جدد رئيس وزراء ماليزيا الأسبق انور ابراهيم تأكيده على ان الاتهامات السياسية والاخلاقية التي طالته كانت مسيسة بهدف اقصائه من الواقع السياسي في ماليزيا. والمح ابراهيم في حوار مطول اجراه مع «الرياض» في دبي الى رغبته في تولي رئاسة الوزراء مجددا مشيرا الى ان كلمة الشعب هي الفيصل في هذا الموضوع .. واتهم المسؤول السابق النظام السياسي الحالي في ماليزيا بأنه قاس ويشوبه بعض الجور غير انه ابدى تفاؤله بوجود فرصة متاحة للسير بالبلاد نحو انتخابات ديمقراطية، تفرز نتائج يقررها الشعب الماليزي .. الى ذلك نوه ابراهيم بالاهمية البالغة لمبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للحوار بين الاديان والحضارات لما لها من اثر مباشر في المساهمة بنشر روح العدل والسلام والتعارف بين شعوب البشر مؤكدا ان هذه المبادرة توضح جلياً النظرة الثاقبة التي يتمتع بها الملك عبد الله كما وصف برنامج خادم الحرمين الشريفين للتعليم العالي بأنه خطوة جبارة يجب الاحتذاء بها. فالى نص الحوار: * بداية نود أن توضح لنا طبيعة الاتهامات التي تم توجيهها إليكم وما هي الدوافع وراء هذه الاتهامات، ولماذا اخترت اللجوء إلى السفارة التركية دون غيرها كاندونيسيا أو الولاياتالمتحدة مثلاً؟ - إن ما اتهمت به لا يمكن أن يوصف إلا استهدافاً سياسياً لشخصي، وذلك بسبب تشكيلي منافساً سياسياً قوياً في ماليزيا، فقد استطعت جمع ثلاثة من اكبر الأحزاب الوطنية في ماليزيا وهي حزب العدالة والحزب الوطني والحزب الإسلامي وجعلتها تنضوي تحت مظلة ائتلاف موحد قوي من الصعب التفوق عليه في اية انتخابات تجري في البلاد، وهذا ما دفع البعض إلى اتهام شخصي دون دلائل، بعد إفلاس محاولات النيل مني بالاتهامات الواهية الأخرى كاتهامي بالعمالة للولايات المتحدة أو لليهود! وبعد اعتقالي وتعرضي للعنف والضرب المبرح داخل السجن، فضلت اللجوء إلى السفارة التركية لعدد من الأسباب قد ألخصها في عدم رغبتي اللجوء إلى إحدى سفارات الدول المجاورة لدواعي سياسية فقد يسبب لجوئي إلى تلك الدول المجاورة حرجاً سياسياً لها، وبالطبع لم اقم باللجوء إلى السفارة الأمريكية لأن ذلك سيعطي الذرائع لخصومي السياسيين في إلصاق تهمة العمالة لأمريكا ولليهود على حد تعبيرهم، فضلاً عن أن تركيا تعتبر بلداً مسلماً ومحترماً ولها مكانتها الدولية والإقليمية المرموقة، لأجل ذلك فضلت اللجوء إلى سفارتها للفت انتباه المجتمع الدولي إلى قضيتي التي اتهمت بها وهي محض تلفيق ونيل من سمعتي الشخصية ليس إلا، وانا واثق بعون الله وهمة الاصدقاء من الملوك والقادة المنصفين في الدول الاسلامية أن ينصفوني ويقفوا بجانبي لإظهار الحق وإزهاق الباطل. * أنت الآن خارج السجن، هل تعزو أسباب الإفراج عنك إلى ديمقراطية الدولة الماليزية، أم بسبب عدم كفاية الأدلة ضدكم؟ - لم تتوفر دلائل دامغة على تلك الاتهامات –السياسية- كما ذكرت سابقاً، ولذلك لم يكن هناك من مجال لابقائي قيد الاعتقال وتم الإفراج عني، وهذا دليل قاطع انهم لم يجدوا ما يصبون إليه. * ما هي الحجج التي تقدم بها خصومك لاثبات اتهاماتهم لك؟ - لقد أوضحت أن التهم ضدي مسيسة وأن المحكمة لم تجد دليلا واحدا ضدي لذلك أفرج عني، وقد نصحتني بعض الشخصيات أن أقوم بالتوجه إلى المحكمة الشرعية لرفع دعوى قذف ولكن رئيس الوزراء (نجيب عبد الرزاق) تدخل على الفور وأجهض القضية قبل أن تبت المحكمة فيها. * كيف تقيم تجربة ماليزيا السياسية والاقتصادية الحالية من وجهة نظر حزبكم؟ - لا أقول ان ماليزيا بلد ديمقراطي تماماً فالنظام السياسي قاس ويشوبه بعض الجور أحياناً، ولكن أعتقد جازماً ان الفرصة متاحة أمامنا للسير بالبلاد نحو انتخابات ديمقراطية، تفرز نتائج يقررها الشعب الماليزي، وفي ماليزيا لدينا احزاب معارضة تؤدي عملها في معارضة الحكومة ضمن الأطر القانونية للبلاد ووفقاً لما تمليه عليها الأنظمة والقوانين في ماليزيا. * وماذا عن الوضع الاقتصادي الراهن؟ - ماليزيا بلد اسلامي ومقارنة بالدول الإسلامية اعتقد ان الوضع الاقتصادي العام في البلاد ليس سيئاً تماماً، إلا أنه من المفترض أن نكون في مكان آخر اليوم فقبل بضع سنوات كانت ماليزيا تقود النمو الاقتصادي في طليعة دول مجموعة الآسيان، واليوم إذا نظرنا نرى الدول المجاورة مثل أندونيسيا وفيتنام تسارع خطى النمو وتتخطى ماليزيا في هذا المجال، ولا شك أن لاستشراء الفساد والرشوة في النظام الاقتصادي الماليزي اليد الطولى في تدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد. * بالانتقال إلى منطقة الخليج، هل لك ان توضح لنا علاقتك بهذه المنطقة وعلاقاتك الشخصية بالمملكة تحديداً؟ - هناك تاريخ طويل لعلاقتي بالمملكة العربية السعودية، وذلك منذ نشاطي في حركة الشباب الإسلامي وشاركت وقتها في ندوة الشباب الإسلامي، وبرأيي أننا كدول إسلامية ينبغي علينا أن نحرص على فعل كل ما من شأنه لم الشمل وتعزيز العلاقات وتمتين الروابط بين البلدان والشعوب الإسلامية، ومؤخراً كان لدي نشاطات عدة في المملكة لاسيما مشاركتي في المنتدى الاقتصادي في مدينة جدة، والعديد من المنتديات الأخرى في المملكة. يتهمونني بالتعامل مع إسرائيل ويعقدون الصفقات معها وهنا أود التوقف عند التحولات الكبيرة التي شهدتها المملكة العربية السعودية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لاسيما مبادرة حوار الأديان، وتطوير النظام التعليمي في المملكة الذي أثار الإعجاب حول العالم، بفضل الدعم السخي واللامحدود من قبل الملك عبد الله لتطوير القطاع التعليمي، ولا شك أن برامج الابتعاث التي يرعاها خادم الحرمين سيكون لها الأثر الأكبر في تنمية وتطوير العنصر البشري السعودي وستجني المملكة ثمارها في القريب العاجل، ولا بد من التنويه هنا إلى تبني النظام التعليمي في المملكة الأسس والمناهج المتقدمة والحديثة في التعليم مع الحفاظ على روح المجتمع الإسلامية دون التفريط بقيمه وجذوره العربية والإسلامية الأصيلة، وهذا في غاية الأهمية، إذ ساد قبلها الاعتقاد أن مجرد افتتاح فروع لجامعات أجنبية غربية لهو كفيل بالنهوض بالنظام التعليمي للبلدين التي تبنت هذه الاعتقاد وهو ما أثبت خطؤه، وتنبهت إليه القيادة في المملكة العربية السعودية التي بنت بنجاح نظاماً تعليمياً حديثاً بجذور اسلامية في إطار عالمي من الداخل. وفيما يتعلق بمبادرة حوار الأديان التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز عام 2008، ارى انها بالغة الأهمية لما تحمله في طياتها من معان سامية قائمة على أسس ومبادئ دين الإسلام الحنيف وتساهم في تعريف العالم عامة والغرب خاصة بالقيم والمبادئ السامية التي حملها الإسلام إلى البشرية، ولا شك أن لها أثراً مباشراً في المساهمة بنشر روح العدل والسلام والتعارف بين شعوب البشر. إن هذه المبادرة توضح جلياً النظرة الثاقبة التي يتمتع بها الملك عبد الله، وهي إكمال لما كان بدأ به في مبادرة السلام العربية التي تهدف لحل الصراع العربي الإسرائيلي، إن من أهم ما أريد أن أشدد عليه هنا هو أن لا يتم التركيز فقط على دور رجال الدين في تفعيل مبادرة حوار الأديان بل أن ينخرط في صفوفها جميع فئات المجتمع من مثقفين وأكاديميين ومؤسسات المجتمع المدني والإعلاميين ومؤسسات التربية والتعليم. * كيف تصف علاقات ماليزيا بدول المنطقة هنا في الخليج العربي وباقي الشرق الأوسط؟ - العلاقات بين كلا الطرفين تاريخية ضاربة جذورها في عمق التاريخ، منذ الرحلات التجارية المتبادلة بين الماليزيين والعرب، واستمرت هذه العلاقة الطيبة إلى يومنا هذا، وتجمعنا قواسم مشتركة كثيرة أهمها الدين الإسلامي الحنيف، ونحن حريصون على دعم المصالح والحقوق العربية في المحافل الدولية. *ما مدى تأثر الوضع الاقتصادي في ماليزيا بعد الأزمة المالية العالمية؟ -الواقع أن التأثير كان قاسيا على الاقتصاد الماليزي وحتى الآن فإن البلاد لم تتعاف تماماً من تداعيات هذه الأزمة، وفي حين نرى دولاً أخرى مجاورة كاندونيسيا وتايلاند تخطت التداعيات وبدأت بتحقيق معدلات نمو مرتفعة، ما زال التعافي لدينا يسير بوتيرة بطيئة، مما سيتدعي استنباط الحلول اللازمة لتدارك الأمر. * هل لك أن توضح لنا طبيعة المعارضة التي تؤدونها تجاه الحكومة الماليزية؟ - نحن كحزب معارض نقف ضد أي برنامج أو مشروع قانوني نراه سلبيا ولا يخدم مصلحة الوطن، أما إذا كان هنالك برامج إيجابية فإنا ندعم هذا التوجه ونصوت لصالحه، وإليك مثال على ذلك حيث اقرت الحكومة الماليزية الشهر الماضي إصدار ترخيص لأكبر مركز للقمار من نوعه، هذا ليس منطقياً ونعارضه بشدة وما زلنا نضغط لإلغاء وسحب هذه التراخيص وحتى الماليزيون من غير المسلمين يقفون معنا في معارضة واستنكار منح تراخيص صالات لعب القمار في ماليزيا. * كما ذكرتم، في الماضي قادت ماليزيا قاطرة النمو لمجموعة النمور الآسيوية، ما الذي تغير الآن ما هو الخطأ الاستراتيجي الذي وقعت فيه ماليزيا؟ - هذا صحيح .. كنا أقوياء عندما كانت لدينا سياسات واستراتيجيات واضحة وفاعلة وشفافة، وكانت هذه السياسات قادرة على محاربة الفساد، مما شجع الاستثمار الأجنبي لدينا فكان لدينا العشرات من الشكرات الأمريكية والسعودية والخليجية التي تستثمر في ماليزيا، واليوم إذ نفتقد هذه السياسات، فإننا نفتقر لأبسط مقومات النجاح الاقتصادي، وهو الشفافية ووضوح الاستراتيجية والأهداف وبدونهما لن نعود إلى سابق عهدنا. النظرة الثاقبة للملك عبدالله أثمرت مبادرة الحوار بين الأديان والحضارات إن ماليزيا المزدهرة التي تتحدث عنها هي ماليزيا الثمانينيات والتسعينيات أما اليوم فقد تدهورت الأوضاع بدرجة كبيرة، لقد كنا مثالاً للنجاح والتقدم والنهضة أما اليوم فعلينا التعلم من جديد من تجارب الآخرين في النهوض ولا سيما المملكة العربية السعودية وباقي دول الخليج. * إبان الأزمة المالية العالمية، دعا كثير من الخبراء الاقتصاديين إلى تبني النظام المالي الاسلامي كحل للخروج من نفق الأزمة المظلم، هل توافق على ذلك؟ -بالتأكيد، كلام سليم .. لقد طرح علي هذا السؤال مسبقاً (آل غور) فكانت إجابتي أن النظام المالي الإسلامي نظام عادل وحقيقي وأعني بكلمة حقيقي أنه قائم على أصول ملموسة وموجودة على عكس النظام المالي التقليدي الذي يرتكز على أصول وهمية لا وجود لها، وهنا يكمن الخطر الذي يتهدد النظام المالي العالمي بأكمله، وبدليل أن المصرفية الإسلامية لم تتأثر بذات الدرجة التي تأثرت بها المصارف التقليدية، ومما يثير لدي بعض المخاوف هو اتجاه بعض المصارف الإسلامية لتقليد أعمى لبرامج المصارف العالمية التقليدية، دون التفات إلى مقاصد الشريعة التي يستمد منها النظام المصرفي الإسلامي عدالته وقوته. * اتهمت من قبل البعض بأنك مناصر للعلمانية .. قد يكون بسبب كونك منفتح الذهن، كيف ترد على وصفك بالعلمانية؟ - ببساطة المسلم لا يمكن له أن يكون علمانياً، لا يمكن الجمع بين هاتين الصفتين، ولكن ليس هنالك ما يمنع أن تكون في دولة عصرية متطوره لديها نظمها وقوانينها الحديثة دون الانسلاخ عن جذورها الإسلامية الراسخة. *ولكن قد يقول البعض ان ماليزيا تملك اسلامها الخاص، ما رأيك؟ قد يكون ذلك صحيحاً (مبتسماً) وكدليل على ذلك ما ذكرته عن إيقاف محكمة الشريعة في ماليزيا ومنعها من النظر في ادعائي بتدخل من رئيس الوزراء، مثال آخر ذكرته هو ترخيص أكبر نوادي القمار هذا الأمر لا تجده في الصين مثلاً أو في الهند فكيف يحصل في هذا البلد الإسلامي. * لا يخفى على متابع للشؤون الماليزية وشؤون جنوب شرق آسيا انك تطمح لتولي رئاسة الوزراء ، كيف هي استعداداتك لهذا الأمر؟ -لقد توليت هذا المنصب سابقاً وبالتالي فهذا الأمر لا يعد جديداً علي، والخيار مطروح أمام الشعب الماليزي فهو الذي سيختار في النهاية، ولا يسعني هنا إلا القول إن كان في اختياري رئيساً للوزراء مصلحة للشعب والبلاد فلنتوكل على الله. * كيف ترد على انتقادات طالتك بخصوص علاقاتك السرية بالأمريكيين وبأنك رجل أمريكا الأول في ماليزيا؟ -نهجي هو التواصل مع الآخر، مع الأصدقاء خاصة، ولست الوحيد الذي يهتم بذلك رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان لديه علاقاته وبالطبع كثير من القادة في العالم حريصون على التواصل مع الأصدقاء، وهذا بديهي وفيه مصلحة عظيمة للأمة ككل، وبديهي أن يكون هنالك حدود وخطوط حمراء وثوابت لا أتخطاها، فأنا لست على استعداد للتفريض بالقضية الفلسطينية على سبيل المثال. وأقول لك إن من يتهمني بالتعامل لحساب أمريكا والتواصل مع اليهود هم انفسهم الذين لهم صلاتهم بالإسرائيليين، فرئيس الوزراء السابق مهاتير محمد التقى سابقاً بآرييل شارون، ووزير الدفاع الماليزي التقى نظيره الإسرائيلي، أما أنا فلم يسبق لي أن التقيت مطلقاً بأحد المسؤولين الإسرائيليين على عكسهم تماماً، حتى أن الحكومة الماليزية الحالية على تعاقد مع شركة اسمها APCO ولهذه الشركة تواجد ليس في واشنطن فقط بل في تل أبيب وكبار مسؤوليها التنفيديين هم من الإسرائيليين وقد تم دفع 22 مليون دولار لهذه الشركة، فكيف يتم اتهامي بالعمالة لاسرائيل بعد هذا كله؟ *هل ترى ان الاسلام اليوم يتعرض لهجمات شرسة تستهدفه وأن هناك مؤامرة على هذا الدين الحنيف؟ -هذا واضح ، لا يمكن انكار ذلك، ولكن نحن المسلمين يقع على عاتقنا التصدي بذكاء لهذه الهجمات الحاقدة، لا أن نكتفي فقط بالنواح والعويل والتشكي، أو ان تكون ردات فعلنا غير محسوبة فيأخذون ما يريدون، ارى ان المشكلة فينا نحن لأننا لا نعرف كيفية التعامل مع هذه المؤمرات، وأيضاً تجد أن بعض المسلمين أكثر علمانية من الغربيين أنفسهم بل أكثر قسوة على الإسلام ومحاربته وهذا أمر مستغرب جداً خصوصاً الذين يطلق عليهم «الليبراليون الجدد». *هل تحب إضافة المزيد في نهاية هذا اللقاء؟ - اشكر جريدة (الرياض) ومن خلال هذه الصحيفة العريقة، اقدم تحياتي لخادم الحرمين الشريفين وحكومته الرشيدة وإلى الشعب السعودي العربي المسلم الشقيق وجزاكم الله خيراً.