ما أرخص أرواح البشر عندما يصبح الاستهتار وعدم المبالاة طبيعة لدى بعض الأطباء المعالجين للمرضى بنوع من التراخي، وعدم الحرص، خاصة عند الفحص، أو كتابة الأدوية، أو عند إجراء العمليات الجراحية، أو القيام بعمليات التخدير، التي راح ضحيتها الكثير من الأبرياء من أمثال سلافة وغيرها من الكبار والصغار. سلافة العمري طفلة في عمر الزهور دخلت المستشفى بعارض صحي بسيط يصيب المئات من البشر يوميا « نزلة معوية»، حيث يقدم للمرضى بها علاجات بسيطة يعودون بعدها أصحاء بعد زوال العارض الذي لا ينذر بأي خطورة. وقد دخلت سلاف المستشفى تمشي على قدميها مفعمة بالحركة والنشاط وتريد أن ترى الطبيب من أجل أن يعطيها دواء ينهي معاناتها مع المغص والاستفراغ، وفعلا قابلت الطبيبة التي كتبت لها محلولا يعطى عن طريق إبرة لتخفيف معاناتها مع الألم، ولكن الصغيرة تغيرت بعد إعطاء الإبرة الأولى وشعرت بالآلام تعتصرها من جراء تلك الإبرة وبدلا من العناية بها والإسراع في إنقاذها أعطيت إبرة أخرى لتضاعف من آلامها وتدخلها في دوامة أفضت بها إلى مفارقة الحياة. والسؤال الذي يطرح نفسه: من المسؤول عن وفاة الصغيرة التي دخلت المستشفى على قدميها وخرجت على ظهرها؟ أليس من المفروض أن تنذر الطبيبة الممرضة بعمل اختبار للحساسية قبل إعطاء المحلول؟ ألا يجدر بالممرضة أن تعمل هذا الاختبار قبل إعطاء المحلول، إذا كانت ممرضة فعلا وليست ذات شهادة مضروبة؟ ألا يجدر بالممرضة أن تراجع الطبيبة فورا عند صراخ الأب المفجوع واستنجاده بالآخرين من الكادر الطبي من أجل إنقاذ ابنته؟ وهناك الكثير من الأسئلة التي تجول بخواطرنا نحو هذه الفئة من المعالجين للمرضى والذين يفتقرون لأبسط قواعد التعامل مع المرضى الباحثين عن العلاج. إلى متى يستمر هذا المسلسل الهزلي من الأخطاء الطبية التي يمارسها بعض المحسوبين على الطب، والذين يتعاملون مع الأرواح بكل تراخٍ واستهتار؟ ألا يوجد ضوابط وقيود صارمة تطبق على الأطباء المخطئين عندما يثبت إهمالهم وعدم اهتمامهم بصحة المريض؟ نعم: كل شئ بقضاء وقدر لكن حتما لكل شيء سبب. أليس من المجحف أن نجير كل الأخطاء الطبية الى القضاء والقدر، رغم علمنا أن هناك إهمالا واستهتارا حدث من قبل الطبيب المعالج، أو من قبل هيئة التمريض؟ أليس من حق كل مواطن ومقيم أن يرفع صوته للمسؤولين بعد أن يشعر أن هناك تقصيرا وإهمالا حدث نحو مريضه في المستشفي ولم يُعر أي اهتمام بل يواجه بالتوبيخ والتهديد كما حصل مع عم سلافة؟ كم من المرضى دخلوا المستشفيات أصحاء إلا من عارض بسيط جدا وخرجوا جثثا هامدة محمولة على الأكتاف؟ أليس من حقنا جميعا أن نرفع تساؤلاتنا إلى وزارة الصحة ونقول: ماذا تم حيال هؤلاء العابثين من خلال لجان التحقيق التي تأخذ سنوات حتى تموت القضية وتنتهي بالصلح بثمن بخس للترضية مقابل جرم عظيم؟ نحن كمواطنين نثق في دور وزارة الصحة والشؤون الصحية بالمحافظة في اتخاذ الإجراءات الكفيلة تجاه هؤلاء المقصرين في أداء واجباتهم تجاه المرضى والمستهترين بأرواح الناس، ونكرر أسئلتنا التي تجري على كل لسان: ما الجزاء الرادع الذي يوقف استمرار هذه الأخطاء وعبث بعض هؤلاء الممارسين لمهنة الطب، الذين يتعاملون مع المريض بنوع من التعالي وسوء الأخلاق؟ أليس من الواجب على وزارة الصحة أن تشطب أسماء هؤلاء المتجاوزين لحدود المهنة من سجّلاتها، وتفرض عليهم جزاءات رادعة قبل مغادرتهم للبلاد؟ وتطبق بحق المستشفى ما يستحق من جزاءات لأنه سمح لهؤلاء بالعبث بأرواح الناس، حتى يحرص كل من يزاول هذه المهنة في مستشفياتنا بقيمة الإنسان في بلادنا وأن هناك جهات رقابية تشدد وتحرص على سلامة وصحة المواطنين من عبث واستهتار هؤلاء المحسوبين على مهنة الطب. وكما يقولون: من أمن العقاب أساء الأدب، فالروتين أصبح معروفاً لدى السواد الأعظم من الناس، فالوزارة تشكل لجان تحقيق، ومن ثم لجانا شرعية، وتطول المدة وينسى الموضوع والحي أبقى من الميت، وفي النهاية تكون النتيجة أن المريض لم يستجب للأدوية، وسماحات وكل يعفى من العقوبة، وإذا ثبت خطأ الطبيب (وهذا نادر) تطبق بحقه غرامات مادية هزيلة لا توازي حجم الجرم الذي أقدم عليه ويرّحل عن البلاد. أمر الله نافذ ولا راد لقضاء الله وقدره، ونحن جميعا نشاطر والديّ سلافة وأهلها وأحبابها العزاء ونسأل الله أن يجبر كسرهم ويحسن عزاءهم ولا نقول إلا حقا: إنا لله وإنا إليه راجعون. .