية جمعية ملحّة في مواجهة الأعداء والمتربصين، ولكن (الأمان) الذي ينتظره الأفراد، من المؤسسات المتنوعة في شؤونها المختلفة، من صحة وتعليم ومؤسسات خدمية تتجه إلى الإصلاح والتطوير (في الماء والكهرباء والطرقات والصرف الصحي... إلخ)، فأرى أنه شبه غائب عن وجدان المواطن! مَن منّا يعرف مشفى يتجه إليه، عندما يلم به أو بأحد أبنائه مرض ما!! ويطمئن إليه بيقين تام أنه لن يقع تحت أخطاء طبية من كل شكل ولون، آخرها دماء مضخة بكمية زائدة لأجساد لا تتحمّل!! ومَن منّا يقود سيارته بمأمن عن حفر الطرقات المتشظية، وغياب سيارات المرور، مع حضور عنترية الشاحنات، وعبث المراهقين؟! مَن منّا يأمن عدم (عرقلة) موظف حكومي (ما له مزاج) لإحدى معاملاته التي لا تتأخر؟؟ هل نحن نستشعر (الأمان) في حياتنا بصدق؟! ثانيًا: استغاثة أديب (نداء لغير الأدباء.. هذه المرة)!! كنت قد أشرت في مقالي السابق عن الحالة الموجعة، التي يمر بها أحد الأدباء الحقيقيين في هذه البلاد، من الذين نهضوا بالمنجز السردي إبداعًا ونقدًا في مشهدنا الثقافي، وكانت له مساهمات أدبية فاعلة خلال قرنين من الزمان في وسائل إعلامنا المقروء والمرئي والمسموع، وهو الآن ينكفئ على ذاته، تاركًا -بلا إرادة- العمل الثقافي الذي لطالما هجس به، وتألق فيه، بسبب أزمات مادية خانقة، تراكمت عليه فيها الديون من كل جانب، بسبب (كفالة) غارمة، سلبت (راتبه) كله..! وعندما كتبت عن حالته المتأزمة، كان ندائي يتجه إلى رفقائه ومحبيه وناشريه من أدباء البلاد، الذين تربطهم به علاقات ثقافية واجتماعية وطيدة، ولكني صعقت من سلبية التلقي ومشهد الإهمال والإعراض، من ذوي القربى له بداية.. وها.. أنا أعيد النداء المستغيث مرة أخرى، متجها به إلى غير الأدباء والمثقفين، ممن يزدهون بتجليات التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع، ويفرحون بتفريج الكرب، وإغاثة المحتاجين، خاصة، وهم يتعففون من السؤال، وتمنعهم ذواتهم الأدبية الخالصة من (رمي) أنفسهم في كل مكان، يدلقون فيه كلماتهم العذبة بمقابلات مادية رخيصة!! [email protected]