هناك مَن يرى أن إشراف الأممالمتحدة على مؤتمرات المرأة هو لدفع توصياتها للتنفيذ السريع، ويرون أن هذا جانب إيجابي. وربما للوهلة الأولي، ولمن لا يقرأ إلاّ العناوين أن يصدق هذه المقولة، ولكن إذا علمنا أن هناك علاقة قوية بين (العلمانية) وبين قضايا المرأة، وحل مشكلاتها، ونيلها لحقوقها المدنية، والأخلاقية، والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والصحية، وغيرها من الحقوق التي تفصل هذه القضايا والحقوق (عن الدين)، ويظهر هذا جليًّا في مناقشة هذه القضايا في المؤتمرات الدولية التي يشرف عليها الغرب -ممثلاً بهيئة الأممالمتحدة-، فجميع قضايا المرأة التي نوقشت في هذه المؤتمرات لم يكن للدين فيها ذكر، وإنما دينهم الذي يستندون إليه في حل مشكلات المرأة، والمطالبة بحقوقها -من وجهة نظرهم- هو دستور هيئة الأممالمتحدة وميثاقها الذي أبرم في سان فرانسيسكو بتاريخ (16/7/1364ه -26/6/1945م)، وما تبعه من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان -الذي أعلن في عام (1367ه 1948م)، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة- التي اعتمدت في عام (1399ه -1979م)، واعتبرت الأساس الذي اعتمدت عليه الأممالمتحدة في مؤتمرات المرأة اللاحقة. بل إنها تنص في اتفاقاتها وصكوكها التي تصدرها، وإجراءاتها التي تنادي بها، على إبعاد الدين -باعتباره شكلاً من أشكال التمييز ضد المرأة-. فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان -مثلاً- ينص في مادته الثانية على أن لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان دون أي تمييز من أي نوع -لا سيما التمييز بسبب الجنس أو الدين-. واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة،(السيداو) تنص في فقرتها رقم (و) من المادة الثانية على اتخاذ جميع التدابير المناسبة -بما في ذلك التشريعي منها- لتغيير أو إبطال القائم من القوانين والأنظمة، والأعراف والممارسات التي تشكّل تمييزًا ضد المرأة. هذه المؤتمرات جميعها لن تجد أي ذكر للدين فيها، بل بالعكس هناك مطالبات بالخروج عن هذا الدين برفض تشريعاته التي يدّعون أنها (تمييز ضد النساء والمسلمات على وجه الخصوص). وإذا قرأنا ما كتبه جيمس تايلور في مقالة له بعنوان (خيانة الأنوثة.. هجوم عالمي) ينتقد فيها اتفاقية السيداو، ويرى أن بنودها تعزز تشريع البغاء؛ حتى تتمكن الدولة من تنظيمه، وبهذا تحمى النساء من الأمراض المنقولة جنسيًّا، ومن المستغلين عديمي الضمير. وبمعنى آخر ستكون نساء العالم أفضل عند تنظيم البغاء. لهذا السبب اتفاقية السيداو مهدت طريقًا نحو الاتجاه الجديد لتشريع البغاء. ويوضح ان الولاياتالمتحدةالأمريكية التي وقع رئيسها السابق جيمي كارتر عليها إلاّ أنه وفقًا لمواد الدستور ألأمريكي ينبغي موافقة ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ على المعاهدة لتغدو قانونًا. ولحسن الحظ -كما يكتب- لم يصادق مجلس الشيوخ على المعاهدة بعد، ممّا جعل الولاياتالمتحدة الدولة المتقدمة الوحيدة التي لم تصادق على السيداو. وعندما سأل السيناتور جيس هيلمز من اللجنة الوطنية الجمهورية ورئيس مجلس الشيوخ للعلاقات الخارجية في أللجنة «لماذا لم يصادَق على معاهدة سيداو لإلغاء جميع أشكال التمييز ضد النساء لحد الآن. أجاب قائلاً: «لأنها معاهدة سيئة مريعة، ناقشها متطرفو قادة الحركة النسوية؛ بهدف تطبيق خطتهم المتطرفة والمعادية للعائلة في القانون العالمي. ويستغرب الكاتب موضحًا (للعلم أكثر الدول العربية والإسلامية وقّعت وصادقت على المعاهدة)!! ثم يوضح كيف أن تقارير وبيانات سيداو التي تعلق عليها اللجنة الخاصة بالسيداو في الأممالمتحدة تؤكد على هذا الاتجاه فتبدي قلقها بالنسبة للصين: «إن اللجنة قلقة بشأن عدم مشروعية البغاء في الصين، وهو يأتي نتيجة للفقر والحرمان الاقتصادي. تنصح اللجنة لذلك بتشريع البغاء. أمّا بالنسبة لقبرص «مع الإشارة إلى حسن صنيع قبرص بتشريع البغاء وتنظيمه، إلاّ أن اللجنة قلقة بشأن وجود بعض المخالفات التي تمنع من تعميم هذا القانون بالنسبة للينكستين (في ألمانيا): «تنصح اللجنة بإعادة النظر في القانون المتعلق بالبغاء للتأكد من عدم معاقبته للزانيات». ويوضح الكاتب أن اهتمام سيداو بحقوق «المرأة العاملة مبطن بحملة تشهير واضحة ضد الأمومة». فما يتعلق بأمريكا ناقشت اللجنة بشدة الحكومة حول استخدام النظام التعليمي والإعلام الإلكتروني لمحاربة التصوير التقليدي للنساء «بدورهن النبيل كأمهات». بالنسبة لبيلا روسيا «إن اللجنة قلقة بشأن استمرار انتشار الدور الجنسي التقليدي، وإن إعادة تقديم هذه الرموز بالاحتفال بيوم الأم، وجائزة الأم يشجع على أدوار النساء التقليدية، كما انتقدت سيداو التشريع في جورجيا والذي يؤكد بشدة على دور النساء كأمهات، ويروّج لدور الرجل كمعيل للعائلة، كما حذّرت سيداو كرواتيا والجمهورية التشيكية لذات الأسباب. بالنسبة لأيرلندا تعبر اللجنة عن قلقها بشأن استمرار وجود مفاهيم في مادة 14.2 في الدستور الأيرلندي تعكس نظرة تقليدية لدور النساء في المنزل كأمهات، وتقرر المادة 41.2 أنه «ينبغي على الولاية أن تسعى للتأكد من عدم اضطرار النساء للانخراط في العمل مقابل إهمالهن واجباتهن المنزلية»! تبدو كل هذه التصريحات مفاجئة حين نأخذ بالحسبان إلزام سيداو أعضاءها ب»اتخاذ كل الإجراءات المناسبة بما في ذلك التشريع لقمع كل أشكال الاتجار بالمرأة، واستغلال البغاء»، وكذلك تأمر سيداو بعدم «اتخاذ الدول الأطراف تدابير خاصة، بما في ذلك تلك التدابير الواردة في هذه الاتفاقية، التي تهدف إلى حماية الأمومة على أنها إجراء تمييزي، تؤكد المادة 25 من إعلان الأممالمتحدة العالمي لحقوق الإنسان على «إيلاء الأمومة والطفولة دعمًا وعناية خاصة بهما»، ومن الواضح أن الدول التي انتقدت أعلاه وافقت على معاهدة سيداو دون الاطلاع على المحتوى الحقيقي لها. لذا ما هو محتوى سيداو؟ إنها كما لمح السيناتور هيلمز جزء من هجوم قادة الحركة النسوية المتطرفين على الأنثوية، وجزء من حرب الأممالمتحدة المستمرة على العائلة والملكية الخاصة والحرية. ** هذه الآراء من كاتب أمريكي يرفض ويفند ما تقوم به هذه المؤتمرات من قسر الدول التي وقعت على الاتفاقية بهذه المطالب غير الأخلاقية. أليس الأهم ان تعيد دولنا الإسلامية التي وقّعت وصادقت على هذه الاتفاقية إعادة النظر فيها، واستخدام ما جاء في البرتوكول التابع لها أن من حق الدول عدم الغاء التحفظات التي أكدوا عليها عندما تم التوقيع والمصادقة عليه معًا دون الرجوع إلى مؤسسات مجتمعاتهم التشريعية؟ بل لهم حتى الحق في إلغائها؟ أليس الأهم تفعيل تشريعاتنا الاسلامية بدلاً من هذا الركض حول هذه الاتفاقية؛ لأننا يجب أن نكون ضمن المجموعة الدولية؟ حتى لو كان هذا على حساب التنازل عن تطبيق تشريعاتنا السماوية؟ أكاديمية وكاتبة [email protected]