للأدب سلطانه، وللفكر قادته، والإنتاج الأدبي له مبدعون ومستهلكون، والجمهور الذي يتعامل مع المنتج الأدبي، ويتعاطى المعرفة الأدبية بكل أشكالها يحتاج إلى التوقّف أمام هذا المنتج، وتحديد مدى جودته وفائدته، الأمر الذي يعني أننا نعود إلى مقولات قدماء نقاد العرب الذين نظروا إلى الأدب بوصفه بضاعة أو سلعة. ومن هنا ربما جاء موضوع الأسواق الأدبية التي تعرض فيها الأشعار، ويلتقي فيه الأدباء بالنقاد، ويحكم على الكلام جيده ورديئه، وكان الشاعر يعرض بضاعته وعقله أمام الناس، وهو أمر جعل الشعراء يحرصون على تجويد المنتج الأدبي حتى صح لبعضهم أن يجعل القصيدة تمكث عنده حولاً كريتًا يجعل فيها نظرة ويتأمّلها وبعد الحول الكامل يخرجها للناس وينزل بها الأسواق. والمتأمل اليوم لما ينشره من دواوين الشعر الحديث وقصائد الشباب يرى عجبًا في كثير منها، من حيث ضعف الأساليب اللغوية، وفقر المعجم، والجهل بمفهوم الشعر والشعرية لدى بعضهم إلى الحدّ الذي تصبح معه النصوص فوضى لا تقدم رؤية، ولا تحمل إيحاءً، أو رمزًا، بل إن تشكيل الصور يعتوره الخلل، وبناء المعاني يتهددها غياب المنطق الفني لعلاقات العناصر والصور الجزئية؛ لتكون أمام أشتات مجتمعات لا يربط بينها سوى ورودها تحت عنوان واحد، أو بين دفتي غلاف، ومع ذلك فإن المطابع تدفع، والمواقع تصفع بغثاء فاسد لا يحمل مضمونًا، ولا قيمة جمالية. إن من ينظر إلى مثل هذا النتاج الرديء، والذي استشرى في مواقع الشعر والأدب في المواقع الإلكترونية، وعلى صفحات بعض الجرائد والمجلات سوف يُصاب بالدهشة لعدم وجود مَن يقف في وجه هذا السيل الجارف من الكلمات الرديئة التي يحسب أصحابها أنها شعر، وما هي بشعر. ويظن صاحبه أنه من أهل الأدب، والأدب عنه بعيد، وإذا كانت المؤسسات الحكومية والأهلية اليوم تتعامل مع جهات يسمّونها لجان مكافحة الفساد، فإن الأحرى بالأدباء والنقاد وأرباب الفكر أن يكون لهم دور وموقف واضح في مواجهة مَن يفسدون الفكر والذوق، وقيم المعرفة الأدبية، ويحسبونه هيّنًا وهو في واقع الأمر جرم في حق الإنسانية، ينال من الجمال والفن، يستحق معه أن تتصدّى له الجهات المعنية بمكافحة الفساد.