الثابت ما لا يتغير؛ لأن في تغيره نقصا يعود عليه، والمتغير ما لا يصلح ثباته؛ لأن ثباته يجلب معه الحرج والمشقة والإثم، والكلام فيهما يفرض المزيد من اليقظة والحذر؛ فبهما يحفظ الدين إن أنزلا المكان اللائق بكل منهما، أو يبدل ويحرف عن مواضعه إن وقع خطأ في تقدير محل كل منهما. هذان المصطلحان أثر عن قاعدة معلومة عند المسلمين: "أن الإسلام دين صالح لكل زمان ومكان": (ما فرطنا في الكتاب من شيء)، أي إنه بأحكامه الثابتة صلح لهما وبالمتغيرة أيضا؛ فأحكامه التي صنعت على عين الله تعالى، منها الملائم للأحكام البشرية المستقرة: "الفطرة"، و"العقل" فهذه ثابتة لا تتبدل ولا تتغير وفيها ما يتبع "الحاجة"، فهذه متغيرة بحسب الظرف، فالثبات ارتبط بأصل الشريعة، والتغير بالطارئ المستثنى؛ لذا فإن الفرائض الواجبة صالحة لكل الأحوال، والمحرمات فاسدة على الدوام، مما يدل على أن عموم أحكام الشريعة تكتسب صفة الثبات.. نوضح هذا ببيان حدود كل منهما. فالثابت: ما كان بدليل قطعي الثبوت والدلالة أو قطعي الثبوت ظني الدلالة لكن يمكن حمله على القطعي؛ أي حمل المتشابه على المحكم، وأبرز ما ينطبق عليه هذا الحد: الأركان الخمسة للإسلام والستة للإيمان والعقائد كالتوحيد ونبذ الشرك، والسنة وترك البدعة وفعل الفرائض كالبر والأمانة والصدق والجماعة، والانتهاء عن الكبائر كالزنا والخمر والقتل والعبادات كالصلوات والصدقات والمقاصد من الأحكام، وهي: حفظ الدين، والنفس، والعرض، والعقل، والمال، والنسل كلها من الثوابت. أما المتغير فأقسام عدة: فمنها: حالات "الاستثناء" التي تطرأ على الثابت لضرورةٍ كأكل الميتة للمضطر: (إلا ما اضطررتم إليه)، أو لإكراهٍ كالنطق بكلمة الكفر للمكره: (إلا من أكره). ومنها: ما سكت عنه الشارع بلا أمر ولا نهي، وهذا يعم سائر الأحكام الدنيوية التي سكت عنها رحمة بلا نسيان، وقال صلى الله عليه وسلم: (أنتم أعلم بأمور دنياكم). ومنها: ما اختلف فيه قول الشارع بحسب الوقائع، فيحكم لكل واقعة بحكمها، كهجر المبتدع، وإنكار المنكر، وقطع الأيدي في الغزو. ومنها: ما فقد شرطا من شروط إنفاذ الحكم، كحد السرقة على سارقٍ لجوع، أو فاعلٍ للمحرم لجهل، ومنها: وسائل المقاصد التي بها يتحقق المقصد فإنها قد تتعدد، كالمثلية في فدية الصيد، فالمثلية مقصد ثابت، لكن تحقيق المثلية يمكن بأكثر من نوع: (فجزاء مثل ما قتل من النعم). بالثابت يبقى للوحي المنزل صورته وهيئته التي نزل بها، وتتحقق هوية الأمة فتتميز بالملة عن غيرها، فصونه مطلب وفريضة، أو تكون كالمغضوب عليهم: (يحرفون الكلم عن مواضعه)، وبالمتغير يرفع الحرج والمشقة والإثم عن الناس، ويتحقق التخفيف: (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون). ويكون المسلمون أقدر على تجاوز ما يعترضهم من مشكلات ليست حصرا على عصر بل في كل زمان، والأمر ليس متروكا لاجتهاد المجتهدين، خصوصا مع كثرة الطارقين لهذين المصطلحين لمآرب لا تخفى، مع أنه حق، لكن كم من كلمة حق أريد بها باطل.