انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة فوضى الفتاوى، بالأخص عبر الفضائيات والمواقع الإلكترونية، وقد أثير الكثير من الجدل حول هذه الظاهرة نظرًا لأنها صادرة عن أشخاص غير مؤهلين للفتوى وأصبح لهم شبكة من القنوات التي أتاحت لهم إمكانيات كبيرة وجمهور واسع... وهنا تكمن خطورة الظاهرة، بالإضافة إلى إذاعتها على الهواء دون دراسة أو تدقيق للرد. فالكل يتعرض للفتوى خاصة من غير المؤهلين وهى الظاهرة التي انتشرت أكثر في السنوات الأخيرة بفضل ثورة الاتصالات وشيوع الإعلام الفضائي، وأصبحت هناك عشرات الفضائيات تزدحم بمئات المفتين الذين يتصدون للإفتاء، ومن ثم أثار هذا الزحام لدى البعض لبسًا وارتباكًا في ضوء التباين الواسع بين الآراء الفقهية، فضلًا عن شذوذ بعضها، مما يشيع الأفكار والمفاهيم المغلوطة والمتطرفة لدى الكثير من المتلقين خاصة في ظل النسبة العالية من الأمية. لذلك قام المركز الدولي للدراسات المستقبلية والاستراتيجية بعقد مؤتمر عن “فوضى الفتاوى.. الانعكاسات وأساليب المواجهة”، حيث تمت دعوة بعض رجال الدين والمثقفين لمناقشة مفهوم الفتوى وقواعدها ومن له حق الفتوى، والانعكاسات السلبية والإيجابية للظاهرة وتأثيراتها المجتمعية، وكيفية التصدي للظاهرة بانعكاساتها السلبية. حيث أكد العلماء أن الاجتهاد الجماعي بات ضرورة شرعية لإنهاء حالة البلبلة التي انتشرت بين الناس بسبب الفتاوى المتشددة والغريبة والعجيبة التي تتجاهل واقع الناس وسماحة ووسطية الدين الإسلامي الحنيف، مطالبين بدور أكبر للمؤسسات الدينية في إبراز سماحة ووسطية الدين. “شرفها الله” بداية أكد وكيل وزارة الأوقاف المصرية الدكتور سالم عبدالجليل أن الفتوى منزلة عظمى وقدر جليل عند المولى جل جلاله، وبفضلها يرفع الحرج والعنت عن المسلمين ويعرف الحلال والحرام، وشرفها الله عز وجل بأن تولاها بنفسه فقال: “يستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن”، وقال تعالى: “يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة” وخص بها صفيه ورسوله محمدًا بن عبدالله صلى الله عليه وسلم عندما جعلها من مقتضيات رسالته فقال تعالى موصيًا: “وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون”، وقد ثبت في السنة المطهرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مرجع الصحابة في الفتوى يعقد بهم المجالس من أجل ذلك، فعن وابصة الأسدى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: جئت تسأل عن البر والإثم؟ قال: قلت: نعم، قال: فجمع أصابعه فضرب بها صدره وقال استفت نفسك، استفت قلبك (ثلاثا) البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك. وقال د.عبدالجليل اعتبارًا لتلك المكانة السامية التي تحظى بها الفتوى فإن المتصدي لها يتحمل مسؤولية عظيمة أمام الله تعالى، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم وكذلك تجاه المستفتين الذين فوضوه أمرهم وسلموه رقابهم في كل ما يشير به عليهم من أحكام الدين والدنيا، وأغلب من يقومون بالإفتاء حاليًا عبر الفضائيات غير مؤهلين يؤدون إلى تضليل عموم المسلمين، لذا وجب علينا أن نبحث عن السبيل إلى النهوض بالإفتاء بصفة خاصة والخطاب الديني عامة لمجابهة مقتضيات العصر. لذا وجب التصدي لهذه الظاهرة بعدة أشياء من أهمها: 1- تدريب العلماء والدعاة المتخصصين على تجديد خطابهم وترشيده وتعليمهم أصول الفتوى. 2- إنشاء قنوات دينية واجتماعية بإشراف المؤسسات الدينية المعتمدة. 3- الاستفادة من الإمكانات المتاحة وهي القنوات الموجودة حاليًا والتابعة لوزارات الإعلام العربية والإسلامية من أجل زيادة المساحة المخصصة للبرامج الدينية. 4- تبني فكرة صناعة النجوم بمواصفات أكثر دقة ليسهم هؤلاء في تعميق المفهوم الصحيح للتدين، من خلال ربط الدين بواقع الأمة والإسهام في إيجاد الحلول لما تعانيه من مشكلات. المفتي الناجح من جانبه يقول أستاذ علم الحديث بجامعة الأزهر الدكتور إسماعيل الدفتار إن المفتي الناجح هو الذي يسلك بالمستفتين سبيل الوسطية والاعتدال، بحيث لا يذهب بهم مذهب الشدة ولا يميل بهم إلى طرف الانحلال التزامًا منه بمقصد الشارع الحكيم الداعي إلى التوسط في كل شيء من غير إفراط ولا تفريط، وقال: التعصب والتقليد الأعمى أضرا بالدين الإسلامي، فكل فتوى يجب أن تعتمد على الاجتهاد الواعي المستند إلى العقل السليم والمستنير، فالإفتاء صناعة تحتاج إلى خبير يصنع حتى لا نصل إلى منتج مغشوش لأنه صدر من غير ذي جهة ومن غير ذي علم ومن غير خبير بهذا الشأن. وطالب الدفتار بسرعة إصدار قانون لردع من يصدرون فتاوى تثير الفتنة وتصرف المسلمين عن قضاياهم الأساسية، وتأخذهم للانشغال بقضايا تافهة وفرعية، كما طالب بوقفة جادة تضع ضوابط صارمة لمن يتصدى للفتوى وقاية للمجتمعات من البلبلة الفكرية والدينية التي يتسبب فيها من لا يصلحون لهذه المهمة الخطيرة، والإسراع بوضع آليات جادة لمواجهة فوضى الفتاوى عبر الفضائيات الخاصة التي يملكها أشخاص يأتون بأي شخص ليقول ما شاء، معتبرا أنه من أكبر الأخطاء التي نتجت عنها بلبلة بين الناس فيما هو حلال وما هو حرام، وأحدثت بلبلة بين الناس بسبب تضارب الفتاوى بين المتخصصين وغير المتخصصين، وبين أهل العلم ومن ليسوا بأهل للعلم. التنسيق والتعاون من جانبه أكد الشيخ محمود عاشور وكيل وزارة الأوقاف الأسبق أن تضارب الفتاوى عبر الفضائيات مسألة فاقت كل الحدود وأثارت البلبلة بين من يتطلعون إلى الحفاظ على دينهم ومعرفة حكم الشرع فيما يستجد من أمور حياتهم، ولم يعد الناس على دراية بأي الفتاوى يلتزمون. وحول إمكانية توحيد الفتاوى بين المجامع الفقهية ودور الإفتاء في الدول الإسلامية يقول عاشور: الفتاوى اليومية التي تتعلق بالعبادات والصيام وما شابه ذلك لا تحتاج إلى فتاوى جماعية لأنها نمطية تتكفل بها دور إفتاء ومن تتوافر فيهم تلك الشروط، أما الفتاوى التي تتعلق بمصالح الأمة أو المستجدة في حياتهم فينبغي أن تعرض على المجامع الفقهية وألا يستقل بها احد لأن ذلك هو الطريق الآمن والمضمون لإصدار مثل هذه الفتاوى، وأن يكون ذلك بالتنسيق بين المجامع الفقهية ودور الإفتاء في العالم الإسلامي في هذا الشأن حتى تكون الفتوى ملزمة وأن يكون هناك تنسيق وتعاون تام في هذا الشأن حتى تصدر الفتوى بإجماع العلماء وتكون ملزمة وأوجب بالاتباع. الأمة الإسلامية تعاني من أزمة حادة تتمثل في نزيف الفتاوى الغريبة التي انتشرت بشكل عشوائي بسبب انتشار الفضائيات التي تروج للفتاوى الشاذة والغريبة من باب لفت الأنظار للقناة لجذب المشاهدين والقراء. وأضاف عاشور: يجب علينا جميعًا ضرورة العمل من أجل ضبط مجال الفتوى خاصة في مسألة الفتاوى المباشرة التي يسمع فيها المفتي، وقال: إن انتشار هذه الفتاوى يضر بالمجتمع ويهدد أمنه وسلامته، ويجب أن نعود إلى الفتاوى المكتوبة الصادرة عن المجامع الفقهية ودور الإفتاء وجهات الاختصاص. ******************************** الحمادي: الدعوة بالأماكن غير النقية أفضل من الخيرية عبدالرحمن المصباحي – جدة أوضح رئيس مركز التفكير الإبداعي الدكتور علي الحمادي أنه إذا أراد الجميع الاستفادة من تجمعات الناس بالأماكن غير الدينية فعليهم معرفة أن الدعوة إلى الله تعالى ليست مؤقتة بوقت، ولا محددة بزمان ولا مكان، وإنما هي وظيفة المسلم على وجه الأرض بعد عبادة الله تعالى وتوحيده. مبينا أن الدعوة في المنتزهات والأسواق والمصايف من الأماكن المفتقرة على الدعوة؛ إذ يكثر فيها العصاة ويقل فيها الدعاة ولكن لو أردنا أن نكسب الناس فنحن بحاجة إلى حنكة وحسن تصرف، ضاربا بذلك مثال أحد الدعاة بقوله: دخلت السوق ومعي زوجتي وطفلاي، ومعي كيس مليء بالأشرطة، فوجهت طفلاي ليقوما بتوزيع الأشرطة على النساء المتبرجات خاصة، فكانت النتائج والحمد لله تسرُ الناظر! ونوه الحمادي أن الدعوة في السجن تكون بالقدوة والملاطفة وفهم نفسيات المساجين، وانظر إلى نبي الله يوسف (عليه السلام) الذي استطاع أن يُحوِّل السجن إلى مدرسة للدعوة؛ يقول تعالى: "يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ". مطالبا الدعاة بأن يراعوا التدرج في الخطوات وترتيب الأولويات، والالتزام بالقول الحسن دون تعنيف وذلك لقوله تعالى: "وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا"، ويقول الإمام أحمد: كان أصحاب ابن مسعود إذا مروا بقوم يرون منهم ما يكرهون يقولون: مهلاً رحمكم الله. محذرا في الوقت ذاته الداعية من العبوس في وجه من يدعوه، بل يقبل عليه بالابتسامة الصافية والنظرة الحانية؛ لأنهما من المفاتيح العجيبة للقلوب. وعن صحة ما يقال بأن الدعوة بالأماكن غير النقية أفضل من الأماكن الخيرية بين الحمادي أن الدعوة في الأماكن النقية أمر طبيعي ويمارسه الكثير من الدعاة، أما الأماكن غير النقية فهي التي تحتاج فعلاً إلى جهود دعوية مركزة وهادفة؛ لأن هؤلاء إن تركناهم مع الأيام سيزدادون ويشكلون خطرا على المجتمع كله، وكما قال عليه الصلاة والسلام: "المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خيرٌ من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصير على أذاهم". واختتم رئيس مركز التفكير الإبداعي بقوله: الثواب في الإسلام على قدر المشقة، وكلما زادت معاناة الداعية مع المدعوين كلما زاد أجره إن شاء الله تعالى، والإنسان الذي يدعو شخصاً لا يصلي ويقضي وقته لاهياً عابثاً على الشواطئ أو في الحفلات الماجنة، لهو أعظم أجراً ممن يدعو شخصاً يصلي في المسجد لئلا يرتكب بعض المحرمات. ******************************** تضم في مجلس إدارتها الشريف والغامدي رابطة «علماء أهل السنة» مؤسسة دعوية تتناغم مع المؤسسات الدينية محمد سيد - محمد عبدالرحمن - القاهرة أكد الداعية الإسلامي صفوت حجازي الأمين العام لرابطة علماء السنة أن الرابطة تأسست لتقوم بمهمة التعليم والتدريس والدعوة بين علماء أهل السنة من مختلف أنحاء العالم، وأن هذه الرابطة مؤسسة عالمية، إذ تضم علماء من دول مختلفة، وهناك شروط محددة تحكم اختيار أعضائها، إذ لا يكفي كون الشيخ العضو منتميًا لعلماء أهل السنة، بل يجب أن يكون عاملا بالسنة النبوية ومحافظًا عليها وله إسهامات متميزة في نشرها، مشيرًا إلى أن الرابطة لا تمثل بديلا عن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يترأسه الدكتور يوسف القرضاوي. وأضاف أن الرابطة تم الإعلان عن ميلادها من خلال اجتماع أعضائها باسطنبول خلال الأيام الأخيرة، وهي تخص علماء أهل السنة والجماعة فقط وأنها ليست ضد أي رابطة أو منظمة أو هيئة رسمية كالأزهر وغيره أو أهلية كالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وإنما هي مكملة لما هو موجود ومستقلة في عملها بعيدة عن الحكومات وتعتمد على مبدأ الشورى في قراراتها وتحركاتها، مشيرًا إلى أن الرابطة تضم عدد خمسة من اللجان المتخصصة ونحو 126 عالمًا من أنحاء العالم كافة ويرأسها الدكتور أحمد الريسوني أستاذ الفقه ومقاصد الشريعة والخبير بمجمع الفقه الإسلامي بجدة وأن سبب إنشائها هو إحياء دور أهل العلم في غرس الإسلام في نفوس الأجيال، وستقوم الرابطة بعقد الاجتماعات الدورية والطارئة، لاتخاذ المواقف المناسبة، وإظهار الرؤى الشرعية في قضايا الأمة والحوار مع المؤسسات والهيئات الإسلامية الأخرى حول القضايا المشتركة، وتصميم قاعدة أبحاث للأعضاء بقصد الاستفادة والتواصل وتبادل الخبرات، وسيتم إنشاء موقع إلكتروني متميز للرابطة، وإعداد أبحاث، وإقامة ندوات، ومشاريع مشتركة، بين الاتجاهات الإسلامية المختلفة سعيا إلى تقارب رؤاها، موضحا أنه سيتم وضع برنامج للعناية بالنوابغ من خريجي العلوم الشرعية وتأهيلهم، وصناعة رموز إعلامية ومراجع شرعية، من أعضاء الرابطة وغيرهم لتحقيق أهداف الرابطة، والاستعانة بالخبراء المتخصصين في غير علوم الشرعية، لاستبصار الواقع، وسعيًا لبناء الرؤية الشرعية الصحيحة، القيام بواجب النصيحة للحكام وذوى النفوذ في الأمة الإسلامية. وأوضح أن مجلس إدارة الرابطة يضم بالإضافة إلى الرئيس والأمين العام الشيخ الدكتور عبدالحي يوسف من السودان، نائب رئيس الرابطة وأستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الخرطوم، والشيخ الدكتور عمر سليمان الأشقر من الأردن عضو مجلس الأمناء، والشيخ الدكتور صلاح سلطان من مصر عضو مجلس الأمناء رئيس لجنة إعداد العلماء بالرابطة، والشيخ الدكتور محمد موسى الشريف من السعودية عضو مجلس الأمناء رئيس لجنة تقصى الحقائق بالرابطة، والشيخ الدكتور سعيد بن ناصر الغامدى من السعودية عضو مجلس الأمناء، والشيخ الدكتور عمر بن عبدالعزيز من مصر عضو المكتب التنفيذى، والشيخ العلامة أمين سراج من تركيا شيخ علماء إسطنبول وغيرهم. من جانبه أكد د. نصر فريد واصل مفتي مصر الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، وعضو الرابطة أن إنشاء هذه الرابطة لا يعنى أنها ستوضع في مقابل أي طائفة أخرى أو تنافس الاتحادات الإسلامية الأخرى وإنما تتكامل وتتعاون معها، مشيرا إلى إجراء اتصال مع الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين، وأن هناك لجنة تنسيقية للأعمال والأقوال والمواقف بين الطرفين.