(1) ... بين عام وعام تتجدد عكاظ، تظهر أفقًا حضاريًا يلامس التوقعات ويتنامى إلى التطلعات ويشعر المواطن المثقف والزائر بالمراحل التنفيذية التي تتطور فيها عكاظ بناءً.. وثقافةً.. يبلغ حد الإنجازات الفعلية لا القولية التي وعد بها خالد الفيصل في أول الدورات العكاظية. وقد شهدنا هذا العام -على المستوى المادي- خيمة عكاظ التي أسهم في إنشائها وتشييدها ابن لادن بتكلفة مالية تجاوزت ال(40) مليون ريال وهي قاعة تقليدية في ظاهرها على شكل الخيمة المعروفة تراثيًا، وفي باطنها، حضارية/ حداثية/ معاصره وهي -بكل تأكيد- إضافة متميزة لاحتضان الفعاليات الثقافية، والمؤمل أن تستمر في هذا الاحتضان طوال العام من خلال النادي الأدبي وجامعة الطائف، وجمعية الثقافة والفنون ولا يمنع من استفادة باقي القطاعات الحكومية والخاصة وتقيم فيها فعاليات تنشيطية ومسرحيات ومحاضرات وحفلات تخرج وأنشطة طلابية وعسكرية لا سيما أن الطائف مدينة تزخر بالمعاهد والكليات العسكرية!! كما شهدنا هذا العام منتدى الشباب الحواري الذي احتضنته جامعة الطائف، والذي أعلن فيه سمو الأمير خالد أن هذا المنتدى الحواري الشبابي سيكون أحد أهم ركائز السوق وفعالياته منذ الدورة السابعة إن شاء الله، ورغم ما حققه اللقاء من غايات وأهداف وطنيه وثقافيه ارتقت بفكر الشباب ووطنيتهم وانتمائهم لهذا البلد الأمين فإن المستقبل يحتاج منا كثيرًا من الشفافية والمباشرة فيبدو أن اللقاء الشبابي غلب عليه البرمجة والتدريب والشباب يريدون أن يعبروا عن خلجات أنفسهم بلغتهم التي يحسنوها وأفكارهم التي اكتسبوها ولا يحتاجون من يعبر أو يفكر نيابة عنهم، الشباب لا يريدون أن يتحدث الضيوف أولًا بل يريدون طرح الأفكار والمشكلات ليتحاور فيها المسؤولون وهذا ما أكد عليه الفيصل في حواره الأبوي والذي قال فيه إن الشباب هم المستقبل وإننا لا نحتاج دمعة الماضي بل ابتسامة المستقبل!!. *** (2) وفي فضاء ثقافي آخر تجسدت معالم جديدة توحي بالحاضر والمستقبل وذلك من خلال مشاركة الجامعات السعودية والتعريف بمنجزاتها وتطلعاتها المستقبلية التي تفتح باب التهيئة والتعريف لشبابنا المتطلع، فقد رأيت التواجد الشبابي في هذا المعرض ووقفت على سؤالاتهم واستفساراتهم المستقبلية حيث برامج الابتعات والدراسات خارج المملكة، وأدركت كيف أصبحت سوق عكاظ صانعة للمستقبل على أن التطلع القادم أن يستفاد من الطلبة المبرزين من المبتعثين ليتحدثوا لشبابنا عن الفرص والآفاق المتاحة التي تغري بالتحفيز والبذل والتطور الذاتي للحاق بركب المستقبل، أتطلع في الدورات القادمة لسوق عكاظ أن أرى العالمات السعوديات والعلماء الذين برزوا في أفقنا المعرفي والحضاري ليقدموا تجاربهم لجيل اليوم وذلك من خلال برنامج مواز للنشاط الثقافي موجه للشباب والشابات، كما نتطلع إلى إيجاد جادة موازية للجادة الحالية ويمكن تسميتها (جادة المعاصرة والمستقبل) وتبقى الجادة الحالية باسم (جادة التراث والتاريخ). *** (3) وعلى مستوى التوثيق والتأرخة قدمت لنا سوق عكاظ في هذه الدورة السادسة شيئًا تفصيليًا وموثقًا للدورات الخمس السابقة من خلال «معرض سوق عكاظ» الذي استقطب كثيرًا من جماهير السوق ورواده طوال أيام السوق ليقفوا على ما تحقق فعلًا، ولكي تكتمل هذه الصورة التوثيقية أتطلع مستقبلًا أن يصدر عن السوق كتاب توثيقي لجميع الفعاليات الثقافية من أمسيات شعرية، وندوات معرفية، وتجارب أدبية حتى لا تؤول أعمال المثقفين ومشاركاتهم إلى ردهات النسيان، وليس هذا بمستحيل فالمادة المعرفية متوفرة وموجودة ولا تحتاج إلا لمجموعة من المثقفين تحول هذه الظواهر الصوتية إلى شيء مسجل ومكتوب ورقيًا والكترونيًا وتوزع على المثقفين الذين يتواجدون في السوق!!. وفي هذا الإطار يؤسفني أن أرى كثيرًا من المثقفين المدعوين للسوق والضيوف لا يتواجدون في الفعاليات الثقافية وتراهم في الفنادق والتجمعات يتسامرون ويتحاورون، ولا يعيشون الأجواء العكاظية بالشكل الكامل والمتطلع إليه، فإذا كان الضيوف المدعوون يتجاوزون (300) ضيف من جميع أنحاء المملكة ويمثلون النخب وأصحاب الرأي والمبدعين، ولا ترى منهم في حضور الفعاليات إلا الأعداد البسيطة التي لا تتجاوز (50) مثقفًا منهم والتساؤل أين الباقون؟!. ولعل التطلعات المستقبلية تحتم على القائمين والمنظمين الاختيار الأمثل للمدعوين وتذكيرهم في الدعوات المقدمة لهم بضرورة المشاركة والحضور والدعم الفكري لتطوير هذه الفعاليات وإعداد جلسات عمل حوارية خارج النشاط الرسمي تأخذ شكل الحلقات المتخصصة في قضايا ثقافية وفكرية وطنية وعربية معاصرة ويكون الحضور والمشاركة حسب اهتمامات كل ضيف تحت إشراف وإدارة السوق. *** (4) ولا شك أن جادة عكاظ وفعالياتها استأثرت بالجانب الجماهيري الكبير الذي تفقده الأمسيات الثقافية وهذا هدف من أهداف السوق تحقق بكل فاعلية، وهنا نتطلع إلى إضافات ثقافية لهذه الجادة وهي إيجاد ميدان للتنافس الشعري الفصيح حيث يتاح الفرصة لشعراء وشاعرات المنطقة للتنافس الشعري في بيئة عكاظية معاصرة، فالذي يشاهد الآن في جادة عكاظ ما هو إلا تمثيل وتقليد ومحاكاة لما كان يحصل في سوق عكاظ السابق التي أنتجت عشر معلقات أو أكثر!!. لكن عصرنا الحاضر وعكاظ المعاصرة والمستقبل تجعلنا نتطلع إلى أن يكون لنا معلقاتنا التي تتوازى مع قصيدة شاعر عكاظ الفائزة بالجائزة والبردة، ولكي تتحقق هذه الغاية نتطلع إلى إيجاد مسرح مفتوح لكل من يرغب في إنشاد شعره وإسماع الجماهير وفق آليات تنظيمية يعلنها السوق سنويًا فيكون التنافس ويستقطب المحكمون/ النقاد ليقولوا رأيهم النقدي ويعلنوا الفائزين في نهاية الموسم. *** (5) بقي أن أقول إنني أتطلع إلى الاستفادة من «مسابقة شباب مكة» التي اقترحها الأمير خالد وهي مسابقات ومنافسات شبابية لأبناء المحافظات والمراكز التابعة لمنطقة مكةالمكرمة وتقام فعالياتها الختامية في جدة، بحيث تصبح أحد المناشط والفعاليات العكاظية، وبذلك يتطور العمل الشبابي في المنطقة، كما نتطلع إلى إعادة المنافسات الرياضية الصيفية التي كانت تقام في الطائف/ المصيف وإيجاد استاد رياضي مفتوح في سوق عكاظ تقام عليه جميع المناشط الرياضية من فروسية وسباحة وكرة قدم وطائرة وتنس وسلة وسباق وغيرها وذلك عبر فرق رياضية من أبناء المنطقة/ منطقة مكةالمكرمة وهذا نشاط يصاحب مسابقة الفولكور الشعبي لمحافظات المنطقة. *** (6) إن من شأن هذه التطلعات المستقبلية الإسهام في صياغة جديدة وعصرية لسوق عكاظ، الذي اخذ في التنامي عامًا بعد عام فهذه هي الدورة السادسة التي يشعر الزائر لعكاظ أنها انطلاقات محددة ومحسوبة ومقدرة وأن الخطط تسير بشكل متأن ومتواز لنجد هذا السوق مستقبلا مضرب الأمثال، وليس هذا غريبًا فإن وراء الأكمة قائد متحمس مفكر، متطلع، متابع، ومعه هيئة إشرافية تنفيذية برئاسة الدكتور جريدي المنصوري الذي أقدم له الشكر والتقدير على الحفاوة والاستضافة والتنظيم ومتابعة راحة الضيوف وتأمين مواصلاتهم، ورصد حركاتهم.. وإلى لقاء قريب في سوق عكاظي متجدد ومتطور!!.