يؤكّد الكثير من الأدباء أنّ الساحة الأدبية السعودية تعاني من مشكلة كبيرة فيما يتعلّق بالنقّد الأدبي، فالكثير مما يطرح تحت مسمى النقد في الصحف والمجلات السعودية لا يراه الكثير من الأدباء أكثر من مجاملة وهذر لا ينتمي إلى النقد الأدبي الرصين الذي يراعي الضوابط العلمية، إلا أنهم يرون في بعضه ضرورة وبصيص أمل، فإلى شريحة من أدباء تم استطلاع رأيهم: • فساد أدبي يرى أستاذ الأدب الحديث جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية بالأحساء د. نبيل المحيش أن الناقد الجيد لا بد أن يمتلك معرفة متميزة ورؤية نقدية، مؤكداً أن « ما يكتب في صحفنا ومجلاتنا تحت مسمى النقد لا يمكن إعطاء حكم عام عليه، فهناك نقد جاد ينقد ويعرّف بالمنتج الأدبي ويربطه بالسياق الثقافي والأدبي للأديب وبالفضاء الأدبي العربي، وهناك كتابات تدعي أنها نقد ولكنها أبعد ما تكون عن الكتابة النقدية لما فيها من مجاملات فجة أو سطحية». ويضيف: « هذه الكتابات نوع من أنواع الفساد الأدبي الذي تجب محاربته كما تحارب أنواع الفساد الأخرى. ومن أسوأ أنواع الكتابة النقدية الهدامة الكتابات الكيدية التي نجدها عند بعض الكتاب الذين باعوا ضمائرهم ويكتبون بدافع الحقد والحسد وهذا هو النقد الهدام الذي يشكل خطراً على الإبداع العربي ولذلك فنحن ندعو إلى النقد البناء والابتعاد عن النقد الهدام». هناك نوع من المجاملة المقبولة وهي القيام باختيار الكتابة عن عمل أدبي لصديق ليكتب الناقد عنه كتابة موضوعية لا مجاملة فيها. وكثيراً ما يجامل النقاد مثلاً أصحاب المناصب أو أصحاب المراكز في الصحف والمجلات مع أن كتابتهم قد تكون رديئة». ولكنّ المحيش يذهب إلى أنّ»هناك نوعاً من المجاملة المقبولة وهي القيام باختيار الكتابة عن عمل أدبي لصديق ليكتب الناقد عنه كتابة موضوعية لا مجاملة فيها. وكثيراً ما يجامل النقاد مثلاً أصحاب المناصب أو أصحاب المراكز في الصحف والمجلات مع أن كتابتهم قد تكون رديئة». ويختم المحيش قائلاً: إن» الكتابة النقدية مفتوحة أمام الجميع ولكن مع مراعاة الموضوعية» وينبّه إلى أن»غياب النقد الموضوعي قد يحرج المبدع ويمنعه من عرض كتابته على النقاد خوفاً من نقدهم الجارح وتركيزهم على المساوئ والتغاضي عن المحاسن». • سطحي ومهم ويؤكّد القاص والروائي محمد النجيمي «أن غالبية ما يقدم في مشهدنا الثقافي التعاطي مع النصوص الإبداعية بقراءات انطباعية أو مجاملات بين أصدقاء لا تراعي العمق والطرح المنطقي حين الاشتباك مع النص». مبيناً أن غايتها في الغالب «تشجيع أو ترقيع أو مجاملة, بينما النقد الذي يمثل خطاباً موازياً يتعاطى مع خطاب غير شفاف ويحاول أن يعبره أو يخترقه, قليل بل نادر» إلا أنه يشدد على ضرورة أن عدم التوقف عن تقديم القراءات حتى الانطباعي منها « فالمهم وفي جميع الأحوال، ورغم ما ذكرته سابقاً، أن لا نتوقف عن قراءة الجديد فكراً وإبداعاً ومحاورته وأن لا نتردد في تقديم انطباعاتنا ورؤانا حوله حتى ولو لم نلتزم بمنهج أو نتصف بعمق, فعرض النصوص والمؤلفات وتقديمها للآخرين بحياد يسهم في التعريف بها وفي لفت نظر القراء لها». ويشير النجيمي إلى أن المؤسسات الأكاديمية والمبدعين، «كثير منهم يمتلك الأدوات المناسبة لتعاطي النقد وفق مناهجه ويمتلكون في ذات الوقت الحصيلة المعرفية الضرورية لتقديم نصوص متجاوزة لتجاور نصوصاً محلقة يتصدون لهذه المهمة ويشتغلون على محاورة النص الإبداعي فالإبداع له جناحان أحدهما نص والآخر محاورة للنص «نقد». • شخصنة وفزعة د. ظافر الشهري أستاذ الدراسات الأدبية والنقدية بجامعة الملك فيصل ورئيس مجلس إدارة نادي الأحساء الأدبي يرى أنّ النقد في حقيقته «أمانة ورسالة، فهو أمانة تحتم على الناقد أن يحملها بصدق بعيدًا عن المجاملة أو الترويج للهابط من النصوص والتسويق للرديء، وهو رسالة لأنه يحدد مسارات الجيِّد ويكشف زيف وعيوب الغثّ مهما كان مبدعه، ومهما كانت المغريات التي تُعرض أمام الناقد ليتخلى عن رسالته الشريفة» . ويؤكد الشهري أن مايطرح اليوم في بعض الصحف والمجلات السعودية في تحت مسمى النقد ليس للكثير منه إلا المسمى فقط، أما المضمون فهو والعدم سواء، بل هو غثاء كغثاء السيل فارغ المحتوى لم يسلم من الشخصنة والتسويق للأشخاص بعيدًا عن الموضوعية والمهنية. ويضيف :»الذين يشتغلون اليوم بالنقد الموضوعي بوعي وأمانة يعلمون جيِّدًا أن شخصنة النقد، ونقد الشخصنة «الفزعة « مع اعتذاري عن استخدام هذا المصطلح مرض استشرى في صحافتنا المحلية حتى طغى على النقد الموضوعي الصادق في كثيرٍ من الأحيان، مما أدى إلى تهميش كثير من النصوص والأعمال الإبداعية الجيدة، وهو ما أصاب مبدعيها بالإحباط واليأس، وهذا النوع من النقد تتحكم فيه العلاقات الشخصية والمنافع الذاتية المتبادلة بعيدًا عن الالتزام بالمهنية العلمية وقواعد النقد الأدبي التي تحكم عمل الناقد والمبدع على حدٍّ سواء». ويشير الشهري إلى «إن من المؤلم أن يصبح النقد سلعةً رخيصةً تحكمها المجاملة والشللية التي لا تبني ثقافة أوتنهض بوعي أمة، مما أدى مع الأسف إلى إصابة كثير من المحسوبين على الأدب والثقافة في مجتمعنا نقادًا ومبدعين وإعلاميين بمرض النرجسية الذي جعلهم ينظرون لأنفسهم بأنهم صفوة المثقفين في المجتمع ليصبحوا بعد ذلك عوائق لكل جهد إبداعي صادق ورصين يمكن أن يؤصِّل لأدب وثقافة سعودية تعكس أصالة البلاد ووعي أهلها» . ويختم الشهري قائلاً «مع هذا كله ستبقى الساحة النقدية والإعلامية في منجزنا الإعلامي والأدبي والثقافي متميزةً، طالما وجد من إعلاميينا ونقادنا ومبدعينا من يحترم نفسه وعلمه ومهنيته وعقول المثقفين في مجتمعنا». • ثرثرة وبصيص أمل ويرى الشاعر جاسم المشرّف أنّ النقد مسؤولية علمية وأخلاقية وإنسانية لا يقل في أهميته وأثره في الحراك الثقافي والأدبي عن القضاء. ويضيف: «وكما للقضاء شروطه وضوابطه وآلياته فللنقد كذلك.