للتاريخ مواعيده التي لا يخلفها، وله أيضا مفاجآته التي يحتفظ بها في غرفة أسراره، وله استحقاقاته التي يفي بها أبطاله، وفيه من الدراما بمقدار ما في حياة الإنسانية كلها. ومع هذا التاريخ لدمشق موعد لن تخلفه، يبدو وكأن أبطاله يقتربون حثيثًا منه، ليضعوا نهاية لمرحلة من أسوأ ما شهدته سوريا وشعبها عبر تاريخهم الحديث كله. الثوار في سوريا يقرعون أبواب دمشق، والنظام المذعور يدرك كل يوم أن نهايته باتت وشيكة، وحتى حلفاء النظام السوري في الخارج باتوا موقنين من هزيمة النظام، وراحوا يفتشون عن البدائل والخيارات المتاحة بعده، وهو ما ينبغي أن تنشغل به أيضا قوى إقليمية تعاطفت مع المطالب المشروعة للشعب السوري، وقدمت له يد العون في مواجهة أبشع مجازر الألفية الثالثة حتى الآن. لا أحد يعرف على وجه الدقة عدد الفصائل التي تعمل ضد النظام السوري على الأرض، ولا أسماءها ولا توجهاتها ولا الجهات التي تدعمها ولا رؤيتها لمستقبل سوريا، ولا نظرتها للجوار الإقليمي وللعالم من حولها، ويوم يسقط نظام بشار الأسد فإن قليلين حول العالم، هم فقط من يستطيعون التخمين بوجهة السفينة السورية وبهوية قباطنتها. العمل من أجل صياغة هيكل موحد يجمع التيارات الرئيسة لثوار سوريا، ليس إذن مجرد مسلك أخلاقي أو انساني، لكنه كذلك مسلك نفعي، يتطلع الى تقليص خسائر الثورة السورية بعد إسقاط نظام الأسد، وكذلك تحصينها ضد الانهيارات ونزاعات الفصائل حول رؤى الحكم ومحاصصات السلطة، كما يستهدف هذا العمل بالضرورة المحافظة على الاستقرار الاقليمي، بعد انهيار النظام السوري، ومواجهة محاولات جهات بعينها لإثارة نعرات طائفية أو دينية أو سياسية في الإقليم، ومحاولة نشر الفوضى في ربوعه. الأسابيع المقبلة قد تكون حاسمة في تقرير مصير سوريا، الأمر الذي ينبغي التحسب له مبكرًا، من أجل تأمين سلامة المدنيين في سوريا، وضمان عملية انتقال هادىء للسلطة إذا ما سقط النظام في أي وقت، وكذلك ضمان سلامة الإقليم كله. سوريا الحرة سوف تدخل التاريخ من إوسع أبوابه، كأكثر بلد سدد فاتورة حريته من دماء أبنائه، ولا أحد من محبي سوريا يريد لها أن تخرج من باب الجغرافيا، ولهذا فحماية وحدتها وسلامة أراضيها وتماسكها الإقليمي ووحدة الإدارة والحكم فيها، كلها مهام ينبغي على الجامعة العربية أن تتأهب لها مبكرًا.