سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
باستثناء عبدالله المحيسن.. جميع المشتغلين بالسينما محليا هم هواة ليس فيهم دارس أو متدرب واحد خالد ربيع في حوار ل "ثقافة اليوم" عن كتابه الفانوس السحري:
(لولا جنوحه للموضوعية لجاء فانوسه السحري بمثابة توثيق لسيرة مغرم بالسينما) هذه الجملة للناقد محمد العباس والتي جاءت في مقدمة كتاب (الفانوس السحري) لخالد ربيع والصادر حديثا عن النادي الأدبي بحائل والمتضمن قراءات في السينما يمثل إضاءة في عتمة المشهد السينمائي الغائب عن الحضور الحقيقي في واقعنا الحياتي. لذا يتقدم الفانوس السحري على ماهو حاضر سينمائيا إلى حد الآن. وفي هذا الحوار ل "ثقافة اليوم" نتعرف على رؤية خالد ربيع السينمائية والتي تجلت ملامحها في كتابه (الفانوس السحري): @ كتابك الذي صدر بعنوان (الفانوس السحري) هذا الكتاب الذي يختص بالفن السينمائي ويناقش قضاياه الجمالية والموضوعية. الا يحمل اصداره مفارقة في ظل عدم وجود سينما حقيقية لدينا وايضا يحمل روح المغامرة في التوجه الى قارئ يحتمل وجوده؟ - المفارقة والغرابة ليس في إصدار كتاب عن السينما، وإنما في عدم وجود السينما في بلادنا لغاية الآن.. هذه إشكالية يتطلب فهمها وتحليلها التداخل مع المكون السسيوثقافي للمجتمع ونزوعه الحداثي ورصد إشتباكاته مع عناصر أخرى يطول الحديث عنها هنا، لكن أبسطها هو عدم تحرك المؤسسة الرسمية نحو صناعة/ثقافة السينما سواء المؤسسة الرسمية أو القطاع الخاص حسناً.. لن نختلف بأن السينما موجودة كفن في العالم أجمع ونحن منذ منتصف القرن الماضي نستهلك المنتج السينمائي بشكل أساسي، من خلال وسائط مختلفة، (عدا صالات العرض).. نستهلكه كمترفين باحثين عن التسلية والرفاهية، كما نفعل تماماً مع منتجات الحداثة الأخرى، لكن تأكد أخي طامي بأن نسبا متزايدة من المجتمع أصبحت تتعامل مع هذا المنتج الحضاري على أنه معرفة ووسيلة تثقيف وتغيير وتحضّر الى جانب متعته كفن.. من هنا جاء كتابي المتواضع كمحاولة لبث ثقافة معرفية تذوقية لهذا الفن، فإذا كنا مستهلكون فلنكن مستهلكين أنيقين نحيط بخلفيات ودراية عن تفاصيل هذا الفن، لا سيما وأنه الفن الأكثر تأثيراً وجاذبية على الإطلاق.. هذا المبدأ ظللت أكتب تحت طويته خلال الستة عشر سنة الفائتة في الصحف والمجلات المحلية.. دعني أقول بأنني متوجه الى قاريء موجود بالفعل وليس محتملاً، هناك الكثير من المواقع الإلكترونية المحلية المتخصصة في السينما، وأصبح لا يخلو موقع ثقافي أو فني أو منوع من حقل خاص بالسينما، ويشارك فيه مئات الأعضاء، بل الآف، وهم يتحاورون عن السينما والأفلام بذكاء ومعرفة رصينة تعطيك إحساساً قويا وحقيقياً بأن هناك متابعين متزايدين للسينما العالمية، .. هؤلاء هم من أتوجه إليهم، وهم من سيقرأ الكتاب، هذا ما أتمناه. @ وجدت الحديث عن السينما الشعرية يحمل رؤية ملتبسة. بحيث ليس هناك توصيف محدد تجعلنا نقول هذا الفيلم شعري. هل الامر عائد الى ضبابية هذا المسمى؟ - حسناً طامي، المصطلح ما زال حديثاً، أطلقه في الستينات المخرج والقاص والشاعر الإيطالي بيير باولو بازوليني، السينما الشعرية تصنيف لنوعية محددة من الأفلام السينمائية، السينما التي تتعمق في الواقع بطريقة تحليلية فلسفية نقدية، ولا تعتمد على سرد قصصي منطقي، بحيث يمزج مخرج الفيلم الشعري بين الصورة والتشكيل بالرمز وبالموسيقى، وذلك حسب روءاه وتخيلاته وأفكاره الشخصية الذاتية، وأيضاً يكون منطلقاً من فلسفته الخاصة ونظرياته وتجريبياته وأحاسيسه ويخلطها مع تركماته الثقافية من أساطير ومعارف وفنون. أي أن الفيلم الشعري لا يعتمد علي قواعد مكتوبة في الإخراج السينمائي لكنها سينما حاثة على التفكير، ومن هنا تأتي متعتها، فللتفكير متعة وانتصار أيضاً، ربما إنتصار للقيم الجمالية.. تماما كما تفكر بعمق وأنت تلعب الشطرنج ثم تنتصر، رغم اختلاف الحقلين لكن المشاهد عليه أن يفكر ويحلل كل لقطة وصورة على حدا، كما يحدث مع أفلام أكيرا كيروساوا خصوصاً فيلمه (أحلام كيروساوا) أو كما في أفلام الإيراني مجيد مجيدي.. عليه أن يتذوق و(يستطعم) إن صح التعبير وفق ذائقة خاصة ذكية ولماحة وحساسة أيضاً. إذاً السينما الشعرية تحاور العقل ومكنوناته وأهم شيء أن يحس المشاهد بما يرى كما يقول المخرج السينمائي انغمار بيرغمان.. وعلى ذكر بيرغمان مثلاً نجده يسلط إهتمامه على وجه الإنسان للوصول إلي الروح ويعتبر الوجه الإنساني هو الوسيلة للتعمق إلي النفس الإنسانية وهو بهذا المفهوم يشحن ممثلي أفلامه على التعبير بالوجه. يظهر ذلك جلياً في فيلمه Wild Strawberries "الفروالة البرية" أو في فيلمه Cries and Whispers "صرخات وهمسات"، وأيضاً تتجلى في فيلمه The Silence "الصمت" خاصية أخرى من خواص السينما الشعرية وهو أن مخرج الفيلم الشعري يضرب بقوانين المونتاج عرض الحائط ويتبع منهجه الخاص.. دعني أقول أنها نوعية من الأفلام التي تحتاج الى دربة ومران في المشاهدة وإلغاء مفهوم المشاهدة التقليدية، وهي في كل الأحوال تثير اسئلة صعبة وتتوغل في قضايا مثل الموت وحقيقة الوجود والجنس وماهية الحياة وماهية الإنسان. @ وجدتك ترى ان الفيلم الهندي عليه أن يتخلى عن ملامحه المحلية لينطلق الى أوروبا وأمريكا.. الا تعتقد أن السينما الهندية يجب أن تنأى عن هذا التغير. لتظل تحمل نوعاً من المغايرة التي تتنجها السينما في هوليود؟ - الصورة النمطية عن السينما الهندية الموجهة، تبدأ من القصص السطحية البسيطة المغلفة برقصات واغاني حب حالمة وانغام رومانسية، إضافة الى قوة خارقة يتمتع بها البطل تؤهله للعراك مع دزينة أشرار والانتصار عليهم، وبوجود عدة مصادفات ومفارقات تؤدي الى سعادة وينتهي الأمر ب (عاشوا في تبات ونبات) بعدما تكون أجواء الحزن قد خيمت على الأحداث.. هذه التوليفة الهندية الموجهة من مؤسسة السينما العامة التي تديرها الدولة أصبحت مكرورة ومستهجنة ولا أبالغ إن قلت مرفوضة.. ولكنها داخلياً في الهند هي المرغوبة والمحببة، لأن السينما في الهند تلعب دوراً تفريغاً للكبت والتفريج نفسياً عن المشاهد الهندي، ذلك المسحوق في بلد به مليار ساكن.. هذا النمط بات غير ملائماً للذائقة في مناطق كثيرة من العالم، على الأقل في منطقتنا العربية. لذلك رؤيتي المتواضعة في أن يتخلى الفيلم الهندي عن مكروراته ونمطيته وليس عن ملامحه الاجتماعية الثقافية المحلية الأصيلة.. هناك اتجاهات أخرى في السينما الهندية المستقلة الهادفة، والتي أخذت تبرز تدريجيا، وهذه النوعية من الافلام الهندية الجديدة يفوز بجوائز فى مهرجانات الافلام الدولية بسبب مستواها الراقي وبسبب ابتعادها عن المكرورات النمطية المنفرة، مع الإبقاء على الخصوصية الإقليمية، ولهذا فأن الفجوة الثقافية العميقة في صناعة السينما الهندية وبين باقي صناعات السينما في العالم، من ناحية التذوق، أخذت تعمل على إعاقة انتشار سينماهم المستقلة في مناطق عديدة من العالم. @ عند الحديث عن الفيلم السعودي السينمائي لا أجد مبرراً للتعاطف معه أو غض النظر عن المساءلة الفنية لتلك الافلام القصيرة المنتجة محليا. فتلك الافلام تمثل رداءة البدايات.. وفي لحظتنا هذه لم تعد هناك بدايات بكر. فثقافة وذاكرة المشتغلين بالسينما السعودية جيدة. لذا لا اجد مبرراً لرداءة البدايات التي نلحظها في تلك الافلام؟ - هناك ثمة تعاطف لامني عليه قبلك صديقي الناقد محمد العباس، وربما أشار الى ذلك في المقدمة التي كتبها للكتاب، ورغم أنه بدا هذا التعاطف واضحاً إلا أنني أميل الى الموضوعية والبناء الهادىء من خلال النقد التفاعلي في ورش عمل أو نقاشات حية.. نعم أنا صديق لمعظم الشباب المهتمين بالسينما، ولكن تلك الصداقة تتحول الى حوار محبة أقول لهم من خلاله ما أراه سليما وفي مصلحتهم، ولذلك أدعو الله دائما أن يلهمني قول ما يفيدهم. وعلى أية حال، لن أحاججك وسنتفق بأن هناك هشاشة البدايات (أنت تسميها رداءة) وضعف وفقر فني مدقع، وقد نوهت عن ذلك في تقرير مهرجان العروض المرئية الذي أقيم في الصيف الفائت بجدة، في ذلك التقرير كنت عضواً في لجنة التحكيم مع الدكتور حسن النعمي والأستاذ علي قدس، وكانت مسؤوليتنا وضميرنا يدفعنا ويحتم علينا قول الحقيقة مهما بلغت قسوتها، وبالفعل كنا قساة وقلنا (للأعور أنت أعور في عينه) ووافقنا الجمهور على ما قلناه.. أعود فأؤكد إن هذه الردائة لم تأت من فراغ، هي متأتية نتيجة أسباب عديدة أولها أن الثقافة السينمائية ليست متجذرة في واقعنا المحلي، وهي ليست مؤسسة منهجياً وعملياً، فلا معاهد أو أكاديميات تؤهل للاشتغال بها، بل حتى أن مشاهدة الأفلام لا يتم في دور وصالات عرض متخصصة.. في الكفة الأخرى وبحسب علمي أن جميع المشتغلين بها هواة، ليس فيهم دارس أو متدرب واحد، (باستثناء الرائد عبدالله المحيسن)، وهم يعملون بجهود فردية متواضعة سواء في الإمكانات المادية أو الإمكانات الفنية. إذن ماذا نتوقع غير البساطة والهشاشة.. لكن رغم ذلك لا تخلو بعض الأفلام المنتجة من تجويد نسبي في بعض العناصر، ويقابلها إخفاق بالغ في عناصر أخرى. @ بمناسبة الحديث عن افلام مجيد مجيدي. كيف ترى الفيلم الايراني بشكل عام. وهل اشتغاله على الحالة البصرية ستجعله فيلما غير جماهيريا على مستوى العالم؟ - على العكس تماماً إن اشتغال مجيد مجيدي على الحالة البصرية التي نقل المشاهد اليها في فيلم (ألوان الجنة) وما تحمله من جمال الطبيعة، وفي الحميمة الإجتماعية في فيلم (أطفال السماء) وأيضاً في السحرية الرومانسية التي نشأت بين "لطيف" الإيراني وباران "الأفغانية" في فيلم (باران).. إن تضمين تلك الطروحات بتوليفة لغة سينمائية حاذقة ترنكز على خطاب إنساني عالٍ أعطى لأفلام مجيد مجيدي قيمتها العالمية، بل دون مبالغة الشعوبية. @ في الابداع لا يجب أن نعول على المؤسسة. المبدع الحقيقي يستطيع أن يتجاوز ويثبت حضوره. اعتقد أزمتنا السينمائية الاولى تكمن في عدم وجود المخرج الموهوب.؟ - رعاية المؤسسة للسينما أمر له أهمية قصوى ويتخذ أولوية بالغة، وهي إذا ما تلاحمت مع جهود القطاع الخاص تتكامل وتنتج صناعة سينمائية مؤثرة لننظر الى تجارب الدول العربية مثل تونس وسوريا والجزائر.. صعوبة تجاوز المبدع الفرد لهاتين القناتين يجعل من إبداعه قاصرا ومبتوراً، لأن السينما فن جماعي يتكامل بالتشارك في الإمكانات المادية والفنية.. لذلك فأزمتنا السينمائية كما أسميتها، وأنا أسميها إعاقتنا السينمائية تكمن في جمود المؤسسة الرسمية وعزوف القطاع الخاص، أما المخرج (الغلبان) فلا يستطيع التصفيق بيده الوحيدة، ولا أستطيع أن أحكم بوجود مخرج موهوب أصلاً أو عدم وجوده لغاية الآن.. فكل ما ظهر لدينا لغاية الآن من أفلام يدخل ضمن مصطلح ال(دقدقة) الكروي، فلم يقدموا مباراة حقيقية حتى الآن، وسوف يستمرون في عملية (التسخين) هذه حتى تشجعهم المؤسسة الرسمية وتدعمهم جهود الشركات الأهلية. @ الرواية المحلية هل هي موضوع مناسب وصالح للتحول السينمائي.. واذا ما كانت كذلك.. فأي الروايات المحلية التي مهيأة للفيلم السينمائي؟ - ياسيدي كل الروايات المطروحة أو حتى أجزاء منها، ولا أبالغ إن قلت ربما جزء من فصل واحد من أي منها من الممكن أن يصبح موضوعاً سينمائياً رائعاً، المهم كيف يمكن تحويلها الى سيناريو يتوافق مع لغة السينما، وما الإمكانات التي ستساعد في ذلك. أين كاتب السيناريو الموهوب؟.. كل ما كتبه عبده خال أو تركي الحمد أو يوسف المحيمد أو رجاء عالم وغيرهم، يصلح بامتياز أن يتحول الى أفلام.. سأخبرك أمراً ذاتياً جداً وهو أنني قاريء نهم للرواية السعودية وغير السعودية، ولا يمكن أن أقرأ دون أن أتخيل ما أقرأه وكأنه مبثوث على شاشة أمامي، أصلا روايتنا السعودية متأثرة بالمشهدية السينمائية.