«أية مادة؟» طرأ السؤال بعقله وهو يخطو إلى صالة الامتحان قلقا. قرعت ورقة الأسئلة طاولته وصدره. فك الطالب أزرار الرقبة لعل أنفاسه تهدأ. تحرك واستقر ثم رفع الأسئلة فاتسعت عيناه بعد السؤال الأول. أغمض عينيه وفتحهما وانتقل إلى السؤال الثاني فلمعت جبهته. زحزح بصره إلى الثالث والرابع فضاقت حنجرته. اصطكت ركبتاه وذهبت الاشكال والاصوات عدا نبضات قلبه، وبصره حائر بين الأسئلة لا يتذكر شيئا. «كيف؟» سأل نفسه معاتبا. مضى الوقت ولم يكتب حرفاً. التفت يساراً فارتد نظره خائباً فالورقة بيضاء نقية ووجه صاحبها كاشارة مرور، فأحسّ الطالب بالعزاء في محنته. استهلك جلده وثوبه ما شربه قبل الامتحان فطلب كوب ماء صبه في جوفه وتخيّل بخاره ينطلق من أذنيه بصفير حاد معلناً حالة الطوارئ ليشغل أجهزة التصوير والتنصت بأقصى سرعة. تذكّر زميلا مجتهدا يجلس خلفه فأحس بالأمل وأدار رأسه وهمس، فجلجلت صيحة من أحد المراقبين هزت أضلاع الطالب وقلّصت عضلات بطنه. نظر إلى ساعته فإذا العقارب كلها للثواني. قلمه لم يتحرك إلا ليكتب كلمات لا تزيد عن الموجودة في ورقة الأسئلة. شهق وزفر وضغط بقلمه على ظهر الذي أمامه بقوة اليأس الشديدة. اهتز الزميل والتفت بعينين ترسلان الشرر، فسحب صاحبنا قلمه وضغط على أسنانه غيظاً من زميله الذي نسي «العيش والببسي» الذي بينهما. مضى الوقت ولاحت على اليمين ورقة تتدلى كثمرة شهية من غصنها، فبدأ يسجل سطورها بعينيه ويكتبها على ورقته. وهنا ارتج المكان بصوت خشن يصيح «انتهى الوقت». قرعت الكلمات جمجمة صاحبنا وترددت فيها «انتهى الوقت»، «انتهى الوقت»، فكادت تحطم رأس المسكين. على فيه اليأس والخوف والغضب معاً فهاج يصيح أنه لم ينته. ثم خف صوته يطلب دقائق أخرى وصار يتوسل وتجمّدت أصابعه على أوراقه رافضاً تسليمها، والمراقب يجرها ويهدد. أظلمت الغرفة وغابت الأصوات والأجساد ووجد نفسه ممددا ويد تمسك به وتهزه، وصوت رقيق يناديه ويرتفع كأنه صدى: «حان الوقت»، «حان الوقت». رفع بصره فاذا أمه تناديه وهو في سريره وجسمه مبتل بعرقه, وأصابعه مطبقةٌ على غطاء السرير. قفز قفزةً هائلة لينظر إلى التاريخ، وأشرق وجهه ورفع يديه وأخذ برأس أمه يقبله وهي متعجبة مما يصنع. وقف على النافذة يملأ جوفه بهواء الفجر العليل، وأجاب على انكار أمه لحالته قائلا: «ياله من حلم مزعج لن يتحقق أبدا باذن الله». فارس محمد عمر – المدينة المنورة