عندما علمت بفوز الناقد والشاعر عبده وازن بجائزة الشيخ زايد للكتاب في مجال أدب الطفل لهذا العام، فرحت له؛ لأنه شخص له حراك ثقافي على المستوى العربي، فهو يستحق لجهده وشخصه، وسعدت أكثر لكون أن هذه هي التجربة الأولى له في عالم السرد، وفي مجال يُعدُّ من أصعب مجالات الكتابة، وهو الكتابة في أدب الطفل، ورغم كونها التجربة الأولى إلاّ أنها توجت بجائزة محترمة وهي جائزة الشيخ زايد للكتاب. بلا شك أن الكتابة في أدب الأطفال -أو الفتيان الذي يدرج أدبهم ضمن أدب الأطفال- صعبة جدًّا، حيث تقول لطيفة عثماني: «إن ميدان الكتابة للطفل من أصعب ميادين الأدب، وليس كل من يريد الكتابة للأطفال يستطيع ذلك، لأن الكتابة للأطفال تتطلب من الأديب أن يتحلّى بمجموعة من المزايا التي تجمع بين الموهبة، واكتساب الحسّ الطفولي الذي يسمح له بالتوغل إلى عالم الطفل بعفوية، ودون تكلف، إضافة إلى احترامه لطبيعة الأسلوب الذي يكتب به للطفل، وهو يختلف عن ذلك الذي يكتب به للكبار». وقد قرأت ما كتب عن هذه الرواية من إطراء في موقع الجائزة -إلاّ أني لم أجد في ما بين يدي ما قيل- حيث كتب في موقع الجائزة ما يلي: «رواية إنسانية تصف بلغة سردية جميلة، حياة فئة من ذوي الاحتياجات الخاصة أهملها أدب الفتيان.. من خلال كتابة فنية قريبة من ذهنية الفتيان، كتابة هادئة ومنطقية».. فلم أجد في الرواية سوى لغة مرتبكة ركيكة وثقيلة جدًّا، لا تتناسب مع الفئة العمرية التي تخاطبها الرواية، ولا مع من تجاوزها، كذلك بعدها التام عن المنطقية إذ يحضر لنا الكاتب أجواء عهود غابرة، بعيدة كل البعد عن الحياة التي يتمتع بها المكفوفون الآن، سواء من ناحية التواصل مع الآخر أو التعامل مع التقنية، في وقت أصبح فيه الكفيف يدخل فيه عوالم أكثر رحابة من ذي قبل، فالكاتب يكتب عن عوالم ليس محيطًا بها! يقول جون أيكن للذي يكتب للأطفال: «أديب الأطفال ينبغي أن يتعرف إلى جمهور الأطفال.. أن يحيط بهذا العالم الغريب، مع الرغم أن الإحاطة التامة تظل أمرًا عسيرًا لأن ما يكتب -شكلاً ومضمونًا يخضع لطبيعة هذا الجمهور وخصائصه، ولا يكفي أن يتعرف الأديب إلى عدد من الأطفال سواء كانوا أبناءه، أم أبناء جيرانه، أم تلامذته؛ بل ينبغي أن يدرس جمهور الأطفال دراسة علمية معتمدًا على ما توصل إليه رجال التربية وعلم النفس «. أمّا من الناحية الشكلية الإخراجية، فالرواية صفت بشكل سيئ للغاية، وحشرت الصفوف بشكل مؤذٍ للكبار فكيف للفتيان؟!، وكما هو معلوم أن رواية الفتيان تخرج بشكل لائق، من حيث الصف، والإخراج، والرسوم! الرواية كتبت بشكل مطلق، فلم تكن هناك فصول تريح القارئ أثناء القراءة، وإنما شرع في سرد سريع لاهث لا يراعي فيها نفس من يقرأ، إذا كان الكبار يتضايقون من عمل يخلو من فصول وأبواب كيف برواية للفتيات خلت من فصول معنونة، ومعلوم أن الفصول المعنونة تريح الفتى أثناء القراءة، وتلم شتات أفكاره، على أقل تقدير تمنيت أن يجعل فصولاً تحمل أرقامًا لتكون محطات استراحة للقارئ. لم أثق بذائقتي، وذهبت للموقع الشهير الخاص بالكتب: goodreads، وقد أخذت الرواية على مستوى التقييم العام نجمتين فقط من خمس نجمات، وشاهدت هناك استياءً واضحًا جدًّا من القرّاء حول هذه الرواية، وهذا إن دل على شيء فهو دليل على افتقارها للقيمة الإبداعية والفنية. من هذه الانطباعات، وقد أشار إلى شيء خطير ومهم، ذلك التعليق الذي ذكر ما نصه: «لم ألاحظ عبارة (رواية للفتيان) إلاّ بعد أن شارفت على انتهاء القراءة، يبدو أن الكاتب اطّلع على مقال حول برايل، فقرر أن يكتب عنه وعن المكفوفين، لا أنصح بها لا الراشدين، ولا الفتيان»! وأقول: هو لم يطلع على مقال، وإنما على شيء آخر سيعرفه القارئ في آخر هذا المقال. معلوم أن أدب الأطفال يمتع الكبار والصغار على حد سواء. يقول بشير خلف: «النص الأدبي هو الذي يمتاز بتوفر الشروط الفنية الإبداعية التي تميزه عن النص العادي.. هذا الشرط ضروري لأدب الطفل كما هو ضروري للأدب عامة، ولا بد للمتلقي صغيرًا أو كبيرًا، أن يدرك ما في النص من جمال وساحرية، وأن تنتقل إليه تجربة الأديب الحية من خلال النص. الفرق بين أدب الطفل وغيره يظهر في المستوى اللغوي، والأسلوبي، وفي الموضوعات التي يتطرق إليها، أو القضايا التي يعالجها» وهذا ما لم نره في هذه الرواية! أمّا من الناحية الفكرة والمضمون، فأحداث هذه الرواية ذكرتني برواية أخرى صدرت قبل سنتين تقريبًا، وهي رواية (نزل الظلام) للروائي ماجد الجارد، وهي رواية تحمل نفس أحداث الرواية التي بين يدي الآن، أو هي تحمل نفس أحداثها! الحدث في كلا الروايتين: طفل يلد سليمًا معافى في الظاهر، ويكون هو الابن البكر للعائلة، يفرح به أبواه كثيرًا، يمرض ذات يوم ليذهب به والده إلى المستشفى، ليخبره الطبيب أن ولده مصاب بالعمى -والعمى وراثي أيضًا- يصدم الأب صدمة عنيفة جدًّا، ثم يقع في مأزق كيف يخبر زوجته بالخبر، لكنه يقرر أن يخبرها بعد حين، لتقع فريسة للحزن والخوف على ابنها من الظلام والمستقبل، تمر الأيام فيقترح عليهم الجد أن يدخلوا الطفل أحد المعاهد التي تخص المكفوفين، ليدخل الطفل المسكين فيطال الأم الفقد، وتصبح رهينة الفقد والانتظار، ويستمر السيناريو ما بين الانتظار والحضور!! السؤال: أيعقل أن يكون حدثًَا بهذه التفاصيل يكون من باب المصادفة؟!، أم أن هناك تناصًّا أم استئناسًا، أم شيئًا آخر لا أريد أذكره. الفرق بين هذا وذاك، أن عبده وازن، اختزل الشخصيات الثلاث في رواية نزل الظلام، واكتفى بواحدة، وملحها بذكر بعض القصص التي تتحدث عن برايل، وطه حسين، وبعض قصص الأطفال، ووضع بعض البهارات لتصبح عملاً ممسوخًا. ماجد الجارد، كتب روايته بصدق وسلاسة، بمسحة لذيذة من السخرية السوداء، مع إحاطة بالنزل الذي عايشه منذ نعومة أظافره. الجدير بالذكر أن رواية (نزل الظلام) شاركت في مسابقة الشيخ زايد للكتاب عام 2010م ولم تفز، لكن رواية (الفتى الذي أبصر لون الهواء) شاركت بعدها بعام 2011م وفازت!! 1. د .هادي نعمان الهيتي . ثقافة الأطفال عالم المعرفة الكويت العدد: 123 2. بشير خلف، الحوار المتمدن، العدد 1609 3. معجم مصطلحات أدب الأطفال، د.وفاء السبيل 4. عبده وازن، الفتى الذي أبصر لون الهواء، رواية 5. ماجد الجارد، نزل الظلام، رواية 6. الموقع الإلكتروني: www.goodreads.com