قوله تعالى: (أن تصيبوا قومًا بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ) بيّن الله - عز وجل - الحكمة من التبيّن من خبر الفاسق فقال: (أن تصيبوا قومًا بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) يعني: أمرناكم أن تتثبتوا من صحة وصدق خبر الفاسق كراهةَ أن تصيبوا قومًا بجهالة؛ لأن الإنسان إذا تسرّع ولم يتثبت فقد يعتدي على غيره بناء على الخبر الذي سمعه من الفاسق، وقد يكرهه، وقد يتحدث فيه في المجالس، فيصبح - بعد أن يتبين أن خبر الفاسق كذبٌ - نادمًا على ما جرى منه. وفي هذه الآية دليل على أنه يجب على الإنسان أن يتثبت فيما ينقل من الأخبار ولا سيما مع الهوى والتعصب، فإذا جاءك خبر عن شخص وأنت لم تثق بقول المخبر فيجب أن تتثبت، وألا تتسرع في الحكم؛ لأنك ربما تتسرع وتبني على هذا الخبر الكاذب فتندم فيما بعد، ومن ثمَّ جاء التحذير من النميمة، وهي نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض للإفساد بينهم، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم : «لا يدخل الجنة قتَّات». أي نمَّام، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه مرّ بقبرين يُعذبان، فقال: «إنهما ليعذبان، وما يعذّبان في كبير» - أي في أمر شاق عليهما - «أما أحدهما فكان لا يستتر من البول»، أو لا يستبرىء أو لا يستنزه من البول «وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة». يمشي بين الناس ينمّ الحديث إلى الآخرين ليفسد بين الناس، ثم صلى الله عليه وسلم أخذ جريدة رطبة فشقَّها نصفين وغرز في كل قبر واحدة فقالوا: يا رسول الله، لمَ فعلت هذا؟ قال: «لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا».