تأتي ذكرى النكبة هذا العام والشعب الفلسطيني يواجه أوضاعًا وظروفًا أصعب من أي وقت مضى، فلا يزال الاحتلال الإسرائيلي جاثمًا بكل طغيانه وممارساته العدوانية والعنصرية على صدره، ولا تزال إسرائيل تمارس ضده الحصار بكافة أشكاله محولة قطاع غزة إلى أكبر سجن غير مسقوف في العالم، ومحولة الضفة الغربية إلى مجموعة من الكانتونات المعزولة التي يفصلها الجدار والحواجز ونقاط التفتيش، دونما أي اكتراث لأي اتفاق أوقانون أوشرعة دولية، فيما يواصل الائتلاف الإسرائيلي الجديد ممارسة السياسات الاستيطانية على أوسع نطاق بما يؤشر إلى الاقتراب من خط النهاية في المشروع الصهيوني للإجهاز على عروبة القدس والاستيلاء على أكبر قدر ممكن من أراضي الضفة الغربية، هذا في الوقت الذي يتهاوى فيه مشروع حل الدولتين، وتصل فيه المصالحة الفلسطينية إلى طريق مسدود، ويضيع فيه القرار الفلسطيني المستقل تحت وطأة الضغوط الخارجية. في الذكرى ال64 للنكبة التي حلت بالشعب الفلسطيني وأفقدته -هي والنكسة التي أعقبتها بعد 19عامًا- أكثر من أربعة أخماس أرضه، ودفعت بالغالبية العظمى من أبنائه إلى اللجوء في المنافي تحت وطأة المذابح الصهيونية، في هذه الذكرى الأليمة يدق ناقوس الذاكرة الفلسطينية بأعلى صوته محذرًا من مغبة استمرار الانقسام، وضرورة التمسك بالثوابت الوطنية التي يأتي حق العودة في مقدمتها، والتوافق بين كافة القوى والأطياف السياسية الفلسطينية على أرضية مشتركة لإعادة صياغة المشروع الوطني الفلسطيني وتحديد أهدافه وأولوياته وآلياته، بما في ذلك الحق المشروع في ممارسة كافة أنواع المقاومة التي يكفلها القانون الدولي وميثاق الأممالمتحدة، ومحاربة الفساد والتمييز العائلي، وتوسيع دوائر الحوار والمشاركة في صنع القرار والتمسك بسلاح الإرادة والصمود والإصرار لتبديد سحب تلك الذكرى التي حان الوقت لطيها من خلال واقع جديد لشعب ناهض وقيادة مخلصة وأهداف واضحة، واقع ينسف كافة عوامل الضعف والفرقة والانقسام ويبشر بفجر الوحدة والدولة والعودة. ما يدفع إلى التفاؤل باقتراب هذا الواقع مجموع الانتصارات الصغيرة التي يحققها الشعب الفلسطيني وتتوالى تباعًا والتي كان آخرها انتصار إرادة الأسرى الفلسطينيين في المعتقلات الإسرائيلية على طغيان السجان الإسرائيلي وجبروته.