عندما يكون الإنسان على قيد الحياة ويمتلك قدرته وحركته وصحته يجب أن يُحسن الإفادة من فرصة العمر لأجل مستقبل أفضل، وغالباً يحتاج النجاح إلى صبر وترو وتدريب للذات على كيفية قراءة المعطيات وانتهاز الفرص المربحة المفيدة. وفرص الحياة موجودة في كل المجتمعات، ولكن تحديدها فن من الفنون، فما يُعد فرصة هامة وثمينة ل"فلان" ليس بالضرورة أن يكون كذلك للآخر، حيث يُعد اقتناص فرصة تحقق أرباحاً محدودة غنيمةً لصاحب الدخل المتواضع، بينما تعد ضياعاً في الوقت للأثرياء، فاقتناص أو إضاعة أو إدراك قيمة هذه الفرصة أو عدم أهميتها موهبة بحتة لا يملكها سوى الأقلية. ويجب أن يدرك البعض أن الفرصة لا تأتي مرتين والحظ لا يبتسم دائماً، وهو ما يتطلب محاسبة النفس على كل فرصة تم إهدارها، كما أنه من المُهم أن نضع حداً للمفاجآت، وحداً للاندفاع، وكذلك حداً للطموحات والمغامرات حتى لا نقع في النهاية! لا تعتقد أن الفرصة تأتي مرتين ولا تظن أن الحظ يبتسم دائماً.. بادر أنت أولاً نظرة متعمقة في حياة كل إنسان فرص متعددة وفق اهتماماته أو طموحاته أو حتى أمانيه، فالفرص قد تكون عملية أو علمية أو حياتية أو مجتمعية، وكلها تصب في إطار واحد وهو تحقيق رغبة أو هدف، وأصحاب الذكاء والوعي البيئي يتمكنون من خلال الاستقراء الصحيح والنظرة المتعمقة الثابتة اقتناص الفرص وتنميتها، بل واستثمارها على أحسن الأوجه، وتجنب الإخفاقات بأقصى ما يمكن، وقد أكد القرآن الكريم على أهمية استغلال الفرص بقوله تعالى: "ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ"، فالأمل يلهي والمطامع تغري، والعمر يمضي والفرصة تضيع. اغتنام فرصة واحدة قد يُغيّر مجرى حياتك غرور وتكبر وذكر "يوسف الناجع" -معلم مادة العلوم الإنسانية- أنّ الإنسان محكوم بقدرته على تقبل الفرص وتصنيف أهميتها في حياته، فهناك من يلهيه الأمل عن فرصة تأتيه على طبق من ذهب، ثم تأتيه ثانية على طبق من فضة، ثم من نحاس، وهو غافل عنها ولا يريد أن يفكر بأيّها يناسب حياته وتكون له نقلة جديدة، مضيفاً: "كم من شخص كان حلمه أن يكمل تعليمه ولكنه فضل أن يبقى في وظيفته البائسة، مع أنّه كان متاحاً له إكمال الدراسة والعودة بوظيفة أفضل، وهناك امرأة ترفض شاباً طموحاً وترضى بآخر عادي، وتبقى كما هي وهو ينهض به طموحه، كما أنّ هناك أناساً أعماهم الغرور أو التكبر وأحياناً التردد؛ فلا ينظرون للامام وتبقى نظرتهم محصورة فقط في الحاضر، وهؤلاء هم من يضيع العمر ولم يكونوا ممن استغل الفرص وطوّر نمط حياته". عمل واجتهاد وقال "ماجد الكوالي": "شاهدت في إحدى المرات مقابلة تلفزيونية مع أحد رجال الأعمال، وكان السؤال الذي طرح عليه: كيف جمعت ثروتك؟ فقال من الفرص، فسُئل مرة أخرى وكيف صنعت ثروتك من الفرص، فكانت إجابته عملية بأن أخرج شيكا وطلب من المذيعة أن تختار الرقم الذي تريده فرفضت لأنها ليست في حاجته، فرد عليها، هذا هو الفرق بيني وبينك فأنت ضيعت فرصة وأنا كنت أستغلها ولا أفوتها، ومن هذه القصة يلزم علينا للوصول إلى الفرص الكثير من العمل والاجتهاد والحركة الدؤوبة المستمرة والسعي للغد الأفضل، فالفرصة لا تأتي اعتباطاً وإن كانت تأتي أحياناً لمن لا يستحقها". وأضاف: "لو تأمل المرء تاريخ البشرية، لوجد أنّ هناك كثيرا من الناس والأقوام والأمم، ضاعت عليها فرص كثيرة، وذلك بسبب عدم مبادرتها إلى اغتنامها؛ فالتكيف مع الظروف أو التقلب معها، يستدعي انتهاز الزمن، الذي هو انتهاز الفرص، مثل من يقطف الثمر من غصن الشجرة، حتى لا يفسد بعد نضوجها، فإذا كانت الظروف في فترة ما لا تتلاءم وطريقة معينة من العمل، فإنها تتلاءم مع طريقة أخرى منه، مع ثبات الأهداف وعدم ضياعها". تحقيق غاية وبيّن "د. سليمان العلي" -أخصائي تنمية بشرية وتطوير الذات- أنّ أي منفعة ذات قيمة مادية أو معنوية تحقق فائدة ويتعرض لها الفرد باحتكاكه بالبيئة المحيطة له تعد فرصة، خاصةً إن كانت إحدى وسائل تحقيق غاية أو هدف مشروع، مضيفاً أنّ أي عمل حضاري منجز سواءً كان اجتماعياً أو سياسياً أو اقتصادياً أو في أي حقل من حقول الحياة الأخرى إنما أنجز من خلال مبادرة الفرصة وانتهازها، ولو تأمل المرء حياة الناجحين والفاشلين لوجد أنّ الفرق يكمن في مجموعة من الفرص المستغلة والمنتهزة. ولفت إلى أنّه في وقت اتسعت فيه دائرة الحياة وتسارعت خطوات الزمن وثقلت المسؤوليات، فهناك فرصة حصلنا عليها وكان الخيار بين يدينا وفرطنا فيها، وفي كل مرة نلقي باللوم هنا وهناك، فالفرصة لا تأتي مرتين والحظ لا يبتسم دائماً، فعلى الإنسان محاسبة نفسه على كل فرصة أهدرها، وأن يضع حداً للمفاجآت كما يجب عليه أن يضع حداً للاندفاع، وكذلك حداً للطموحات والمغامرات حتى لا يقع. التحكم في الظروف وشدّد "د. العلي" على أهمية توقف المرء في محطات الآخرين والسؤال عن سقطاتهم، حيث تُشكل كل سقطة له نقطة بداية، مضيفاً: "عليك أن تكون سيد الحلول بمعنى تعلم، فكر، اسأل، خمن، افترض، خطط، تأكد من النتائج -ولو على الورق-، ثم استعن بالله ونفذ"، ناصحاً أن لا يكون الشخص كالغيوم لا يُجيد إلاّ البكاء وإرواء عطش الآخرين، لافتاً إلى أنه من انتهاز الفرص أن يتحكم المرء في الظروف لبناء مستقبله باطمئنان، فإذا لم يكن مطمئناً في حركته، وهجمت عليه الظروف فإنه لا يمكنه بناء مستقبله، وهنا تأتي ضرورة استثمار الأوقات. تحديد الأهداف ونصح "د. العلي" بأهمية تحديد الغايات، لأنّ الإنسان إذا حدد هدفاً يطلع إليه؛ فإنه سينشده ويسخر الزمن من أجل ذلك، أما الذي لم يحدد هدفاً يصبو إليه في حياته، فلن يكتب له إلاّ ضياع الوقت، وفناء العمر في غير طائل، فالإنسان يمر في عمره بمراحل محددة ومتدرجة طفولة، شبولة، شباب، رجولة، كهولة، شيخوخة، وليس بيده أن يرتب هذه المراحل والفترات حسب ما يشتهي، وعليه أن يغتنم فترات النشاط والقوة في عمره في سبيل استثمار لأوقاته، فلا بد أن يعد المرء لكل يوم حسابه الخاص به.