في ظل الانعطافات الكبرى لحركة الوعي الإسلامي ومستقبل الوطن العربي وصعود الحركات الإسلامية، بات لزامًا على حركة الوعي العربي طرح ملف مصطلحات كبيرة في تاريخ العمل الإسلامي يأتي من أبرزها قضية تحديد الموقف من ظواهر أخذت طابعًا دينيًا تعرّض لصراع وجدل وإيجابيات وأخطاء تناقش بعدل وإنصاف، لكن من المهم تحديد وضعها كإطار اجتهادي، والعنوان الرئيسي هنا أن ظاهرة الصحوة الإسلامية هي ظاهرة ثقافية أيديولوجية لا تمثل رسالة الدعوة الإسلامية، لكنها اجتهاد سعى لتحقيق هذه الرسالة بأفقه الخاص ومن المهم أن نعرض للتاريخ لنستشرف بدايات التشكل الإسلامي الحديث وأين كانت منها الصحوة. منذ عزل السلطان عبدالحميد انطلقت من مصادر عديدة دعوات كل منها يحاول أن يسد ثغرة أو يوقد شعلة في جغرافيا العالم الإسلامي الذي صُدم حين اجتاحه الاستعمار، ومع دورات التاريخ الفكري للوطن العربي فقد برزت خلالها حركات قوية لا شك أن بعضها تقاطع مع النفوذ الغربي والمشروع الفكري للأيدلوجية الليبرالية التي حملها مبكرًا المشروع الزاحف من الشمال، وهي ليست فقط قيم تحرر سلوكي في الحياة الشخصية تتصادم مع ثقافة الشرق الإسلامي، لكنها أيضا حوت قضايا مركزية في صراع حركة التحرر الأوروبي، وما واجهته من قمع من سلطة الدين المسيحي المختطف ومن قهر السلطان باسم الدين، وهي مفاهيم تجذب الإنسان لفطرة الحرية، وما يعنينا هنا من استدعاء هذا المنعطف هو أن ذلك الحضور الفكري ونقل التجربة إلى الوطن العربي مع فراغ ضخم ونماذج تخلّف، قد شكّل حضورًا في النخبة بل كمخرج تجديدي للحالة العربية البائسة، غير أن شراكة هذا الفكر مع المشروع الغربي في الاحتلال والتصفية لثروات المنطقة وازدواجية الليبرالية الغربية بين موطنها وبين مزارعها الجنوبية أي العالم الثالث وكل ما جرى وصولا إلى حرب 1948 صنع ردة فعل للشعوب المقهورة ترفض المذهب الفكري للمحتل. وفي المقابل صعدت بعد هذا الانكسار الليبرالي الذي بقي حاضرًا في الشارع، منطلقات الفكر اليساري العالمي الذي اتحد في نطاق منه مع حركة القوميين العرب بعد أن ترسّخت لدى الجماهير العربية قضية الكفاح ضد الاستعمار وتحرير القرار والثروة العربية، وكان في بعض هذه الجوانب يحمل قضايا اتفاق مع المفهوم الإسلامي للتحرر والاستقلال لكن غلبت على ثقافة هذه الساحة روح استئصال ضخمة شكلتها أنظمة سياسية رُبطت بالفكر القومي مع نزوع هذه الحركات بالمجمل إلى الصوت المتطرف لديها الذي يعتمد العلمانية الإلحادية توافقًا مع اليسار العالمي الحليف للحركة القومية العربية في حينه إضافة إلى الموقف المتطرف الذي اعتمد القومية كبديل عنصري للرابطة الإسلامية وأن الدين الإسلامي هو جزءٌ تراثي وليس رسالة دينية شكلت حضور العرب التاريخي وبعثت مجدهم وأهم من ذلك جعلتهم حملة رسالة إنقاذ وحضارة للبشرية. في ذلك التاريخ وحتى منتصف الستينيات كان الشارع العربي في مجمله وحشوده الشبابية تكتنفه هذه المسارات مع بدء بروز تدريجي وحركة مواجهة بين حركة البعث الإسلامي، إذ لم يكن معروفًا بمصطلح الصحوة قبل الدخول إلى منطقة الخليج العربي، وكان لا يزال فكرة تخلف شخصية رجل الدين وعجزه ماثلة أمام الجيل الجديد في ذلك العهد، لكن حركة الإحياء الإسلامية بدأت بالبروز ودخلت إلى ساحة الفكر وأضحت تطرح رؤاها في ثوب تجديدي معاصر كمدرسة الإخوان المسلمين ورسائل الإمام البنا الذي استمر خطابه بعد اغتياله من الإنجليز والقصر الملكي باعثًا لتلقي خطابه أو شيخ الشام مصطفى السباعي وغيرهم، حينها بدأ الشارع يستمع اختياريًا وبدأت تتبلور فكرة العودة للجذور الإسلامية للوطن العربي مع العلاقة بالعالم المسلم، وأضحت حركة الانضمام من الشباب في تصاعد بعد خروج المبشرين الجدد الذي كانت صورتهم وممارستهم تحمل روحانية وتجردا وتضامنا إنسانيا مع المجتمعات الفقيرة واحتراما للفكر والعلم والتقدم في إعلانه العام بخطاب لم يكن متواجدًا على الساحة، وعزز هذا الأمر في حينه صفاء تلك النماذج بحسب قراءة المجتمع ومطاردة الإعلام العربي متزامنًا مع التنكيل بها سياسيًا وأمنيًا كما جرى في مصر. والحقيقة أن هذا الخطاب الفكري بدا متصاعدًا قبل الانكسار الذي جرى له إثر تلك المواجهات أو التأثيرات الإقليمية العربية حيث تغيّر بعدها خطاب البعث الإسلامي من حيث طرح قضايا الفكر والمرأة والشراكة الإنسانية والحرية السياسية إضافة لقيم الأسرة الفاضلة والقيم المحافظة إلى زوايا مذهبية أو انغلاق داخل فكر المواجهة مع النظام السياسي القمعي في مناطق عديدة والذي ترتب عليه اعتداءات ضخمة لشخصيات هذا البعث الإسلامي واضطهاد واسع لأفرادها، ولكن من الصعب أن نجمع كل هذه الظروف الموضوعية لكل مناطق الوطن العربي فقد كان هناك اختلافات كبيرة بين هذه المنطقة وتلك. ونكمل الأسبوع القادم بإذن الله. [email protected]