عبرت عقارب الساعة خطوط العاشرة إلاّ عشر دقائق بقليل.. ها أنا أتهادى داخل قاعة الامتحان.. ثمة طاولات انزرعت بلا مقاعد.. بلا مقاعد.. وممتحنون تراكموا خلفها بلا عدد.. بلا عدد.. ربضت مثل آخرين خلف إحدى الطاولات.. فكرت ان اسأل عن كرسي أجلس عليه لكن مرأى الجميع المنصلت وقوفاً ألجمني الصمت.. أنصب طولي معهم وانتظر.. جاء صوت أحد المراقبين يشق حجاب الفوضى: - بسرعة.. خلصوا.. باقي من الوقت نصف ساعة. ثار لغط وسط اللغط.. وعمت الفوضى فوضى.. صرخ أحدهم: «نحن لم نستلم أوراق الأسئلة بعد» عقب عليه ثان: «ولا حتى كراسات الإجابة».. زعق ثالث: «وين الأسئلة؟!.. أعطونا الأسئلة..». تسابق المراقبون إلى مظاريف الأسئلة، وأخذوا يرشقوننا بها.. يرشقوننا بها.. ينثرونها فوق رخام الصالة بلا نظام.. بلا نظام.. هطلت عليّ إحدى الأوراق.. نظرت فيها.. قلبتها.. كانت بيضاء فارغة.. التقطت أخرى.. كانت بيضاء نظيفة.. بدت الأوراق حولي كلها فارغة.. استدعيت أحد المراقبين وحدثته: - ورقة الأسئلة هذه فاضية.. نظر إليّ نظرات حقنها بما استطاع من استهانة واستهتار: - أنت ما تشوف!!.. طالع اقرأ الورقة زين.. ورايح تلقى الأسئلة.. عدت أتفرس الورقة من جديد.. بيضاء كالقطن.. قلبتها ظهراً لبطن.. بطناً لظهر.. لا شيء البتة.. يا آالله!.. وش قاعد يصير؟!! أردفت: - ولم استلم كراس إجابة أيضاً.. انعقد فوق حاجبيه لهيب الغضب.. فرد ورقة الأسئلة البيضاء وأشار إلى طرف الورقة الخالي تماماً وهو يقول بقرف: - ايش فيك أنت؟! أنت ما تعرف تقرأ؟! اقرأ هذي الملحوظات.. أولاً: يمنع استعمال القلم.. اثنين: لا يصرف كراس إجابة.. ثلاثة: تحظر الكتابة على ورقة الأسئلة.. هاه.. فهمت وإلاّ أعيد لك ثانية؟! اتسعت عيناي بحجم الذهول.. من أين قرأ كل هذا؟! الورقة بيضاء تماماً تماماً.. عاركت يدي عيني علهما تبصران شيئاً.. ابتلعت الصمت واتهمت نفسي بعدم الفهم.. لويت عنقي باتجاه بقية الممتحنين.. كانت عيونهم انغرست في ورقة الأسئلة، وأيديهم تتحرك بالكتابة فوق لوح الطاولة الفارغ.. بقيت التفت يمنة ويسرة.. يسرة ويمنة.. أرعبني صراخ المراقب: - طالع في ورقتك يا ولد.. كان الجميع مشغولاً بالكتابة سواي.. أين يكتبون؟ وبماذا؟! وأين يجيبون؟! وعن أية أسئلة؟!! أسئلة فتقت في عقلي مسار الأسئلة.. لم أعرف كيف أجيب؟ ولا أين؟! قررت ان أخرج فوجودي هنا بلا معنى.. بلا معنى.. نظرت إلى الساعة، كانت تشير إلى التاسعة والنصف.. أذكر أني دخلت الامتحان في العاشرة تقريباً.. كان الجميع يجيبون بحماس.. بحماس.. وكنت أشعر ان مكاني ليس هنا.. تفجر داخلي علقم الفجيعة.. حملت ورقتي البيضاء وقذفتها تحت المراقب وأنا واثق ان ترتيبي سيكون الأول.