واصل الدكتور عبدالعزيز بن أحمد الحميدي في الحلقة الثانية من برنامج (همومنا) في جزئه الثاني قراءاته ومراجعاته للفكر المتشدد ومفاهيم الغلو وكيف جنحت أفكار الغلو بكثيرين ليخوضوا في أعراض ودماء المعصومين وكيف انحرفوا بمسألة نصرة المسلمين عما هي عليه في مقاصد الشرع، وفيما يلي أبرز ما تناولته الحلقة من قضايا: نصرة المسلمين ? المقدم: كنا قد تحدثنا في الجزء الأول عن مسألة عظيمة وهي مسألة الولاء والبراء وقد وعدناكم بأننا سنتحدث بإذن الله تعالى في هذا الجزء الثاني عن مسألة تتعلق بمسألة الولاء والبراء، كنا نريد أن نتحدث عن نصرة المسلمين المضطهدين إذا كانت هنالك معاهدة بين المسلمين في بلد من البلدان وبين بلد من البلدان من الأمم الكافرة، ولكن هذه الأمة الكافرة قد اعتدت على بلد آخر من بلاد المسلمين، وهي مسألة قد تحدث عنها علماء وفقهاء من قديم الزمان، المسألة هنا ماذا نريد أن نتحدث عنها وعلاقتها بالولاء والبراء؟ فضيلة الشيخ كثيرا ما يتحدث عن هذه المسألة كيف نستطيع أن نربط ما بين هذه المسألة والولاء والبراء؟ هل هناك تعارض بين النصرة لأمة غير مسلمة وبين أمة مسلمة تطلب النصرة منا لأنها اعتدي عليها من دولة كافرة؟ أرجو أن تحدثنا عن هذه المسألة. ? الحميدي: لا شك أن المسلمين مأمورون أن يتعاونوا على البر والتقوى وأن يتناصروا فيما بينهم، المسلم أخو المسلم يقول صلى الله عليه وسلم لا يسلمه ولا يخذله والله عز وجل يقول (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)، واعتبر أن النجاة من الخسران منوط بالعمل الصالح، وقال (إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)، هذا أصل متفق عليه ومعمول به بين المسلمين منذ بعث النبي صلى الله عليه وسلم وسيستمر إن شاء الله هكذا إلى قيام الساعة، ولكن لو حصل أن طائفة من المسلمين أو بلد من بلدان المسلمين اقتضت مصلحتهم وراء وليهم والقائم عليهم أن يعاهد أمة كافرة سواء كانت مشركة أو نصرانية أو يهودية عهدا تضع الحرب بينهم أوزارها ولا يعتدي هؤلاء على هؤلاء ولا هؤلاء على هؤلاء، وألا يقع بينهم اعتداء ونحو ذلك من أمور فوقع وحصل أن هذه الأمة الكافرة أو الدولة الكافرة حاربت طائفة أخرى من المسلمين أو دولة أخرى ليس بينها وبينها عهد فطلب أولئك المسلمون من هؤلاء المسلمين المعاهدين لتلك الدولة الكافرة نصرتهم والقيام معهم فهنا يعني بحث المسألة لا كما يظن الكثير من الناس، وأنا قديما كان عندي مشكلة في هذه المسألة وكنت أشك في تصادمها وتعارضها مع الولاء والبراء وحقوق النصرة بين المسلمين، والله سبحانه وتعالى في سورة الأنفال، وكذلك في سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم دليل صريح يفسر هذه الآية ويعطي حكما وحقا وجوازا للأمة المسلمة المعاهدة أن تحفظ عهدها وتقدمه على واجب النصرة لتلك الأمة المسلمة المعتدى عليها من قبل الدولة التي هي عاهدتها، النص في سورة الأنفال وقبل أن نذكره، سورة الأنفال كما نعرف نزلت في أعقاب غزوة بدر أي في أعقاب النصر المؤزر الظافر الذي نصر الله جل وعلا وهو القوي العزيز نبيه وأصحابه (ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون) فهم الآن في موضع منعة وقوة وانكسرت قريش وذلت، أي كفار قريش وذلوا وأصابهم ما أصابهم من المقتلة والحزن والهم فأمرهم في نزول ورياحهم في ذهاب، وقد هبت رياح التغيير عليهم ومع ذلك تنزل تعقيبات غزوة بدر في سورة الأنفال التي ختمت بآية الولاء والبراء وهي أحد أدلة الولاء والبراء وهي آية الأنفال واستثنى الله مسألة مراعاة ذات العهد وقدمه على واجب النصرة اللي هو من المتعلقات بمسألة الولاء والبراء ومن مقتضياتها. قال الله تعالى في خاتمة سورة الأنفال (إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض)، أسس الله الولاية بين المؤمنين المهاجرين والأنصار ثم قال (والذين آمنوا ولم يهاجروا) لم يكونوا من جماعتكم ولم يكونوا من فئتكم وبقوا في أماكنهم التي بقوا فيها (ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين) أي عدا عليهم قوم كفار. العهد والميثاق ? المقدم: وهذا هو الشاهد. ? الحميدي: هذا هو وضع الشاهد في مسألتنا (وإن استنصروكم في الدين) مسلمون استنصروا مسلمين آخرين، لأنه اعتدي عليهم في دينهم من قبل أمة ودولة كافرة، (فعليكم النصر) أي عليكم واجب أن تنصروهم واستثنى من هذا (إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق) فإذا كان بين هؤلاء المسلمين وهؤلاء الكافرين المعتدين على إخوانهم المسلمين في بلد آخر عهد وميثاق بعدم الاعتداء فأمر الله واستثنى هذه الحالة، ويقدم العهد ويقدم الميثاق ومراعاته وحفظه على واجب النصرة، فلما نص الله عليها دل على أنها مسألة أولا مستثناة من الحكم في واجب النصرة، وثانيا وقطعا بالتالي هي لا تقدح في ولاء هؤلاء المسلمين المعاهدين لأولئك الأمة الكافرة لله ولا لرسوله ولا لدينه ولا لإخوانهم المسلمين في شيء بناء على حكم الله في تقديم العهد والميثاق على واجب النصرة. ? المقدم: نعم. ? الحميدي: وحتى لا يدخل أي تأويل للآية ولا يدخل عليها أية شبهة نسوق هذا النص من السنة النبوية الذي الذي نعتبره حلا عندي أنا أصلا للإشكال في هذه المسألة وهو التفسير العملي والواقعي من النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الآية الكريمة ونظائرها لأن سنة النبي وسيرته عليه الصلاة والسلام هي التفسير والتطبيق العملي للقرآن، لأن القرآن الكريم كما يقول العلماء حمال وجوه، ربما يطرقه التأويل، ربما يطرقه سوء الفهم من القارئين، ربما تأتيه أمور كثيرة فتأتي السنة تفصل وتبين وتشرح وربما تخصص مطلق القرآن وربما تعمم ما خصصه ونحو ذلك، فالسنة والسيرة النبوية قيمتها العلمية أنها هي التفسير والتطبيق العملي للنص القرآني، وبالتالي تكون حجتها قوية وصريحة ولا يجادل فيها إلا مكابر وهو منازع، أخرج الإمام مسلم في الصحيح، وهو معتبر عند أهل السنة كما نعلم، وهو ثاني كتب الحديث المعتمدة عند أهل السنة، حديث حذيفة بن اليمان بن حسن العبسي، اليمان بن حسن العبسي صحابي وابن حذيفة صحابي مشهور كانوا محالفين للأنصار وهم ليسوا منهم كانوا من بني عبس، لكن كانوا حلفاء للأنصار فأصبحوا منهم من الأنصار بحكم هذا الحلف ودخلوا وكانوا من الصحابة، خرج حذيفة ووالده لبعض شأنهم فوقعوا أسيرين لدى قريش بعد هجرة النبي، صلى الله عليه وسلم، إلى المدينة وقالوا قالت قريش لحذيفة ولليمان ولابنه: آويتم الصباء عندكم، الصباء يقصدون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فنحن نأخذكم، يعني عوضا عنهم أو رهنا عنهم ففاوضهم اليمان وحذيفة فاوض قريش على أن يطلقوا سراحيهما مقابل أن يعاهدا قريش ألا يحاربا مع النبي صلى الله عليه وسلم ضدهم إذا خرجا إليهم، فوافقت قريش وأعادتهما على ذلك، فرجعا إلى المدينة فصارا الآن بين حذيفة بن اليمان وأبوه اليمان وهما صحابيان فاضلان من الأنصار، والأنصار ممن بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة على النصرة ونصرة النبي صلى الله عليه وسلم ما هي أي نصرة، ما يدخلها أي ريبة أو تردد أو شك ومن متعلقات وضرورات الإيمان الأساسية صار بينهم عهد مع قريش على عدم الحرب حتى مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا كانت الحرب إذا خرج النبي صلى الله إليهم وسلم، فحصل بعد أشهر أن خرج النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه يرصدون عيرا لقريش فجمع الله بهم مع قريش في أرض بدر في اليوم العظيم المشهور وهو يوم بدر، وقبل أن نذكر الموقف الذي حصل أنبه إلى قيمة بدر في الإسلام، هو يوم الفرقان كما سماه الله جل وعلا، وأهل بدر الذين شهدوا بدر من الصحابة هم خيار المسلمين، وأصبحت كلمة البدر وأهل بدر علامة فارقة، وفي حديث في البخاري أن جبريل نزل على النبي صلى الله عليه وسلم ما تعدون أهل بدر فيكم قال هم خيار المسلمين، قال كذلك ما شهد بدر من الملائكة أو كما قال، فلما اقتربت المعركة أخبر اليمان وابنه حذيفة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعهدهما مع قريش، قالا: نحن حصل منا كذا وكذا عهدا، فأفتاهم النبي صلى الله عليه وسلم بالفتوى التالية، قال بالنص والحرف كما في صحيح مسلم (نفي لكما بعهدكما ونستعين الله عليهم فارجعا) مع أن قريش محاربة في ذاك الوقت، يعني قبل إسلامهم من أعظم القبائل حربا للنبي صلى الله عليه وسلم كانت أذيتهم للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه خلال ثلاثة عشر عاما حرب وأذية عظيمة وشديدة، المسلمون كان عددهم قليلا جدا في حاجة إلى الرجل والرجلين. القرارات والمعاهدات ? المقدم: الرسول قال ونستعين الله. ? الحميدي: مع ذلك أفتاهم النبي بأن يبقيا على عهدهما ولا يخيسا بعهدهما مطلقا، فرجعا ووقعت المعركة ونصر الله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كما هو معلوم ومعروف، لكن في أحد شاركا لأن لم يكن عهدهما إلا إذا خرج النبي أما إذا هم غزوهم في المدينة فينصرانه في ذلك، فالشاهد من هذا الكلام أن الآية فيها استثناء صريح وحديث حذيفة واضح الدلالة، ولذلك ابن القيم رحمه الله وهو يعدد الدروس والمسائل الفقهية المستنبطة من غزوة بدر قال: إذا عاهد بعض المسلمين وإمامهم قوما من الكفار ثم اعتدوا أولئك الكفار على مسلمين آخرين مستضعفين فاستنصروا هؤلاء فلا ينصروهم وفاء بعهدهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا قول ابن القيم في الزاد «زاد المعاد» كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لحذيفة «ارجعا نفي لكما بعهدكما ونستعين الله عليهم»، فبالتالي تبقى القرارات والمعاهدات ولا يخيس مسلم بعهده. أضيف هنا إضافة.. ? المقدم: تفضل. الحميدي: أريد أن أضيف لأنها مهمة قدم على النبي صلى الله عليه وسلم رجل أوفدته قريش رسولا منهم برسالة للنبي صلى الله عليه وسلم وهو أبو رافع، فلما وصل المدينة وقع الإسلام في قلبه وأسلم، وقال للنبي عليه الصلاة السلام: لا أريد أن أرجع للمشركين أريد أن أبقى معك، قال: «لا.. نحن قوم لا نخيس بالعهد، ارجع فإن كان في قلبك الذي فيه الآن فعد بعد ذلك وسيجعل الله لك فرجا ومخرجا لا نخيس بعهد» ورجع إليهم مع كراهيته لذلك وإعلانه الإسلام واحتياجه لهم. ? المقدم: واحتياجه لهم. ? الحميدي: وخوفه ربما يؤذونه إذا علموا بإسلامه في مكة، ماذا قال: إنا لا نخيس بالعهد، وفي رواية «إنا لا نخيس بعهودنا»؛ ليعمم الحكم عليه وعلى عموم المسلمين، فصار الأمر ظاهرا الآن وواضحا، فعلى كل مسلم يسمع مثلا أو يبلغه قضية النصرة مهمة خاصة في الزمن الحاضر يعني تتناقل وسائل الإعلام مثلا ما يقع من عدوان على المسلمين في بلد من البلدان من خلال بعض الدول والمآسي، فربما توظف هذه المآسي من بعض التنظيمات وبعض الجماعات لحشد الأنصار من طوائف المسلمين وبلدانهم والمساعدات والأموال، وكذا بداعي النصرة وبداعي كذا فيقع هذا تأثيره في النفوس، فلا يراعي ربما كثير من الشباب الذين يستجيبون لهذه الدعوة وكثير ممن يخرجون إلى بعض هذه التجمعات هنا وهنا لا ينتبهون إلى أنه ربما إمامهم في بلدهم أو حاكمهم في إقليمهم له عهد مع تلك الدولة بعدم الاعتداء، والحكم الشرعي: إنا لا نخيس بالعهد، والحكم الشرعي: (فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق)، والحكم الشرعي: «نفي لكما بعهدكما ونستعين الله عليهم»، فإذا تدارسنا هذا الدليل واستوعبناه صار عندنا فقه في المسألة بحيث لا تغلب العاطفة فيخيس المسلمون بعهودهم أو يخفروا ذمم وعهود ولاة أمرهم بداعي أنهم خذلوا المسلمين ولم ينصروهم. التكفير ومتعلقاته ? المقدم: فضيلة الشيخ ربما يقول قائل في هذه المسألة إن القضية هي قضية أن المضطهد من المسلمين اضطهد واعتدي عليه وأكل ماله واعتدي على عرضه واعتدي عليه من قبل كفار كان بينهم وبين إمام المسلمين ميثاق، وهذا الإمام لديه من الأمور التي تجعله خرق الولاء والبراء بأي تصرف من التصرفات مما يؤكد أنه قد كفر في نظرهم، ولذلك يقول إن هذا الميثاق الذي بينه وبينهم الذي عقده الإمام مع هذه الأمة الأخرى أنه ساقط، لأن الإمام قد خرق الولاء والبراء الذي هو أصل من أصول الشريعة كيف ترد على هذه المسألة؟ ? الحميدي: هي القضية لها جوانب، الآن فتحت موضوع التكفير ومتعلقاته ولوازمه، والتكفير ليس كلمة عابرة تقال وليس حكما من حقي ومن حقك ومن حق أي شخص أن يطلقه على أي مسلم عرف إسلامه بيقين، ولو ظهر من أفعاله ما ربما يقع في ذهنك أنه مناقض لبعض أصول الدين مثلا أو بعض الأحكام التي لا تحتمل النقض في الشريعة وفي الإسلام، لأن التكفير هو في الحقيقة قبل أن يكون حكما على فعل الإنسان وعمله هو حكم على باطنه، فعندما يكفر أو يكفر شخص شخصا هو في الحقيقة حكم على باطنه وعلى داخله أنه في داخله وفي قلبه كره الإسلام كفر بالله خرج من الملة أصبح من أهل النار وهذا حكم غيبي، حكم غيبي ليس لأحد حق فيه وهو حق الله سبحانه وتعالى وللنبي صلى الله عليه وسلم إذا أوحي إليه بوحي معين يبلغه، أما النبي صلى الله عليه وسلم وهو النبي صلى الله عليه وسلم يتعامل مع الناس التعامل الشرعي والحكم الشرعي وحتى لا يكون الكلام نظريا بحتا أسوق خبرا وقصة وقعت، وأخرجه البخاري في الصحيح وهي قصة ذي خويصل التميمي الذي كان رأس الخوارج الأولين، حديث أبي سعيد الخدري في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم عطاء أتاه من اليمن، علي بن أبي طالب أرسل إليه بذهيبة فقسمها بين أربعة رجال رأى النبي صلى الله عليه وسلم باجتهاده باعتباره حاكما وإماما للمسلمين أن هؤلاء الأربعة يتألفون بهذا المال ولم يعط البقية، اجتهد في ذلك وله الحق في ذلك لمراعاة مصلحة معينة رآها، فقال رجل كما وصفه أبو سعيد الخدري: فقام رجل غائر العينين ناشز الوجنتين ناتئ الجبهة مشمر الإزار محلوق الرأس وهو بو خويصل التميمي رأس الخوارج فقال: يا محمد يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم، وكما تعرف لم يخاطب أحد من الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ يا محمد وما يرد يقول له إلا يا نبي الله يا رسول الله بغاية اللطف والأدب معه، يا محمد ما تقال له هكذا كأنه يعني شخصا عاديا من عامة الناس، قال: يا محمد اعدل فإنك لم تعدل، هذا تخوين للنبي عليه الصلاة والسلام ولو أخذ به لكان هذا تكفيرا له، لأنه أطلق عدم العدل والخيانة على أمين أهل السماء وأمين أهل الأرض وهو النبي صلى الله عليه وسلم فغضب عليه الصلاة والسلام وتمعر وجهه وقال: «ويحك ومن يعدل إذا لم أعدل ألا تأمنوني في قليل من المال قسمته وأنا أمين من في السماء» يعني رب العالمين «يأتيني الوحي صباح مساء أأمنتوني في الدين والبلاغ عن الله والأخبار الغيبية عن الآخرة ولا تأمني في دنانير أقسمها رأيت مصلحة في قسمتها ولو كان لي غرض فيها لأخذتها لنفسي ما أعطيتها أحدا» أو أعطيتها بعض قرابتي أو أعطيتها بعض زوجاتي أو أعطيتها بعض وجوه العرب أتألفهم بها، فغضب خالد بن الوليد تبعا لغضب النبي عليه الصلاة والسلام ورأى في كلام هذا الرجل تخوينا للنبي عليه الصلاة والسلام ومن موجبات الردة وسل سيفه خالد، وسيف خالد ماض بلا شك وقال: يا رسول الله دعني أضرب عنقه، باعتبار يعني استوجب عنده القتل باعتبار كفره وردته وتخوينه لرسول الله عليه الصلاة والسلام فقال عليه الصلاة والسلام: «دعه» رد قتله قال دعه ثم علل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك يعني في فهمي أنا أن النبي صلى الله عليه وسلم رد تكفير خالد الذي بنى عليه الرغبة في قتله قال: «دعه لعله أن يصلي» . وهنا موقف مهم جدا علمي النبي عليه الصلاة السلام مؤيد بالوحي يأتيه الوحي ويخبره هذا منافق وهذا ما هو منافق يأتيه الوحي من الله يخبره هذا مؤمن حق ولا وحي من الله الذي يعلم السرائر والضمائر لكن هنا لم يخبر بخبر يتعلق بهذا الشخص في ذاته وإنما أعطى قاعدة يحتاجها المسلمون بعد إلى اليوم وإلى ما شاء الله لعله أن يصلي، ومعنى لعله أن يصلي أن الصلاة هي فارقة، فمن أقام الصلاة أو احتمل أنه يصلي لأن العبارة ما تشير باليقين أنه يصلي فهو معصوم الدم ولا يقتل، ولو صدر منه ما ترى أنت أنه يستوجب ذلك كأن يقول للنبي صلى الله عليه وسلم اعدل فإنك لم تعدل فضلا عن أشياء مثل هذه معاهدات هي عندي أقل بكثير من تخوين النبي عليه الصلاة والسلام لعله أن يصلي خالد رضي الله عنه لشدة غضبه وعدم استيعابه أن ينطق بهذا التخوين للنبي عليه الصلاة والسلام قال: «يا رسول الله وكم من مصل لست في قلبه»، في منافقين يصلون هكذا ظاهرا وليس في قلوبهم (وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا)، فماذا قال عليه السلام، أعطى قاعدة أخرى أنت تتعامل بالظاهر وما يظهر لك، ومالك ومال السرائر لأنها من حكم علام الغيوب، قال: «إني لم أؤمر» وفي رواية خارج الصحيح وأضنها في مسلم «إني لم أؤمر فيما أوحي إلي أن أنقب عن صدور الناس» أن أنقب عن قلوب الناس ولا أن أشق عن صدورهم أنا آخذ بالظاهر ولو كان الظاهر مظنونا وليس مقطوعا به لعله يصلي فأصبحت القضية ماذا، لأن التكفير أنت حكمت على باطن الإنسان خلاص أنه من أهل النار هل عندك بيان من الله نزل عليك صك بأسماء أهل الجنة وأسماء أهل النار، أما التبغاة أنه عاهد الكفار وناصر الكفار تكلمنا في حلقة سابقة ونتكلم اليوم انه من حق المسلمين ومن حق إمام المسلمين إذا رأى المصلحة ولو حتى بغلبة الظن لأنه لا يقطع في كثير من القضايا يعمل بها بدلالة اليقين والقطع لأن لو اشترطنا اليقين التام في تحقق المصلحة لما قمنا بأي معاهدة ولا حتى البيع والشراء العادي وإنما يكتفي بغلبة الظن أن مصلحته ومصلحة من تحت ولايته أن يعاهد هؤلاء الكفار ليكتفي شرهم عهدا مفتوحا عهدا مقيدا عهدا بمال عهدا كما فصلناه في حلقة سابقة.