انتفض فوجد المكان معتماً للغاية، اعتقد أنه في منزله كعادته في كل ليلة، نادى زوجته: «سمر، سمر.. لا فائدة. هي دائماً لا تسمعني عندما أناديها « أراد أن ينهض ولكنه لم يستطع..، حاول جاهدا القيام دون جدوى، هناك شيء ما يمسكه بقوة حاول جاهداً القيام دون جدوى، مازال هذا الشيء يمسكه ولا يستطيع معه أن يرفع صدره للتنفس، يجذبه إلى الأرض وكأنه يريد دفنه، أحس أن هناك بناءً ضخما سقط فوقه، شعر بأن ذلك الشيء تمركز في جذعه، صار يتلمسه فأحس بشيء لم يصدق عقله ما هو ؟! تحسسه عدة مرات للتأكد، لا مجال للشك إنها أصابع تلتف حول جسده ومخالب حديدية تغرس في لحمه، لم يستطع تحديد ما إذا كانت أصابع بشرية أم لا ؟ على أية حال وضع مفزع بالنسبة له، أصبح يصرخ ويستنجد حاول بكل قوة التخلص مما هو فيه لكنه لم يستطع، كل شيء في هذا المكان أقوى منه بكثير، استمر الصراخ فترة طويلة، أحس أن حنجرته تخرج من فمه، هدأ قليلاً، شعر ببرودة تحته ارتعدت منها جميع فرائص جسده، شعر بها للتو، يا إلهي.. مصيبة أخرى، عاد مرة أخرى ليشق المدى بصوته، في هذه اللحظة أحس بخيط نور قادم من الجهة اليسرى. التفت.. هناك نافذة صغيرة يخرج منها ضوء خافت، ردت له روحه وعاد دمه يسري في عروقه بعد أن تحجر فيها، وبدأت خيوط الأمل تُنسج في عينيه، وصار ينادي لعل أحد يسمعه هناك ولكنه فوجئ بأصوات قهقهة عالية شديدة، ألجمته فأصغى، نظر إلى الأرض، عرف أخيراً سبب هذا إنه في منطقة جليدية،.. يا إلهي ولكن كيف !! إنها ليست بيئته، ازدادت مخاوفه وبدأ القلق يعبث به، عصفت بمخيلته أسئلة كثيرة، أين هو ؟ وما الذي سيحدث له ؟ ولماذا هو دون غيره ؟ تمنى أن يكتب وصيته لزوجته سمر، يعتذر فيها عن أخطائه الفادحة خلال حياته معها ودخل، دوامة من الأفكار ما بين الماضي وما سيحدث الآن، عندها قطع عليه صوت صرير باب الغرفة وتسلل ذلك الضوء منها لعينيه، يقف هناك هيكل بشري أسود لا تتضح تفاصيله، لأن المكان معتم والنور يأتي من خلف ذلك الهيكل، لم يطمئن له ولكنها فرصة للحياة قد لا تعود، عزم على الإمساك بها، حاول أن ينادي الواقف أمامه، أن يلوح بيديه فلم يستطع، بدأ الرجل بالتقدم نحوه بخطوات بطيئة، حتى وصل إليه ووقف عند رأسه ينظر إليه نظرة ازدراء وألقى عليه كلمات لم يفهم حرفا واحداً منها، استطاع فقط أن يلقي نظرة عليه ليراه، رجل ضخم، ذو شفاه زرقاء ملطخة بالدم، وفم واسع يظهر فيه نابان حادان كأنما بُرِدا بمسن، وعينان تكادان أن تتفسخا من جفونهما حقدا وهما تحدقان به، ووجه أصفر شاحب، يرتدي معطفاً بنياً قاتماً متسخاً وممزقاً، وحذاء أسود تظهر من نوافذه المفتوحة أقدامه المليئة بالجراح، والدم يتقاطر منها، « يا إلهي.. من هذا الرجل؟!» هل نحن في فيلم رعب؟ أم أننا في لحظة انتقام ؟ أم أن هذا الواقف ليس من البشر أساساً؟! قاطعه صوت الرجل وهو يزمجر والأرض تهتز من شدة صوته، لكنه لم يفهم شيئا، يبدو أن اللغة كانت مختلفة تماماً، وحتى المكان مختلف أيضاً، ارتجف من شدة الرعب، أسنانه بدأت تصطك خوفا محدثة طقطقة، وقبل أن يتفوه بكلمة واحدة، شده الرجل من قميصه، كاد أن يخلع قلبه من صدره، وبدأ بسحبه على الأرض، رأى الموت بين عينيه من شدة الألم، لكنه يصارع نفسه لا يريد أن يظهر ضعفه أمام هذا المجهول، أصبح يمسك الأرض يريد أن يوقف استمرار السحب، أدخل أظافره فيما تحتها محاولاً تمديد جذور لها لتوقفه، ولكن يبدو أن الرجل الدموي ما زال مصراً على سحبه، فجأة صرخ صرخة رجت أركان المنزل، فزعت سمر من صوته وهو يقول « أرجووووووك، لدي عائلة وأطفال، لا أريد الدخول «، نفثت عليه سمر نفثات متواصلة وهي تقرأ المعوذات. فتح عينيه فوجد نفسه في منزله، ينام على سريره، وسمر بجانبه. صار يقلب نظره في الغرفة ولا يستطيع التعليق بكلمة واحدة، ولكن عقله الباطن لم يترك الحادثة دون تعليق عليها بقوله: جاثوم مجدداً ؟! حمدا لله.جاثوم يراوده كل ليلة، وكأنه بطل لفيلم مرعب لا يعرف له سببا، لم يترك عيادة نفسية، أو طبيبا نفسيا مشهورا في منطقة ما إلا وهب إليه، عجز الأطباء عن الوصول إلى كنه مشكلته، إنه صوت الضمير للذنوب التي اقترفها، يعذب ذاته بنفس القدر الذي جنته يداه. * الطالبة -بالثانوية (40)