تتقلب حياة الإنسان على الدوام بين مد وجزر. فمن فطن واستطاع أن ينتهز فرصة المد تمكن من الوصول إلى هدفه المرجو.. ونال نصيبه من الخير الذي أصاب.. ومن أضاع هذه الفرصة، عاش منغّصًا متألمًا يحيط به الشقاء وكدر الخاطر. وذلك لأن اغتنام الفرص، والاستفادة منها أفضل ما يصنع المرء ويحظى به. فقد قيل: "إضاعة الفرصة غصّة"، وذلك لأن الفرص قد لا تسنح دائمًا، بل إن سنوحها لا يأتي إلا نادرًا.. والتردد والإحجام عن اغتنامها يضيع علينا خيرًا كثيرًا.. ويوقعنا في الندم الذي لا ينفع ويزيد الحال سوءًا ويحيل الوضع إلى ما لا يطاق. وحياة المرء ملأى بالفرص الطيبة، والذكي الفطن من يعي ذلك وينجح في اقتناص الفرص، أما من يضيعها، ولا يراها، فقد عاش بليدًا غافيًا. ومن يشكو من عدم سنوح الفرص فذلك هو المتواكل الخامل الذي يبقى في خموله وسباته مهما طرقت الفرص بابه. إن الحياة لا تهدأ تتقلب وتتغير، ومع كل إشراقة صباح تولد المزيد من الفرص، ومع كل فرصة غنم لا يدركه من وقف جامدًا لاهيًا متغافلًا.. فالعيون المتيقظة لا يفوتها مرأى الفرص، والعقول الواعية المتفتحة لا تعدم الاهتداء إليها. إن كل الإنجازات والبصمات المتميزة التي أحدثها أصحابها كانت جراء اقتناص الفرص التي ما كان ليعود لها أي نفع إذا لم يقدر المرء على انتهازها. فكثير من العلماء والمبدعين أحسنوا الاستفادة من الفرص التي سنحت لهم خلال بحوثهم العلمية فقدموا ما انتفعت به الإنسانية أعظم الانتفاع. يقول الشاعر: إذا هبت رياحك فاغتنمها فإن الخافقات لها سكون وإن درّت نياقك فاحتلبها فما تدري الفصيل لمن يكون اسمع الكثيرين يرددون في حسرة وندم: (آه لو لم أضع فرصتي!!). (يا ليتني فعلت كذا حينما حدث كذا). (ليت الزمن يعود فلا أكرر خطئي ولا أضيع فرصتي). ومثل هؤلاء ضيعوا فرصا أتتهم.. واليوم يضيعون غيرها، لأنهم يقفون على أطلال الفرص الضائعة يبكونها، فلا ينتبهون أن الحياة ما تزال مليئة بالفرص، وما تزال تمنحنا المزيد منها بكرم الله ومنته.. وما على المرء إلا أن يكون حاذقًا متيقظًا جريئًا ليقتنصها حينما تطل وتسنح. أما الشخص المتردد ذو الإرادة الضعيفة فإنه يضيع فرصته واحدة بعد الأخرى ثم يشكو سوء حظه وقسوة القدر عليه، وقد صدق الشاعر حينما قال: وعاجز الرأي مضياع لفرصته حتى إذا فات أمر عاتب القدرا..! [email protected]