تأسف الدكتور محمود حمدي زقزوق المفكر الإسلامي المعروف على استفحال ظاهرة فوضى الإفتاء، وأصبح كلُّ مَن هبّ ودبّ يتصدّى للفتوى، ويتجرّأ على إصدار الحكم الشرعي، حيث لم تتخذ أي خطوات في العالم الإسلامي للسيطرة على فوضى الإفتاء. وزاد الطين بلة ظهور العشرات من القنوات الفضائية، ومواقع الإنترنت المتخصصة بإصدار الفتاوى يمينًا وشمالاً دون حسيب، أو رقيب. وأضاف لابد أن نعى أن الاجتهاد في العلم الديني ليس أمرًا محرّمًا، أو مستنكرًا بحد ذاته، ولكن هناك فرق كبير بين أن يكون رجل الدين نظرية لنفسه، وبين أن يعممها على الناس؛ لتجعل في أحيان كثيرة الناس تفقد ثقتها بالإفتاء، ورجال الدين ممّا ينعكس سلبًا على الدين نفسه، ولهذا فإن على جميع علماء الدين الأجلاء، وكلَّ مَن يفكر فى الإفتاء أن يخافوا الله، وأن يتقوه فينا، وأن لا يجعلونا أضحوكة الأمم، تضحك علينا، وعلى ديننا. وإذا كان لدى أيّ شخصٍ أيّ نظريةٍ أو اجتهاد؛ فيجب أن تعرض على مجلس من علماء المسلمين، يدرسونها، ويحققون في مدى اعتبارها، وصحتها، وصدق مَن نقلها، ومطابقتها للقرآن، والسنة النبوية الشريفة، ومن ثم إن ثبت صحتها تطرح لعامة الناس؛ حتى لا تكون فتنة، ومصيبة فكرية وأخلاقية ودينية. وأشار زقزوق إلى أن كثيرًا من الفضائيات الإسلامية تنشغل بالجزئيات على حساب الكليات، وكثير ممّا تناقشه من قضايا لا حاجة للناس بها فلا هي تحل أزماتهم ولا تخفف من معاناتهم، فمثلاً نرى أحد هؤلاء الدعاة يتحدّث ساعات طوالاً ليصحح السند، أو العنعنة، أو الحاشية لحديث ما، ربما يكون هذا الحديث من الإسرائيليات، أو الأحاديث الغريبة، أو الموضوعة، ولا ضرورة له في حياة الناس، في ظل واقع مشحون، وصراع أيديولوجي وسياسي محتدم! وبيّن أن كثيرًا من برامج الفضائيات الإسلامية لعبت دورًا سلبيًّا في حياتنا الاجتماعية والسياسية، حيث قامت -بحسن أو بسوء نية- بتغذية الفكر المتطرف الذي يستقيه هؤلاء الدعاة المزعومون من آراء فقهاء أفتوا بها إزاء مسائل وقتية في ظل ظروف بعينها، وفي عصور ماضية.