* ليس الحب أو الإعجاب؛ بل الذعر هو الفاتحة اليوم في حكايات الخدمات وبعض شركاتها ومؤسساتها، التي أراها تتفنن ببشاعة في تعكير صفو المواطن بطريقة تبدو مثيرة جدًا، وكلكم مرّ بتجارب كثيرة مزّقت أقدامه، وأرهقته جدًا، ونالت من قواه ليصل حد الإنهاك، وما رأيت قط في مجتمع آخر ما يحدث في مجتمعنا، سواء في الاتصالات، أو في شركة الكهرباء، أو في بعض المدارس، أو حتى في استخراج شهادة الوفاة، وكأن مجتمعنا يسير عكس مجتمعات العالم الذي يعي قيمة الوقت وأهمية تبسيط الإجراءات لخدمة الإنسان، هذا الكائن الذي يمنحونه من العناية ما يلزم، ومن الرعاية ما يكفي، ويتعاملون معه بإحساس مختلف تُشعره بوجوده، وتمنحه فرصة للتجلي والإبداع، أما مجتمعنا فلا شيء يأتي إلا بطلوع الروح، لا والمصيبة أنك تدفع -أحيانًا- مبالغ خيالية لتحصل على خدمة رديئة بصعوبة مملة.. فمثلًا في شركة الكهرباء، هذه الشركة التي تُشعرك بأنك متسوّل، وتلعب بأعصابك وتسقيك من حنظل المواعيد أطنانًا ومآسي؛ لتبدو وكأنها تقدم خدمة مجانية، وتتصرف معك وكأنك لص، هذا يمنحك ورقة، وآخر مثلها، وثالث موعدًا ربما يتعارض معك، لا بل -وأحيانا- يختارون يوم إجازتك، وحين يأتي مندوبهم يصعد للأعلى بعنجهية ليبدو وكأنه المحقق «كونن»، ومن ثم يمنحك ورقة لتحملها بيدك للشركة، وهناك تكون المفاجآت التي عليك أن تقبلها شئت أم أبيت، هذا وهي شركة خدمية يفترض أن تأتي إليك وتُقدِّم لك كل ما ترغب، وتمنحك من خلالها كل ما تود، لأنك أنت العميل الذي بدونك يستحيل أن تتقدم الشركة، أليست هذه حقيقة مرة...؟!!! * حتى في شهادة الوفاة، قضية معقدة ودوران من مكتب إلى مكتب، وتواقيع كثيرة، تنتهي بنجاحك في الخروج من مصيبتك بمصيبة أخرى، وتفرح جدًا حين تنتهي إجراءات شهادة الوفاة وكأنك حصلت على شهادة الدكتوراه، لاحظوا أنا هنا أتحدث عن إجراء يقوم به إنسان متعب جدًا، ومحزون جدًا، وفوق كل هذا لابد عليه أن يمضي بقدميه لينتهي بفقيده إلى عالم اللحود، ويا حظه إن وجد قبرًا شاغرًا في مقبرة يريدها هو أن تكون البيت الأخير لفقيده، وهذه حقيقة أخرى.. والسؤال الأخير هو: إلى متى سنبقى هكذا مطاردين فوق أرضنا، وكل هذا بسبب إجراءات عقيمة وبعض الأنظمة التي لا تتناسب إطلاقًا مع هذا العصر، لكن مصيبتنا هي في الركون إلى الخمول، والتعاطي مع الوظيفة بنفسية تعيسة محبطة، لنعيش بعدها نحن كمواطنين في دوامة، فهل هناك أتعس من أن ترى أنك تتعامل مع بعض الأنظمة القديمة التي لا تتناسب مع هذا القرن، ومع ثورة المعلومات والتقنية الحالية، وهي جدلية لابد أن تنتهي لكي نستطيع أن نتقدم، وبدون ذلك لا أمل سوى البقاء في مكاننا للأبد...!!! * (خاتمة الهمزة).. ثمة أعمال تكبر في داخلك حين تأتيك من خلال خدمة راقية وأنيقة تشعرك بأنك خُلقت لتحيا الفرح، لا لتشقى، ومن حيث انتهى المقال والتعب أكبر من أن ينتهي، وانتهت المساحة والألم يسكن مفاصل الحياة؛ من خلال التعامل مع المواطن وكأنه الخصم الذي لا يستحق سوى التنكيل!! وهي خاتمتي ودمتم. [email protected]