بمناسبة ورشة العمل التي تقام بمكةالمكرمة يوم السبت المقبل برعاية صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل وتنظمها وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والارشاد بعنوان (المسجد وخطبة الجمعة المسؤولية والمشاركة في بناء الإنسان). أكد عدد من المثقفين والأكاديميين أن مفهوم رسالة المسجد ليست قاصرة على الجوانب الإيمانية وحدها، بل أن لرسالته المتمثلة في الخطبة مفهومها الأشمل والأعم، مما يتطلب على الخطيب أن يعييها ويعي دوره في المجتمع والتنمية والبناء. وأشاروا إلى إدراك خطباء المساجد بأن الإسلام نظام حياة إذا استثمر خطابه الديني كما ينبغي فإنهم سيكونون موجّهين ودافعين للتنمية الوطنية المستدامة نحو آفاق المستقبل الطموح الذي تسعى حكومتنا الرشيدة لتحقيقه للإنسان والوطن السعودي. استراتيجية التنمية - بداية أكد الدكتور عبدالله بن حسين الشريف المشرف على كرسي الأمير سلمان لدراسات تاريخ مكةالمكرمة أن التنمية الوطنية هدف وطني سامٍ، لايتحقق إلا بتضافر الجهود حكومة وشعباً، أفراداً وجماعات، مؤسسات حكومية وأهلية وبالتالي فإن على خطباء المساجد واجب الإسهام في تحقيق أهداف استراتيجية التنمية الوطنية في جميع مجالاتها، فهم بما أفاء الله عليهم من التحدث بلسان الدين لعامة المواطنين شبابهم وكبارهم، ومالهم من القبول في مجتمع يصطبغ بالصبغة الإسلامية وعمق الروح الدينية، يحملهم مسؤولية الإسهام في التنمية الوطنية. وحيث أن التنمية الوطنية البشرية أساس في إحداث التنمية الوطنية في جوانبها الأخرى الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية. وأكد على أن نظرة سمو أمير المنطقة خالد الفيصل، حين يلفت النظر إلى أهمية دور الخطباء في التنمية الوطنية، نظرة ثاقبة وفكره بصير بأحوال مجتمعه، المتدبر لأمور منطقته ووطنه، وهو الداعي لاستثمار كل العوامل الإيجابية في تحقيق التنمية الوطنية . توازنات المضامين - الاستاذ سليمان بن عواض الزايدي عضو مجلس الشورى والمشرف على جمعية حقوق الانسان بمكةالمكرمة اكد على ان الدين الاسلامي دين حياة وبالتالي يهتم بكل المفاهيم الشمولية لحياة المسلم سواء مايتعلق منها بالجانب العقدي اوالجانب العملي اوما يصنفه المشرّعون تحت مسمى العبادات والمعاملات، وهذا يعني ان الشمولية الدينية تحقق لنا منهجية في كل حراكنا ومناحي حياتنا سواء مايتعلق منها بجانب الفرائض او جانب المعائش. ومنبر الجمعة وكما هو معروف في إرثه التاريخي بأنه من أهم الوسائل الموجهة وحتى في اكثر العصورتطورا ظل منبر الجمعة محتفظا بأثره وتأثيره ولذلك فإنه يلعب دورا هاما في الترشيد والتثقيف واستنارة العقول والابصار. ولذلك ولكل المعطيات السابقة فإنه ينبغي علينا استثمار المنبر وخطبة الجمعة بما يحقق الفوائد للناس سواء كانت دينية او دنيوية والتي ليست بمنفصلة عن الدين. واذا كنا نلحظ اليوم ان الكثيرين من خطباء الجمعة جلّ خطبهم وعظية مجردة وهذا لا تثريب عليه الا ان هناك استحقاقات أخرى تتعلق بحياة الناس ومشاكلهم ومعوقاتهم وحقوقهم وواجباتهم وهذه يجب ان يتصدى لها خطيب الجمعة بما له من مكانة ومن أثر. مهمّون في مسيرة التنمية - وقال الأديب المعروف وعضو مجلس الشورى حمد القاضي: هذه الدعوة من سمو الأمير خالد الفيصل دعوة مباركة، وخطباء الجوامع من أبناء هذا الوطن الذين يهمّهم تطوّر بلادهم بلاشك هم شركاء أساسيون ومهمون في مسيرة التنمية الوطنية، يتوجب عليهم المشاركة الفاعلة في دفع المسيرة وعملية البناء والتطوير. مؤكدا أن الخطبة له دورها الكبير المؤثر في مسيرة التنمية وبناء الإنسان المسلم بناء وتنمية منطلقة من مقصد شرعي كريم، أبرزه الشارع وحث عليه بشكل عام دون اقتصار على جانب دون جانب واهتمام بشأن المواعظ الدينية وترك الجوانب الحياتية للإنسان والمجتمع وللأمة، بل تسير في ذلك معا جنبا إلى جنب نظرة إلى التكامل والشمول الذي يحرص عليه الشارع الحكيم. معالجة المشكلات - وقال الدكتور أحمد المورعى رئيس إدارة مجلس النادي الأدبي الثقافي بمكةالمكرمة سابقا: لقد عرفت الخطبة منذ القدم، واعتنت بها الشعوب والأمم حتى صارت أداة فعالة ومؤثرة في توجيه الناس وإرشادهم، ووسيلة مباشرة سريعة لإصلاح المجتمعات والارتقاء بها ونشر الوعي بين أفرادها، ثم لما جاء الله – عز وجل – بدين الإسلام كانت عنايته بالخطبة أقوى، حيث أصبحت شعيرة من شعائر الإسلام، ووظفها لنشره، والدعوة إليه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، معدّا خطبة الجمعة واحدة من أهم وأسمى سبل التواصل بين الأفراد، وأنجعها في إبلاغ رسالة نافعة للناس أجمعين، فهي أكثر قنوات الاتصال إقناعا واستمالة لأفئدة الناس وعقولهم، ومن هنا فهي تحتل مكانة كبرى عند المسلمين عامة، لما تحمله من معانٍ الذكر والوعظ، وما تحويه من أسمى حب الخير إفشائه بين الناس. ومن هنا كان هذا التوجيه الكريم من صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكةالمكرمة بأهمية دور الخطباء في التنمية الوطنية ووجوب التعاون في توجيه الناس وتوعيتهم بما يهمهم من الأمور الاجتماعية والثقافية. المفهوم الشمولي ومحطة التغيير - وتطرق وكيل كلية اللغة العربية وعضو مجلس إدارة نادي مكة الثقافي الأدبي الدكتور عبدالله إبراهيم الزهراني إلى المقصد الواسع الشمولي للخطبة بقوله: لم تشرع الجمعة لتكون لقاء عابرا بل لتكون محطة تغيير للحياة وزادا أسبوعيا للسير في طريق الدنيا اللاحب برؤية دينية ثاقبة، ولذا فإن دور الخطيب ينبغي أن يتخطى مرحلة التذكير بالجنة والنار بل يربطها بحياة الفرد والمجتمع. وعن أهمية التنوير بتنمية المكان وبناء الإنسان أشار الزهراني إلى أن المجتمع بحاجة إلى بيان واضح بما يعجّ به من متغيرات وأحداث تؤثر على الفرد والأسرة فكم نحن بحاجة إلى بيان خطر القنوات الفضائية الفاضحة، والمواقع التي تسئ للأمة في دينها وعروبتها ووطنها، وكم نحن بحاجة إلى بيان خطر الانحرافات الفكرية على لحمة الوطن، وكذا وباء المخدرات بأنواعها واستنزافها للعقل، وكم نحن بحاجة فعلا إلى الدخول في كل التفاصيل اليومية من تربية للأبناء على الخلق الحسن، ناهيك أن مجتمعنا وحركته بحاجة إلى رصد لكثير من القضايا، فحوادث المرور مثلا والقيادة المتهورة وأثرها في استنزاف خيرة الشباب .. وهكذا ينبغي أن يكون خطيب الجمعة واعيا تمام الوعي لبيان تلك المخاطر المتنوعة وغيرها. تنويرالتعايش والتعامل - وقال الدكتور أحمد محمد بناني رئيس قسم الإعلام وأستاذ العقيدة والفرق والمذاهب جامعة أم القرى (سابقا): إن من مسؤوليات خطباء الجمع تنوير المستمعين لهم بأهمية تنمية المكان الذي يعيشون فيه والإنسان الذي يرعونه ويتعاملون معه، وليس الحديث عن الحفاظ على البيئة وتنميتها بحديث بعيد عن الدعوة إلى الله بل هو من صميم الدعوة الصالحة فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه: نظفوا أفنيتكم وخالفوا اليهود . ويقول صلى الله عليه وسلم: أطفؤوا السراج وغطوا الإناء،يعني إذا نمتم بالليل حرصا على سلامتهم وهكذا يجب على الخطباء أن يحرصواعلى تقديم كل نصيحة نافعة للمسلمين في دينهم ودنياهم. ومراعاة المسؤولية الاجتماعية المتوجبة على كل مسلم يستمع لخطبة الجمعة صغيرا كان أو كبيرا ذكرا كان أو انثى، ولا بأس أن يخوض في بعض تفاصيل الحياة والمجتمع بشرط أن لا يشهر بأحد ولا يسخر من أحد وإذا ضرب مثلا فليعمم الكلام ولا يخص به أحدا بعينه لا تصريحا ولا تلميحا إقتداء بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الذي كان إذا سمع من بعض الناس كلاما لا يرضاه قام فيهم خطيبا فقال: ما بال أقوام يقولون كذا وكذا ثم يبين الحكم ولا يفضح القائلين مع معرفته بهم فهذا أوقع في نفوسهم وأجدر بامتثالهم لأمره وعدم التعصب لآرائهم وأقوالهم الباطلة. - وعدّ رئيس قسم الشريعة بجامعة أم القرى الدكتور محمد بن مطر السهلي مشاركة الخطيب في تنمية الوطن والمواطن أمرًا مهمًا .وقال لاشك: إن الخطيب يقوم بدور هام ، وأن الخطابة كما أنها غُنم فهي غرم ، يسأله الله عز وجل هل أدى ماعليه من دور ، وكما أنها تشريف فهي كذلك تكليف سيسأله الله عز وجل عن دوره الذي ذكره الله عز وجل في كتابه المبين ((إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت)) ، ومن هنا فإن دور الخطيب هو الإصلاح في مجالات شتى ومن ذلك الإصلاح تنمية وتطوير بالمجتمع بترسيخ المبادئ أو التحذير من أفكار ومعتقدات أو أفعال خاطئة أو القيام باقتراحات يقوم بها الخطيب في دائرته من خلال جامعه ، الدور ، لأن فاقد الشئ لايعطيه ، فنحن نثق ثقة كبيرة بكفاءات خطبائنا وبحرصهم على الصلاح والإصلاح ، لكن هناك بعض الأمور التنموية التطويرية المتخصصة التي هم بحاجة إلى أن يقفوا عليها لكي يعكسوا ذلك في المجتمع في برامج ممنهجة ومجدولة من خلال خطبة جمعة تلقى على مسامعهم في مسجد حيّهم. ثقافة التنمية - ولفت الدكتور عبدالعزيز سرحان مدير المركز الإسلامي بإسبانيا سابقا إلى حاجة التنمية الوطنية لمشاركة جميع شرائح المجتمع، ومن هذه الشرائح المهمة جدا، والتي لها تأثير قوي على الجمهور، خطباء المساجد. وقال سرحان: ولا أظن أن هناك اجتماعا حاشدا يجمع ملايين البشر في يوم واحد، وفي آلاف المساجد على مستوى المملكة، مثل اجتماع صلاة الجمعة والعيدين، لذا، وجب على أئمة وخطباء المساجد أن يستغلوا هذا الحدث الديني الاجتماعي الكبير في توعية المواطنين والمقيمين في نشر ثقافة التنمية الوطنية، والتي يجب أن تقسم إلى عدة مواضيع على عدد من أيام الجمعة، وأن يستغلوا خطبهم في توجيه وإرشاد الناس لأهمية التنمية الوطنية التي تحتاج من كل قيادات المجتمع أن يساهموا فيها، كل في موقعه ومنصبه ومكانته. توجيه وإصلاح - ورأى الدكتور عبدالله بن صالح الزير رئيس قسم الشريعة بجامعة الطائف أن طرح مثل هذه الموضوعات الحية والمهمة والتي تلامس الواقع وتشخص سبل الرقي والنهوض بأعظم منبر للدعوة والتوجيه والإصلاح لهو أمر مهم ، حيث تناقش موضوع المسجد وخطبة الجمعة (المسؤولية وبناء الإنسان ) ، وينبغي ان تستثمر افضل استثمار من حيث غرس جميع الفضائل والمكارم والصفات الجميلة والأخلاق الحسنة في نفوس المصلين ، معتبرا التجمع الدوري المنظم المرتب كل أسبوع يعطي الخطيب فرصة كبيرة لإيصال رسالته في التربية والتوجيه والبناء والتعليم مالا يوجد في غيره . ورشة عمل حقيقية - وتطلع الدكتور حمدي بن حميد القريقري عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى لان تكون ورشة عمل حقيقية تقف بالخطيب في المكان الذي يمكن ان يطلع بدور ريادي في ترسيخ القيم وتصحيح الافكار والمشاركة في تنمية الفرد والمجتمع فيتمكن من القيام بالدور المأمول منه.