أكد بانى نهضة ماليزيا الحديثة الدكتور مهاتير محمد أن المشاركة الشعبية فى «القرار» هي الجسر الآمن للخروج من الأزمات وبيّن فى حوار أجرته معه «المدينة». ورغم إعجابه بالثورات العربية، أكد مهاتير ضرورة إنهاء حالة التوتر التي تحياها الدول الرئيسة والمؤثرة على الخارطة مطالبًا بإنهاء التظاهرات والتجمعات واصفًا إياها ب»الطاردة للاستثمار» والأرض الخصبة لميلاد البطالة. وزاد قائلاً: فى رأيي أن أهم عوامل الخروج من الأزمات بكافة أشكالها يتمثل فى التأكيد على أهمية الحوار بين القادة وأبناء الشعب وهذا ما اتخذته ماليزيا أسلوبًا خلال تعرضها لأى أزمة. ونصح مهاتير الحكومات العربية بالاهتمام بتنويع مصادر الدخل وعدم الاكتفاء بمصدر واحد لأن الاعتماد على «مورد واحد» يعرض البلاد للإنهيار حال فقدانه. ويرى مهاتير محمد أن نجاح التجربة الماليزية يعود للمواطن والحكومة واللذين أرادا لها النجاح كما تمكنت ماليزيا من استثمار طاقات أبناء شعبها خير استثمار واعتبرت الاستثمار فى البشر أهم دعائم تنميتها. *تعيش المنطقة العربية اليوم حالة من التوتر بفعل الثورات.. ماهو تقييمكم لهذه الصورة وتداعياتها السلبية على الاقتصاد العربي بشكل عام؟ -المنطقة العربية تعيش مرحلة صعبة وفى حاجة ماسة إلى جهود أبنائها وإلى إحداث توافق بين كل القوى السياسية والشعبية حتى تستطيع الخروج مما يمكن أن نطلق عليه أزمة «مابعد الثورة» كما ينبغي عليها وبشكل سريع انهاء المظاهرات والتجمعات – فئوية كانت أو غيرها - باعتبارها البوابة التي يخرج منها الاستثمار بلاعودة كما انها أرض خصبة لميلاد البطالة، واُؤكد أن الفوضى التي حلت ببعض دول المنطقة العربية كانت بسبب اساءة الفهم الصحيح للديمقراطية وعدم استيعاب دلالات المفردة جيدًا كما أن الحريات التي أراد الشعب نيلها كانت بلا سقف أو حدود فانقلب الأمر إلى «فوضى». مشاركة شعبية وحوار مفتوح * من وجهة نظركم.. ما هي الصورة المثلى للخروج مما أطلقتم عليه «أزمات ما بعد الثورات»؟ -في رأيي أن أهم عوامل الخروج من الازمات بكافة أشكالها يتمثل في التأكيد على اهمية الحوار بين القادة وابناء الشعب وهذا ما اتخذته ماليزيا أسلوبا خلال تعرضها لأى أزمة . لذا يجب اجراء «حوار مفتوح « لمواجهة المشكلة وحلها وتفعيل المشاركة الشعبية بوصفها «الأهم» كل هذا مع التأكيد على أن التغيير ليس تغييرًا في الأشكال والأشخاص والسياسات واستبدال رئيس بآخر وحكومة بأخرى بل التغيير الحقيقي يتمثل في طبائع الناس وسلوكياتهم وفي الحقيقة ان أول قرار اتخذته بعد تسلمي منصب رئيس الوزراء هو الذهاب للعمل مبكرًا وترسيخ معنى «النظام» بين الجميع .. فالنظام يقود الشعوب إلى عبور أحلك أزماتها وأصعبها. تجنب الاقتراض والادخار *يضع الجميع اليوم يده على قلبه من الوضع الاقتصادي الذي يتهاوى خصوصًا في دول الربيع العربي.. في رأيكم ما هي أسرع الحلول للخروج بالاقتصاد العربي من هذا النفق ؟ - ينبغي على الدول العربية الاهتمام ب «تنوع مصادر الدخل وعدم الاكتفاء بمصدر واحد لأن الاعتماد على « مورد واحد « يعرض البلاد للإنهيار حال فقدانه ففى مصر مثلا تهاوى الاقتصاد لاعتماد البلاد على السياحة فقط كمصدر أساسي فيما أغفلت موارد أخرى كان بمقدورها ان تحدث حالة من «التوازن» كما أنادي الدول العربية بالابتعاد النهائي عن سياسة الاقتراض من صندوق النقد والبنك الدوليين واعتماد ما يمكن تسميته بسياسة التقشف والاعتماد على الموارد المحلية المتاحة حتى لا يتم الخروج من نفق إلى نفق بديل كما أنني أنصح بعد فرض ضرائب على الاستثمار الاجنبي حتى لا نفقد هذا المورد الهام كل هذا يضاف إلى «الادخار» باعتباره أهم الموارد المحلية التي من الممكن أن تنهض بالاقتصاد. الاستثمار في البشر * التجربة الماليزية «تجربة فارقة» وأنموذجًا ينبغي على الدول الأخرى الاقتداء به فما هي أهم موارد الاقتصاد التي ساهمت في النهضة الماليزية؟ -التجربة الماليزية نجحت لأن المواطن والحكومة أرادا لها النجاح كما تمكنت ماليزيا من استثمار طاقات ابناء شعبها خير استثمار واعتبرت ان الاستثمار في البشر من اهم دعائم تنميتها لذا ركزت على كل الجوانب التى تنهض بالانسان علميا واقتصاديا واجتماعيا وخلقيا أيضا وعلى الرغم من الاهتمام الكبير الذى أولته ماليزيا بقطاع الصناعة والذي يشارك بنسبة 90% حيث تنتج ما يزيد عن 85% من صناعة السيارات الا انها لم تهمل القطاع الزراعي وتعد اليوم من أكبر الدول المصدرة لزيت النخيل والمطاط، نعم لقد نجحت ماليزيا في إحداث توأمة بين كل القطاعات والخدمات لترقى بوضعها اقتصاديًا وهذا ما تحقق فعلًيا. وئام عرقي *استطعتم بفضل مواهبكم القيادية التعامل مع الأطياف والأعراق المتباينة داخل ماليزيا واحداث حالة من «الوئام العرقي».. كيف تم ذلك؟ - نعم وجود أطياف وأعراق متباينة يعد من أهم القضايا التي تعيق التنمية في أي بلد لذا كنت حريصًا على احداث حالة من الانسجام والاستقرار والأمن بين المسلمين وغيرهم من البوذيين والهندوس من أجل العبور بماليزيا وتحقيق التنمية بكافة صورها.. إن نجاحي في الوصول إلى «الوئام العرقي» مرجعه لتطبيق سياسة العدل تجاه كل الأعراق وعدم الانحياز لفصيل دون غيره الأمر الذي يقوي الشعور بالقومية ويجعل الجميع على وعي ورضا بالعيش المشترك. ثلاثية مواجهة الفساد *الفساد هو الفيروس الذي أفسد الجسد العربي.. فكيف واجهتم هذه الآفة حال النهوض بماليزيا ؟ -ماليزيا لديها أنظمة وقوانين حازمة لضبط الفساد اولا بأول الأمر الذي يقطع الطريق امام المتلاعبين والمرتشين والفاسدين كما أننا نعتمد «السرعة» في أداء الإجراءات الحكومية ونتخذ اجراءات رادعة في حق من تثبت في حقه الإدانة.. هذا كله يضاف إلى وجود مؤسسة متخصصة لاستقبال شكاوى المواطنين يلجأ إليها الجميع بالشكوى حال تعرضه لوسيلة من وسائل الابتزاز أو رؤيته لأي شكل من أشكال الفساد. الإغراق لصالحنا *غزت منتجات الصين ماليزيا شأنها شأن كل البلدان.. ألم تشعروا بالتخوف حيال ما يطلق عليه رجال الأعمال ب سياسة «الإغراق»؟ -لم نشعر بالتخوف بل على العكس فتحنا أبواب ماليزيا لهذه المنتجات ولكن في حدود استخدامها ك»مدخلات إنتاج» بالنسبة للسلع الماليزية فلقد نجحنا في توظيف ما أطلقتم عليه بالإغراق لصالح منتجاتنا وهنا يكمن سر النجاح.. في ماليزيا نؤمن بأن السلعة الجيدة والمنتج المتميز يدوم بقاؤه طويلا وينشدها الجمهور فأما ماعداها فلا يستمر طويلا لذا لا بأس من وجود المنتجات الصينية بجوار منتجاتنا الأكثر جودة. ربع الميزانية للتعليم *انتقلت ماليزيا بالتعليم انتقالة سريعة حتى علت صروح الجامعات على أرضها في سنوات توليكم من 5 جامعات إلى 80 جامعة ... ما هي ملامح هذه الانتقالة؟ -استفادت ماليزيا من التجارب الخارجية وخاصة اليابان ووجهت إليها طلابها للتعليم والتدريب ولنقل الخبرات في مجال التكنولوجيا والتي تمثل أساسًا للتقدم العلمي ولا ابالغ اإذا قلت إن ماليزيا صارت بفضل الطموح والرغبة مقصدا تعليميا عالميا للطلاب من جميع أنحاء العالم حيث يوجد داخلها 100 الف طالب من 100دولة مختلفة كما ارتفع عدد جامعاتها إلى 80 جامعة وتصنف الجامعات الماليزية ضمن اول 200جامعة عالمية أما عن الميزانيات فتخصص الدولة 25% من ميزانياتها سنويًا للتعليم وتهتم بشكل أساسي بتكنولوجيا المعلومات باعتبارها أهم وسائل الاتصال الخارجي ليس هذا فقط بل أولت ماليزيا البحث العلمي جل اهتمامها وخصصت ميزانيات ضخمة للبحوث التى تركز على منتجاتها حيث زاد إنتاج المطاط عشر مرات وتصاعدت إنتاجية زيت النخيل بشكل لافت. الإسلام والتنمية *ربما كان اللافت للنظر في ماليزيا نجاحها في توظيف القيم الإسلامية لصالح التنمية كيف تحقق لكم ذلك؟ -الإسلام به كل القيم التى تدعو إلى العدل والمساواة وتنادي للعلم والعمل كما أنه «منهج حياة» لابد من استخدامه كوسيلة للتقدم وبناء الانسان ولقد نجحت ماليزيا كل النجاح في تحويل القيم الاسلامية إلى سلوك عملي يتم ترجمته على أرض الواقع بشكل يخدم المجتمع أبنائه وليس مجرد شعارات ولافتات ومظاهر خارجية.. نعم لقد اتخذت ماليزيا من «الدين» الذراع القوي في رحلة تنميتها وكان المواطن الماليزي مدركا لمعاني ودلالات هذا الأمر فلم نلمس الشطط والمغالاة بل صورة مثلي لتطبيق معاني الدين والتسامح مع الآخر. معدلات النمو *بلغة الأرقام .. كيف تقيّمون فترة توليكم لرئاسة وزراء ماليزيا وهل تشعرون اليوم بالرضا عما قدمتم ؟ -لا يحلو لي وصف «فترة رئاستي بالناجحة وأكتفي بما يراه الناس ولكن كاستعراض رقمي لهذه الفترة أرى أن ماليزيا حققت معدلات نمو ثابتة وصلت إلى 8-9 على مدى عشر سنوات متتالية كما تضاعف متوسط دخل الفرد الماليزي 17 مرة من 600 دولار عام 1980 إلى 10آلاف دولار عام 2001 كما ارتفعت قيمة الصادرات الماليزية من 5 مليارات دولار عام 1980 إلى نحو 100 مليار دولار عام 2002 أما بخصوص حالة الرضا فأنا سعيد بما قدمته وتظل أحلامي وأمنياتي لماليزيا وشعبها موصولة لا يوقف طوفانها منصب أو مكان.