تستوقفني كثيرًا القصص الإنسانية التي يجسدها الفن السينمائي عبر عباقرة هذا الفن بهوليود، من الأفلام التي تكرر عرضه في الفترة الأخيرة (العقل الجميل) المتميز في فكرته وصياغة حواره وإبداع مخرجه وأداء متميز للبطل (راسل كرو)، ليجسد حياة شخصية حقيقية لعالم الرياضيات الأشهر في عصرنا الحاضر والحائز على جائزة نوبل والمؤثر بقوة من خلال نظرياته في علم الاقتصاد الحديث (جون فوربس ناش). قبل فترة من الزمن اقتنيت كتابًا بعنوان: (وراء كل عبقرية قصة معاناة) لسلمى مجدي، لكن ما تم طرحه عبر الفيلم كان أكثر تأثيرًا واستطاع أن يترجم لنا حجم المعاناة التي يعانيها العباقرة في كل زمان ومكان. وتوضيح الدور الخفي للمرأة في حياة كل البشر وبخاصة في قصة هذا العالم حتى وصل إلى منصات التتويج وحصوله على جائزة نوبل في الرياضيات. توقفت عند مشهدين مؤثرين لهما الوقع الكبير في النفس: الأول عندما دعي العالم للمقهى الخاص في الحرم الجامعي-وهو لم يدخله يوما- فهو من مرتادي المكتبة فقط ولكن مضيفه أصر على تلبية الدعوة وكانت المفاجأة أن مرتادي المقهى جميعهم أتوا إلى طاولته تباعًا يقدمون أقلامهم ويضعونها على الطاولة أمامه تقديرًا وإجلالا لمكانته وعلمه ودوره في تربية الأجيال، هذا هو التقدير المعنوي في أروع صورة إنسانية -وأعتقد أننا نفتقد هذا كثيرًا في حياتنا اليومية-. المشهد الثاني والأخير في الفيلم وهو الأقوى عندما قال العالم في كلمة التكريم وبكل معاني الحب والوفاء من الزوج لزوجته يقول: لطالما آمنت بالأرقام والمعادلات والمنطق والمادة وما وراء المادة والصواب والخطأ وتساءلت ما هو المنطق حقيقة لأقف اليوم أمام أهم اكتشاف في حياتي إنها معادلات الحب الغامضة - أنتِ كل أسباب حياتي - أنت من كان له الفضل بما أنا عليه اليوم) وأخرج منديلها من جيبه وقبله. قمة الوفاء، مشهد لا يمكن إلا أن تذرف عيناك وأنت تشاهده هذه اللحظات التي يعترف فيها الإنسان بفضل من كان سببًا في نجاحه وإبداعه وتألقه، إنه الحب الحقيقي الذي يحول المعاناة إلى معجزة وإنجاز حضاري وفكري وعلمي وثقافي. تذكرت مقطعًا من أغنية أم كلثوم وكأن هذه الزوجة تقوله لزوجها: (الحب كله حبيته فيك وزماني كله عشته لك).