داخل متحف رضوى التراثي بينبع البحر تتراص الأثريات العتيقة في بانوراما تعيدك لزمن بعيد كل شيء يوجد أمامك بدءًا بالفخار، وانتهاءً بالدنانير والدراهم التي تعود إلى العصور السحيقة. إنها حكاية من حكايات زمان، رواها سالم الحجوري، عاشق التراث، وصاحب المتحف الوحيد المرخص له من قِبل الهيئة العامة للسياحة والآثار بمحافظة ينبع، أعادتنا للأصالة المحفورة على الحجر، والتاريخ المنحوت على وجه العملات. رحلة طويلة يقول الحجوري: رحلتي مع التراث طويلة.. فقد فتحت عيناي على هذه الهواية وأنا في سن مبكرة جدًّا، ووالدي -رحمه الله- كان دلّالًا في سوق حراج المدينةالمنورة، وكان يُسمّى وقتها حراج الأشراف، نسبة إلى ملاك السوق، وكان والدي يشتري البيعات، ويقوم بفرزها، ويسلّمني الكتب والمجلات، ويشجعني على اقتناء بعضها، وبيع جزء منها في ساحة المسجد النبوي عند خروج المصلين من صلاة المغرب، وكان البيع يتم بقروش بسيطة، ولم تكن المعيشة وقتها تسمح بالتوسع في هذه الهواية وكانت عيناي وقتها تقعان على بعض النوادر والانتيكات والكتب، وأقوم بجمعها على قدر الاستطاعة، ووفق الظروف المتاحة، ولم تكن تتملكني رغبة التملك بشكل كبير في ذلك الوقت؛ لقلة ذات اليد، ووجود أولويات. ويضيف سالم: بعد تخرجي في معهد المعلمين، وعملي بالتعليم، وزواجي في ينبع تمكّنتُ من بناء متحف كبير خاص بالتدريج، وأصبح مقصدًا للزوّار من خارج وداخل المحافظة. وعمّا يحويه المتحف قال سالم الحجوري: متحفي الحالي يضم ثلاثة أقسام رئيسة، وهي متحف التراث، وبه كل المقتنيات التراثية، والأدوات، والأسلحة، والأواني، والأجهزة المختلفة، وحاجيات البقالة، والمفروشات، والملابس، والحلي الفضية والذهبية، والاحجار الكريمة، والشواهد، والصور، والكتب القديمة، والمجلات، والصحف القديمة، بينما يضم القسم الثاني متحف العملات الذهبية والفضية والمعدنية والورقية والحجرية والزجاجية، وبه كل إصدارات المملكة العربية السعودية النقدية منذ تأسيسها على يد الملك عبدالعزيز -رحمه الله- وحتى اليوم كما أحتفظ بنوادر مهمة من العملات التذكارية والميداليات التي تخلد أسماء الزعماء والمناسبات إلى جانب الإصدارات المهمة والنادرة، أمّا القسم الثالث فيضم المتحف البحري، وهو متحف أضفته حديثًا عن طريق الشراء وقمت بتطويره ليبرز البيئة البحرية في محافظة ينبع. من أمريكا وأوروبا وعن الزوّار يقول صاحب متحف رضوى: في منزلي استقبل وفودا كثيرة أمريكية وأوروبية وجميع الأجانب محبون للتراث، حيث يسجلون إعجابهم واندهاشهم الشديد بما يشاهدونه من معروضات ومقتنيات، ويهتمون كثيرًا بتاريخنا وثقافتنا القديمة، ويسألون عن كل شيء ويحثونني على مواصلة العمل والتجميع، والبحث عن موقع وكلماتهم المدونة في سجل الزيارات تظهر هذا الاهتمام كذلك استقبلت كثيرًا من طلبة العلم والمشايخ ومنهم الشيخ عبدالله بن جبرين -رحمه الله- وسألني عن الريال المحمودي، وأبدى سعادته بالمعروضات، واستقبلت الشيخ سعد البريك في متحفي، وأهديته دينارًا لهارون الرشيد من الذهب، كما زارني الشيخ محمد النجيمي والشيخ عادل الكلباني وهو محب للعملات القديمة، واشترى مجموعة منها ومن الميداليات التذكارية، لكنني لا أنسى زيارة صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز لمتحفي المتنقل في مهرجان التعليم عندما كان أميرًا لمنطقة المدينةالمنورة، وحرصه على السؤال عن كل قطعة بعناية كبيرة. مقر مناسب وعن أهم المعوقات التي تواجه المتحف قال الحجوري: من المعوقات التي تواجهنا هي عدم وجود مقر رسمي مناسب للمتحف، ولكني أتأمل كثيرًا في حل سريع لهذه المشكلة، وهناك بوادر مشجعة وداعمة لمستها من سعادة محافظ ينبع بهذا الخصوص، والكرة الآن في ملعب البلدية التي باشرت العمل لتحقيق هذه التطلعات المشروعة، وخاصة بعد صدور قرار من معالي وزير البلديات صاحب السمو الملكي الأمير منصور بن متعب بتسليم أصحاب المتاحف المرخصة مواقع بأجور رمزية لخدمة هذا التراث، فالمتحف يحتاج إلى مساحة مناسبة تأخذ بعين الاعتبار فرصة التطوير والإبداع. وسألنا صاحب متحف رضوى عن أهم المعوقات التي تواجه المتحف خلافًا للموقع المقترح، فقال إن جمع هذه القطع يكلف الكثير وقد وجدت دعمًا سخيًّا في السابق من الأستاذ منصور عبدالغفار رئيس الغرفة التجارية -رحمه الله- وتواصل هذا الدعم مع الادارة الحالية برئاسة الأستاذ إبراهيم بدوي الذي تفهم دور المتحف ورسالته ووقف بجانبي كثيرًا، كذلك دعمني بعض محبي التراث كالشيخ بركات الرفاعي، والشيخ محمد الحميدي لكن متطلبات المتحف تزداد، وصيانته مكلفة، وهناك التزامات سنوية وشهرية تدفع في ظل عدم وجود عوائد مالية حاليًّا، حيث يصعب عليّ وضع تذاكر للجمهور، ولا أمنع أحدًا من زيارته وقد ضحيت بالكثير من المال والجهد لبناء هذا المتحف الذي يخدم المحافظة ثقافيًّا بالدرجة الأولى،