من الأمور العجيبة التي لا يسهل على العقل البشري إدراكها أن الأشخاص السعداء هم إلى الفقر أقرب منهم إلى الثراء. فمع أنهم أقل فرصة في الحصول على وسائل الراحة والرفاهية التي يتمتع بها غيرهم. إلا أنهم كثيرًا ما ينجحون في التغلب على النظرة السلبية، والنظر لأنفسهم ومستقبلهم بإيجابية. أما بعض الأثرياء الذين لم يهذبوا أنفسهم ليقنعوا بما لديهم، ويحمدون الله عليه، ويشكرونه على ذلك، فإنهم أصبحوا أسرى لجشع نفوسهم التي لم تعتد القناعة. ولذلك نجد أن ثراءهم أصبح في غير صالحهم، لأنه أصلح الجوانب المادية في حياتهم، ولكنه أفسد الجوانب الروحية والنفسية والاجتماعية. وبنظرة بسيطة لبعض البلدان الثرية، مثل أمريكا، نجد أن كثيرا من الذين يقدمون على الانتحار هم من الأغنياء المشاهير، الذي حققوا ثروة مالية كبيرة ومجدا إعلاميا ضخما على مستوى العالم بأسره. فمن حين لآخر، نسمع عن نجم أو نجمة من مشاهير هوليوود وجد في قصره ميتا نتيجة تناول جرعة زائدة من مخدر لجأ إليه هروبا من الكآبة الشديدة التي يعيشها. لقد عجزت الملايين أن تعوضهم عن سعادة روحانية تجدها عجوز تشقى طوال النهار خلف لقمة العيش لها ولأبنائها، ولكنها تستريح من ذلك كله عندما تضع رأسها على الأرض ساجدة في تذلل وخضوع لله تعالى، وتطرح كل عنائها خلف ظهرها. كل هذه الأمور تجعلنا ندرك أن سعادتنا لا تصنعها الثروات فقط. صحيح أن المال من مصادر السعادة، ولكنه ليس الوحيد، كما أنه ليس الأهم. أنت من يصنع السعادة، عبر المال وغيره. لكنك أنت التي تحددين اتجاه البوصلة، فإذا توجهت بها إلى مرضاة الله تعالى واتباع أوامره واجتناب نواهيه وجدت السعادة، وتيسرت لك السبل المساعدة لتحقيقها، من مال وغيره. أما إن توجهت بها إلى سخط الله ومخالفة أوامره واقتراف نواهيه، فإنك حينها تعرضين سعادتك للخطر. ربما تجدين سعادة مؤقتة، ولكنها بالتأكيد لن تدوم لك، وستترك مكانها تعاسة أطول. الخيار بيدك أنت، فماذا تختارين؟ عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود [email protected] @mshraim