أسبوع أبوظبي للاستدامة: منصة عالمية لبناء مستقبل أكثر استدامة    إستراتيجي مصري ل«عكاظ»: اقتحامات «بن غفير» للأقصى رسالة رفض لجهود السلام    خادم الحرمين يتلقى رسالة خطية من الرئيس الروسي    «الإحصاء»: إيرادات «غير الربحي» بلغت 54.4 مليار ريال ل 2023    مدرب قطر يُبرر الاعتماد على الشباب    مجلس التعاون الخليجي يدعو لاحترام سيادة سوريا واستقرار لبنان    المملكة رئيساً للمنظمة العربية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة «الأرابوساي»    وفد عراقي في دمشق.. وعملية عسكرية في طرطوس لملاحقة فلول الأسد    الجمعية العمومية لاتحاد كأس الخليج العربي تعتمد استضافة السعودية لخليجي27    وزير الشؤون الإسلامية يلتقي كبار ضيوف برنامج خادم الحرمين الشريفين للعمرة والزيارة    تدخل جراحي عاجل ينقذ مريضاً من شلل دائم في عنيزة    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الاجتماع الاستثنائي ال (46) للمجلس الوزاري لمجلس التعاون    استخدام الجوال يتصدّر مسببات الحوادث المرورية بمنطقة تبوك    الذهب يرتفع بفضل ضعف الدولار والاضطرابات الجيوسياسية    استمرار هطول أمطار رعدية على عدد من مناطق المملكة    الفكر الإبداعي يقود الذكاء الاصطناعي    الزبيدي يسجل هدفاً تاريخياً    المملكة ترحب بالعالم    حملة «إغاثة غزة» تتجاوز 703 ملايين ريال    حلاوةُ ولاةِ الأمر    "الثقافة" تطلق أربع خدمات جديدة في منصة الابتعاث الثقافي    "الثقافة" و"الأوقاف" توقعان مذكرة تفاهم في المجالات ذات الاهتمام المشترك    أهازيج أهالي العلا تعلن مربعانية الشتاء    بلادنا تودع ابنها البار الشيخ عبدالله العلي النعيم    وطن الأفراح    شرائح المستقبل واستعادة القدرات المفقودة    الأبعاد التاريخية والثقافية للإبل في معرض «الإبل جواهر حية»    أمير نجران يواسي أسرة ابن نمشان    63% من المعتمرين يفضلون التسوق بالمدينة المنورة    منع تسويق 1.9 طن مواد غذائية فاسدة في جدة    نجران: «الإسعاف الجوي» ينقل مصاباً بحادث انقلاب في «سلطانة»    العناكب وسرطان البحر.. تعالج سرطان الجلد    الزهراني وبن غله يحتفلان بزواج وليد    الدرعان يُتوَّج بجائزة العمل التطوعي    أسرتا ناجي والعمري تحتفلان بزفاف المهندس محمود    فرضية الطائرة وجاهزية المطار !    ما هكذا تورد الإبل يا سعد    واتساب تطلق ميزة مسح المستندات لهواتف آيفون    «كانسيلو وكيسيه» ينافسان على أفضل هدف في النخبة الآسيوية    في المرحلة ال 18 من الدوري الإنجليزي «بوكسينغ داي».. ليفربول للابتعاد بالصدارة.. وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    تدشين "دجِيرَة البركة" للكاتب حلواني    مسابقة المهارات    إطلاق النسخة الثانية من برنامج «جيل الأدب»    نقوش ميدان عام تؤصل لقرية أثرية بالأحساء    لمن لا يحب كرة القدم" كأس العالم 2034″    المأمول من بعثاتنا الدبلوماسية    أفراحنا إلى أين؟    آل الشيخ يلتقي ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة    %91 غير مصابين بالقلق    اطلاع قطاع الأعمال على الفرص المتاحة بمنطقة المدينة    الصادرات غير النفطية للمملكة ترتفع بنسبة 12.7 % في أكتوبر    اكتشاف سناجب «آكلة للحوم»    دور العلوم والتكنولوجيا في الحد من الضرر    خادم الحرمين وولي العهد يعزّيان رئيس أذربيجان في ضحايا حادث تحطم الطائرة    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    مفوض الإفتاء بجازان: "التعليم مسؤولية توجيه الأفكار نحو العقيدة الصحيحة وحماية المجتمع من الفكر الدخيل"    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    إطلاق 66 كائناً مهدداً بالانقراض في محمية الملك خالد الملكية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



1000 مكتبة وأندية للقراءة.. مشروع طموح وواقع محبط
نشر في المدينة يوم 27 - 06 - 2012

أعلنت وزارة الثقافة والإعلام في تصريح للدكتور ناصر الحجيلان وكيل الوزارة للشؤون الثقافية عن نيتها تأسيس 1000 مكتبة عامة وعدد كبير من أندية القراءة للشباب واستنهاض وتفعيل مشروع القراءة للجميع، ضمن حزمة من المشروعات التي تهدف إلى تحقيقها ضمن خطتها المستقبلية.. هذا التصريح تفاوتت آراء المثقفين والأدباء حوله، فثمة من يرى أن الواقع الحالي الذي تعيشه المكتبات العامة من عزوف وعدم إقبال عليها مؤشر على عدم نجاح أي مشروع يمضي في هذا الاتجاه، فما رأت مجموعة أخرى أن المشروع يمثل بادرة جيدة وطموحة، مقدمين جملة من الاقتراحات لتلافي القصور الذي يمكن أن يطال هذا المشروع الحيوي، ومن ذلك ضرورة أن تكون هذه المكتبات ضمن مراكز اجتماعية لكافة أفراد الأسرة، وأن تعمل على الاستفادة من التقنيات الحديثة لجذب شريحة الشباب، التي انصرفت عن الوسائل التقليدية في القراءة، وغير ذلك من المقترحات المبثوثة في سياق هذا التحقيق..
مراكز اجتماعية
استهلالًا يقول الدكتور صالح زياد، أستاذ النقد بجامعة الملك سعود: هذا اهتمام محمود من الوزارة، لكنني أعتقد أنه في حاجة إلى تخطيط وتكييف بما يختلف عن فكرة المكتبات السابقة، أي استئجار مبنى سكني وملء غرفه برفوف الكتب، والنتيجة عدد قليل من الرواد يأتون لأغراض محددة، ونادرًا ما يعتاد المجيء إليه من يقرأ، وقليلًا ما يتاح للمرأة الإفادة من هذه المكتبات.
ويضيف زياد: ما غرض هذه المكتبات؟ هل هو البحث والتأليف وإعداد الرسائل الجامعية؟ كلا، فالمكتبات المعدَّة لهذا الغرض هي المكتبات الجامعية والكبرى. إنه -إذن- غرض تغلب عليه القراءة الحرة. ولهذا أعتقد أن فكرة هذه المكتبات ينبغي أن تدخل في فكرة أكبر منها وهي فكرة تأسيس مراكز اجتماعية أو بلدية تصبح المكتبات جزءًا منها، ويتشارك في تأسيسها وزارات الثقافة والشؤون الاجتماعية والبلديات والتعليم. هكذا تأتي المرأة بأولادها، فيكون في المبنى قسم لرعاية الأولاد وإتاحة اللعب لهم أو القراءة فيما يناسبهم، ويكون لها ما يهمها. وهناك فرصة للمتقاعدين، بمثل الفرصة المتاحة للطلاب والموظفين وغيرهم. أعتقد أن هذه الفكرة أكثر أهمية وأجدى من فكرة المكتبات بأشكالها القديمة.
التفكير بموضوعية
وعلى ذات النسق المشيد بالخطوة يقول الدكتور زيد بن علي الفضيل: مُبهج حقًّا أن يكون في تخطيط وزارة الثقافة والإعلام إنشاء 1000 مكتبة عامة، وما يوازيها حتمًا من نوادٍ للقراءة، لكن السؤال الأهم هو: هل ستكون المكتبات المقرر إنشاؤها على غرار ما هو موجود حاليًا؟ أم سيتم إنشاؤها بشكل ونسق مادي ومعنوي جديد؟ وأقصد بالنسق المعنوي أي مدى مراعاة الوزارة لطبيعة التغير الثقافي الحاصل حاليًا، وارتباط كثير من النشء بوسائل التقنية الحديثة، وابتعادهم المفرط عن الكتاب في صورته التقليدية، لاسيما إذا أخذنا في الاعتبار أن الكتاب وحده لم يعد أمرًا مغريًا لأبنائنا في ظل حالة التوسع التقني المعاشة، كما لم يعد مصدرًا رئيسًا للمعلومة في ظل انتشار محركات البحث الإلكترونية، وهو ما يجب التفكير فيه بجد حين التخطيط لإنشاء هذا الكم الكبير من المكتبات ودور القراءة إذا جاز التعبير.
ماضيًا إلى القول: أمام ذلك فأتصور أن الوزارة قد أصبح لزامًا عليها التفكير بموضوعية ومنهجية حيال هذه المواضيع، وبالتالي فبدل أن تنهك الوزارة ذاتها بمثل هذه المشاريع ، مما يزيد عبء الخسارة المالية عليها وعلى المجتمع، فالمقترح أن تبدأ مشروعها بالآتي:
أولًا: إيجاد آلية تسويقية لتطوير الكيانات المكتبية التابعة لها في مختلف مدن المملكة، التي للأسف الشديد لم يعد أحد يعرف بوجودها أساسًا، فإذا هي أوجدت الآلية التطويرية، وابتكرت أساليب متنوعة لإعادة التسويق لها، وجذب القراء إليها، بإقامة عدد من الفعاليات المتنوعة بها مثلًا، لكان ذلك أجدى وأنفع في الوقت الراهن.
ثانيًا: ولا يقتصر الأمر على ذلك وحسب، بل يمتد اهتمام الوزارة حاليًا بتطوير المكتبات التابعة لمؤسستي النادي الثقافي الأدبي وفروع الجمعيات السعودية للثقافة والفنون، اللتين تعيشان حالة من الهجران الكلي من قبل رواد الثقافة أولًا، ولعل من أهم أسباب ذلك تأخر تحديث المكتبات وانعدام وجود الكتب المعاصرة، ناهيك عن سوء حالتهما من حيث الملاءمة المكانية والمعرفية.
ثالثًا: على أن الأمر لا يتوقف عند ما سبق، بل بإمكان وزارة الثقافة تأسيس مشروع تعاون مع وزارة التربية والتعليم لتطوير مكتبات ومصادر التعلم بمدارسها، وهو مشروع حقيقي له قيمته المعرفية الكبيرة، إن أرادت الوزارة النهوض بمشروع القراءة بشكل جيد.
رابعًا: ناهيك عن إمكانية تواجدها عبر المكتبات المتنقلة خلال أوقات الإجازة الأسبوعية وغيرها في العديد من مواقع الترفيه والسياحة العامة في مدن المملكة بوجه عام.
بهذا لن تتكلف الوزارة إلا القليل، كما سيكون ذلك بمثابة اللبنة الرئيسة التي سيقوم عليها مشروعها مستقبلًا، إن هي رأت الاستمرار فيه، وهو ما أؤيده وأشجع عليه، ولكن وفق رؤية مستقبلية استنادًا على نتائج دراسات متخصصة لا قرارات فردية عشوائية.
استراتيجية علمية متقدمة
أما خالد اليوسف وبحكم أنه أخصائي مكتبات ومعلومات فيقول: إن الرقم الكبير الذي أعلنته الوكالة ليس هو الأمل في انتعاش المكتبات العامة، ولأن نطبق إستراتيجية متقدمة عملية على عشر مكتبات أفضل لنا من إعلان كهذا، لأن البناء الحضاري يبدأ من تكوين الأساس القوي، وليس بالانتشار والعدد والكثرة الضعيفة، نحن بحاجة قوية لتفعيل دور الموجود أولًا، وذلك من ناحية:
1- الموظفين المتخصصين بالعلم والمعرفة وحب العمل في المكتبات العامة.
2- احترام التخصص ومنحه امتيازات وحوافز مادية وإدارية ووظيفية.
3- الدخول في أكثر وأوسع مجالات التقنية المعلوماتية الحديثة، والخروج من عنق المكتبات التقليدية، القائمة على الكتاب والمجلة فقط.
4- السعي لسكان الأحياء والمجمعات السكنية، بدلًا من انتظارهم وتأمل زيارتهم لها، بالإعلانات والدعاية عن البرامج المتواصلة شهريًا، في المساجد والمدارس والشوارع القريبة من المكتبة.
5- بدء تطبيق المكتبة الإلكترونية والرقمية، والدخول في برامج ترفيهية تنطلق من الكتاب والقراءة والمعرفة، وتنتهي بها.
6- لابد أن تشتبك المكتبة العامة بكل المجالس والمؤسسات الاجتماعية لكي تربطها فيها، وتحفز سكان الحي على عادة الزيارة والدخول والخروج من المكتبة، ومن ذلك الندوات والمحاضرات والأمسيات الفنية والثقافية بكل أنواعها.
7- وفي هذا المجال كذلك السماح للمجتمع بإقامة حفلاته ومناسباته داخل قاعات وأفنية المكتبة، وتفعيل دور الأصدقاء وجمعية المكتبة.
8- يجب ألا نفرق فيما ذكرته بين الرجل والمرأة، وليكن يوم للرجال ويوم للنساء، أو الصباح للنساء والمساء للرجال، إن ما يهم هو الحركة الفاعلة في هذا الكيان.
ثم بعد ذلك نفكر بالألف مكتبة، إذا رأينا النجاحات التي طالت دور المكتبة العامة، وأنها أصبحت ضرورية ولابد من السعي لزيادة عددها، بعد أن دعمت ماليًا وإداريًا وفنيًا.
ويمضي اليوسف مضيفًا: أما ما مدى تفعيل التقنيات الحديثة ووسائط المعرفة المتعددة في مثل هذه المشاريع وما الأفكار التي يمكن أن تنفذ في هذا الجانب؛ فإن الواقع الإلكتروني والتقني والمعلوماتي السريع تغيره وتطوره، يوحي لكثير من الناس انتهاء دور المكتبة، وخصوصًا المكتبة العامة، وأنها أصبحت جزءًا من الماضي، لكن في نظري أن هذه التقنية ممكن الاستفادة منها، وممكن تطويعها من أجل الكتاب والمكتبة، ولنا أن نستثمرها في:
1- الاستفادة من رسائل الجوال في الإعلان عن الكتب الجديدة، في عمل المسابقات، في دعوة الطلاب والطالبات، أفرادًا وجماعات، وفي الإعلان عن البرامج الجديدة والمتجددة.
2- لابد أن تضع كل مكتبة عامة صفحة خاصة بها في كل المواقع الاجتماعية: الفيسبوك وتويتر وغيرهما، بل لابد أن تحدث موقعًا يخصها عبر الإنترنت.
3- والمجال الأرحب والأوسع دعوة المدارس لزيارات يومية، وتطبيقات منهجية على ما يتم دراسته وتعلمه ومعرفته في المكتبة، وخصوصًا النشء الجديد الصفوف الأولية، لزرع التعلق بالكتاب وحبه، والاعتياد على مطالعته بحرية وليس كمادة فرضية وواجب قراءتها.
4- الاستفادة من كل البرامج المستخدمة في أجهزة الاتصال -الجوال- صورة وفيلمًا وكتابة، بحيث يرسل كل ما تتطلبه المناسبة للاستفادة منها.
ويختم اليوسف بقوله: أعتقد أن المكتبات العامة موجودة الآن في معظم المدن السعودية، وباستطاعة الوزارة أن تحولها إلى مراكز ثقافية، إذا وفرت لها كل الشروط والمتطلبات التي تؤهلها لذلك؛ بل إن المدن الصغيرة والمناطق النائية بحاجة أكبر للمراكز الثقافية من حاجتها لمكتبة عامة فقط، وما ذكرته سيطلق دورها إلى عالم أرحب وأجمل، والى طموحات تحقق أحلام المجتمع الاجتماعية والثقافية والتنموية. وأمنيتي أن ينال ما طرحته لهذه المكتبات الاهتمام، وأن يكون ضمن ملفات التحول والتغير إلى الأجمل.
خطوة جميلة
ويشارك الشاعر الحسن المكرمي مشيدًا بهذه الخطوة ومقدمًا اقتراحاته لنجاحها بقوله: حسنًا فعلت الوزارة بهذه الخطوة، وإن كانت ما تزال في طور النية، والمأمول أن تتجاوزها نحو الفعل في القريب العاجل؛ لما سيترتب عليه من الإيجابيات الكبيرة والكثيرة. وبغض النظر عما تعانيه المكتبات العامة من مشكلات ضعف أو انعدام الإقبال عليها من أفراد المجتمع وفئتي الناشئة الشباب بصفة خاصة، إلا أنه يجب على الوزارة أن تفعل، ولكن مع مراعاة ما يتناسب مع المرحلة من تقنيات وتجهيزات وخدمات من شأنها استدعاء واستجلاب كل الفئات العمرية والفكرية المستهدفة.. توفير خدمة الإنترنت على سبيل المثال، والبوفيهات، والأرائك والردهات والعناية بالإضاءة والتكييف والديكورات والاهتمام بجوانب النظافة والخدمات ومراعاة قرب المكتبات من المساكن والأحياء، كل ذلك وغيره من المقترحات والأفكار الأخرى سيسهم في إنجاح هذه المبادرة الجميلة من الوزارة، والتي أرى أنها منوطة أيضًا بالمؤسسات التعليمية والتربوية من مدارس ومعاهد وجامعات. وهي إن تحققت في ساحاتها بالأخذ بهذه الأفكار والمقترحات فحتمًا ستسهم جنبًا إلى جنب مع هذا التوجه الجميل من وزارة الثقافة إلى تكوين بيئات ثقافية شاملة في الأحياء ومناطق التجمعات.
ردم الهوة
ويقول الناقد الدكتور عبدالله حامد: أعتقد أن إنشاء 1000 أو 2000 مكتبة في بلادنا الغنية التي تنفق بسخاء كبير أمر يسير ولله الحمد، لكنني أتمنى من الوزارة ووكالتها للشؤون الثقافية أن تقف أمام المنعطف الحقيقي لمأزقها مع المكتبات الحالية، وواقعها المرير! فإذا استطاعت أن تردم الهوة بينها والقراء بأفكار جديدة وبرامج فاعلة وتقنيات حديثة و.. و.. الخ فهذا مؤشر إيجابي سيدفع للقناعة بإيجاد هذا العدد الكبير والجديد من المكتبات! إن من غير المنطقي أن تبحث عن إنجاب أولاد جدد تمنحهم الإمكانات الكبيرة وأبناؤك الموجودون يتضورون جوعًا وألمًا! إن سعادته مطالب بحكم موقعه بتغيير واقع المكتبات الحالي، وأعتقد أن البداية الحقيقية تبدأ من الالتفات إلى رؤى ومطالب وأفكار موظفيها ومعاناتهم الوظيفية ومعاناتهم مع هجرة القراء! وبالتالي تكريس العمل - وليس الكلام فقط ولا الوعود- من أجل صناعة برنامج علاجي لتغيير الحال الراهنة، وإذا حققت الوزارة نجاحًا ولو بنسبة 60 %، كان من المنطقي أن نتقبل فكرة إنشاء 1000 مكتبة، أما أن نكرر مأساة الواقع المؤلم حاليًا فأعتقد أن هذا إهدار للمال العام في وجوه صرف محكوم عليها بالفشل مسبقًا!
واقع محبط
الدكتور مفلح زابن القحطاني، أستاذ اللغويات المساعد في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة الملك خالد قال: لا ينبغي التهوين من شأن هذا التوجه لإنشاء مكتبات عامة في مختلف مدن المملكة؛ غير أن الواقع الذي يجسده وضع المكتبات العامة الموجودة حاليًا لا يبشر بنجاح هذا المشروع، وقد ذكر لي أحد الأصدقاء الذي يعمل مديرًا لإحدى هذه المكتبات أن مكتبته تفتح أبوابها دون أن يدخلها في بعض الأيام زائر واحد، ومن هنا فإن دراسة الواقع الحالي لهذه المكتبات دراسة دقيقة وتشخيص مشكلاتها ومن ثم محاولة تلمس الحلول والوسائل الداعمة لعمل هذه المكتبات والجاذبة للجمهور أمور ينبغي أن تسبق افتتاح هذه المكتبات في زمن تعددت فيه وسائط المعرفة وطرق القراءة ولم تعد مرتهنة بمكان تجمع فيه الكتب.
مضيفًا بقوله: كما أنه ينبغي قبل الحديث عن إنشاء كم من المؤسسات المعنية بشأن القراءة والثقافة أن نهتم بتأسيس وعي ثقافي مجتمعي يبدأ من الصغر ويرسخ لمفاهيم المعرفة والقراءة والإطلاع وتطوير الذات وهذا ليس موجودًا في خطابنا الحالي؛ وذلك أن الحياة المعاصرة بتقاسيمها المادية التي ألقت بظلالها على الثقافة السائدة في المملكة العربية السعودية ما زالت ترى أن الاهتمام بالقراءة والإطلاع وتكوين الذات علميًا ومعرفيًا وثقافيًا هو أمر نخبوي استثنائي في حين تسيطر المفاهيم والمقاييس والمنطلقات المادية تدعمها في الغالب في كثير من المناطق ثقافة قبلية لم تستطع مجاوزة مكانها إلى عتبات المجتمع المدني.
خالصًا إلى القول: ومع وجود عدد لا يستهان به من محبي القراءة والإطلاع فإن هذا العدد يذوب في بحر ذوي الاهتمامات الأخرى التي لا ترى في القراءة والمعرفة في الغالب سوى اهتماما خاصا أو أمرا تتطلبه الدراسة المنهجية، وهذه مشكلة كبرى ينبغي الالتفات إليها.
مكتبات للغبار
وعلى الرصيف الآخر لا ترى القاصة والباحثة شيمة الشمري بادرة لنجاح هذا المشروع، ويبرز ذلك في سياق قولها: على كثرة هذه التصريحات الوزارية نلحظ أن الثقافة والفكر في تقهقر مستمر ولا نرى قائمة لها! فهل القائمون عليها يعون ويفعلون ما يقولون، أم أنها فقط تصريحات ومن ثم يولى الأمر لمن هم ليسوا أهلا له كما حصل في الأندية الأدبية! لا نريد كلامًا بل أفعالًا للمثقفين والأدباء في مؤسساتهم الخاصة بهم والتي يعنون بها.. أما المكتبات والمراكز والمشاريع الثقافية هي جيدة ولكن أين المهتم والمثقف والأديب من هذا؟ ألم يطرد بطرق غير مباشرة من مكانه الطبيعي؟! هل ستفتتح هذه المكتبات والمراكز وتترك للغبار يسكنها ولهؤلاء الذين يصورون بجانبها فقط؟
بادرة إيجابية
وعلى خلاف رؤية شيمة التشاؤمية تتجه رؤية الكاتب سعد بن سعيد الرفاعي إلى النصف الممتلئ من الكوب بقوله: إنها بادرة إيجابية رائعة من وكالة الشؤون الثقافية بالاتجاه إلى اعتماد ألف مكتبة عامة. لكنني أتمنى على المعنيين بالموضوع أن يقفوا للإجابة على تساؤلين هامين وهما:
أين ستكون هذه المكتبات؟ وكيف ستكون؟
فالسؤال الأول: يرتكز على التوزيع الجغرافي لهذه المكتبات؛ فهل ستخصص مكتبة لكل محافظة أو ستقتصر على مناطق بعينها؟ وهل ستقتصر على المدن دون القرى؟؟ أم ستضمهما معا؟ وهل ستخصص مكتبة واحدة؟؟ أم سيتم توزيع أكثر من مكتبة على الأحياء؛ وبالتالي ستعاد فكرة مكتبة أو مركز الحي الثقافي إلى الواجهة.
والسؤال الثاني: وهو الأهم كيف ستكون هذه المكتبات؟! إذ من خلال التصور التنفيذي لها يمكن استقراء الآلية أو المنطلق الفكري للإفادة من مثل هذه المكتبات؛ فكلما قدمت هذه المكتبات بصورة عصرية مواكبة للمستجدات آخذة بالتطورات مشجعة على التردد والزيارات.. كلما أدى ذلك إلى إثراء القراءة والاطلاع، وتتضمن هذه الآلية ضمن ما تتضمنه آليات إثراء ثقافة القراءة المجتمعية كممارسة وتصور، فالنجاح الحقيقي لمشروع كهذا يتمثل في عدد المترددين والمستفيدين منه.. وهذا الأمر في ظني وثيق الصلة بثقافة المجتمع واتجاهاته القرائية فلم لا تقدم نماذج من هذه المكتبات بحيث تبدو كمركز ثقافي للحي يتضمن مكتبة للكبار وأخرى للأطفال مع وجود مرافق متكاملة تشجع على قضاء يوم تنزه متكامل للأسرة سواء من حيث وجود الحدائق أو ألعاب الأطفال أو بعض الخدمات التثقيفية كدار عرض وصالة مسرح ومطعم، وقاعات إنترنت وتدريب ومحاضرات. وقاعة اجتماع لأبناء الحي للقاءات والمناسبات.
مختتمًا بقوله: إننا لو استطعنا أن ننفذ نسبة بسيطة من هذا العدد وفق آليات تعمق تسويق الكتاب وتشجيع القراءة وثقافة الاطلاع أفضل من الاتجاه نحو كم قد تحيله قلة الإقبال وإحجام الرواد إلى مستودع كتب يضاف إلى تجارب سلبية مماثلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.