«أبعدنا عشرات الخطباء والأئمة لعدم تطوير أدائهم وتدني مستواهم»، هذا الاعتراف الذي أدلى به رئيس لجنة تقييم الأئمة والخطباء في فرع وزارة الشؤون الإسلامية في الرياض الدكتور عزام الشويعر، مشددا على أن الوزارة تخضع المتقدمين للخطابة في المساجد لاختبارات صعبة شخصية وتحريرية للتأكد من مستواهم وقدرتهم على القيام بهذه المهمة الصعبة. لكن رغم كل الجهود التي تبذلها الوزارة إلا أن هناك ضعفا واضحا في خطب الجمعة الذي تشهدها مساجدنا في جميع أنحاء المملكة وهو مايبدو في أحاديث الناس والمجتمع من بعد الخطبة عن واقع المجتمع وجنوحها نحو أحاديث لا تليق بخطيب الجمعة، بل إن بعض الخطباء حولوا خطبة الجمعة إلى تحليل سياسي بدلا من أن تكون جرعات إيمانية أسبوعية مكثفة تعالج قضايا وهموم المجتمع وتعطي للناس إشارات نحو طريق النجاة من الوقوع في المعاصي والآثام، ولعل الاعتراف الذي أدلى به الشويعر يؤكد على وجود مجموعة من الخطباء ليس على قدر من الكفاءة في أداء الخطبة بالمستوى اللائق وضمن الهدف الشرعي لخطبة الجمعة. وليس اعتراف الشويعر الأول بل سبقه عدة اعترافات من مصادر مختلفة في وزارة الشؤون الإسلامية تفيد بطي قيد أئمة وخطباء تورطوا في قضايا التطرف أو الإرهاب، بل إن الوزارة وفق أحاديث مختلفة من مسؤوليها ناصحت عددا كبيرا ممن ظهرت عليهم بوادر التطرف والتشدد ولم تعدهم لممارسة أعمالهم إلا بعد التأكد من عودتهم لجادة الصواب. وشددت الوزارة في إطار سعيها الحثيث للرفع من كفاءة خطب الجمعة بالرقابة على الخطباء ومستوى الخطبة وتوعدت الخطباء المخالفين بأشد العقوبات، إلا أن مهمة الوزارة معقدة في بلد مترامي الأطراف كالمملكة يوجد فيه أكثر من 50 ألف إمام وخطيب منهم أكثر من 30 ألف خطيب مما يصعب مهمة الوزارة ويعقد طريقها نحو الرفع من أداء الخطباء بالرغم من دوراتها الكثيرة والمكثفة في هذه المجال، وتلوح في الأفق فكرة توحيد خطبة الجمعة الجزئي أو الكلي كأحد الأفكار المطروحة للرفع من سوية الخطبة، خصوصا أن لدينا أنموذجا ناجحا في هذا المجال وهي دولة الإمارات العربية المتحدة التي وحدت خطبة جميع مساجدها في إماراتها السبع، إلا أن هذا الحل قد واجه انقساما مجتمعيا نحوه بين مؤيد ومعارض ولكل فريق حججه التي يدافع بها عن رأيه. «عكاظ» طرحت هذه القضية على طاولة النقاش استجلبت فيها جميع الآراء المؤيدة والمعارضة ومابينها تجاه توحيد خطبة الجمعة إضافة إلى رصد إيجابيات وسلبيات التوحيد، واستعرضت تجربة دولة الإمارات في مجال توحيد الخطبة في سياق التحقيق التالي: صعوبة التطبيق بداية استبعد رئيس لجنة الشؤون الإسلامية والقضائية وحقوق الإنسان في مجلس الشورى الشيخ عازب آل مسبل أن يتم توحيد الخطبة في المملكة، معللا ذلك بصعوبة التطبيق وتضييع الهدف والغاية للخطبة وهي بث المواعظ الدينية والدنيوية، مشيرا إلى أن خطبة الجمعة هي رسائل شرعية واجتماعية للناس تختلف باختلاف الجمهور الموجه لها، مضيفا «جمهور المدينة يختلف عن جمهور القرية ومشاكل جدة تختلف عن الدمام»، ورأى آل مسبل أن الحل الأسلم يكون بالتشديد على اختيار الخطباء الجيدين وإخضاعهم لاختبارات شديدة والتأكد من مستواهم ومتابعتهم ومنحهم درجات لتحفيزهم والرفع من كفاءتهم، ونفى آل مسبل أن يناقش مجلس الشورى هذه القضية، موضحا أن المجلس ناقش تقريرا لوزارة الشؤون الإسلامية ولم تكن هذه المسألة مطروحة في هذا التقرير ولم يطرحها أحد في المجلس، مفيدا أن رفع كفاءة الخطيب كفيل برفع مستوى الخطبة. ووافقه الرأي أستاذ الثقافة الإسلامية المشارك في كلية الشريعة في فرع جامعة الإمام في الأحساء الدكتور عبداللطيف الحسين بقوله «أرى أن يكون هناك توجيه بتطوير الأئمة والخطباء بدلا من التوحيد الكربوني»، مشيرا إلى أنه من المبالغة طرح موضوع واحد في كل مساجد المملكة، مضيفا «ليس من الحكمة التوحيد فلكل حي مشكلاته وظواهره السلبية»، واستدرك الحسين «لكن لا بأس بتوحيد جزئي لخطبة الجمعة في بعض المناسبات الشرعية والوطنية المهمة»، مشترطا أن يكون التوحيد في إطار مدعم بالفكرة وبعض النقاط المساعدة دون كتابة نص موحد وتوزيعه على الجميع حتى يظل باب الاجتهاد والبحث للخطيب مفتوحا. توحيد نصي لكن عضو المجلس الأعلى لمركز دراسات مقاصد الشريعة الإسلامية الباحث والداعية الدكتور عبدالله فدعق خالفهم الرأي بمطالبته خطب الجمعة من خلال نصوص مكتوبة للقضاء على ما اسماه بالخطب التي تؤلب الناس على بعضهم البعض. وقال «للأسف بدأنا نسمع خطبا فيها نوع من تأليب الناس على بعضهم البعض، ولابد من ضبط هذه العملية من خلال توحيد موضوع الخطب، بل وتوحيد نص الخطب على الأقل في بعض المدن والقرى التي بها أئمة ضعاف، فالنص المكتوب للخطبة سيعطيهم فرصة للتدريب»، مضيفا في تصريح سابق «هناك خطط تنموية للبلاد ولابد من استغلال خطب الجمعة للتوعية بها، كما أتمنى أن تكون هناك مساجد معينة في كل مدينة تكون فيها خطب الجمعة بلغات غير اللغة العربية». رأي فدعق وجد تأييدا علنيا له من خلال الكاتب محمد العثيم الذي كتب في عموده في «عكاظ»، «فكرة توحيد خطب الجمعة ليست جديدة، لكن ما أريد إضافته على الفكرة هو استثناء عدد من الخطباء المتميزين من هذا التوحيد، وقصر توحيد الخطبة على عدد من الأمة الأقل علما، وغير القادرين على التعاشق مع قضايا في حياة الناس في هذا العصر سريع التغيير لتكون الخطبة كما أرادها الله في موضوع منفعة الناس، وليس في ما نراه من تخبط في الكلام غير المنهجي في كثير من مساجدنا». أمر غير مستحسن وعارض الكاتب والأكاديمي الدكتور سعود المصبيح توحيد خطبة الجمعة سواء أكانت كلية أو جزئية، وقال «خطباء المساجد في المملكة يتميزون بقدرة رائعة ووعي ديني كون المملكة بلدا يقوم على العقيدة» ولاحظ المصبيح تميزا لدى الكثير من الخطباء ومقدرة جيدة في طرح الموضوعات ومواكبة لواقع المجتمع، ورأى المصبيح أن توحيد الخطبة أمر غير مستحسن مطلقا وليس له حاجة حاليا؛ لأن الخطباء قادرون على معرفة مايحتاجه الناس في دينهم ومايحتاجونه لمعرفة القضايا الشرعية الموجودة في المجتمع، واستدرك المصبيح بقوله «هذا لايمنع أن يتم متابعة بعض الخطباء من خلال لجان الخطباء الموجودة في المناطق لتقويمهم واستقطاب كفاءات من الجامعات ومن التعليم للعمل في هذا المجال». وأضاف المصبيح «خطيب الجامع في المملكة على قدر كبير من المسؤولية وملتزم بواقع مجتمعه ومع المتابعة الجيدة من الوزارة سيتم التحكم ببعض الهنات البسيطة أو الحالات الشاذة من قلة قليلة من الخطباء الذين لايتحدثون عن واقع مجتمعهم»، ودعا المصبيح الوزارة وإمارات المناطق في التشديد على الخطباء بالحديث عن القضايا الشرعية والوطنية المهمة وكذلك الأسابيع المهمة في المجتمع التي تشكل هاجسا اجتماعيا للدولة، معتبرا أن سلبيات توحيد خطبة الجمعة أكثر من إيجابيته. قتل الحافز وعد أستاذ علم الاجتماع في جامعة الإمام محمد بن سعود عضو مجلس الشورى الدكتور إبراهيم الجوير توحيد خطبة الجمعة قتلا لها من النواحي النفسية والاجتماعية على الخطيب وعلى المتلقي، معضدا رأي المصبيح في معارضته لفكرة التوحيد، وقال «توحيد الخطبة يقتل الحافز لدى الناس الذين يتنقلون من مسجد لآخر لسماع الخطب فعندما يتم التوحيد تصبح خطبة الجمعة روتينية كربونية، مبينا أن التوحيد يقلل من تأثير الخطباء في الناس ويجعل الفكرة المراد توصيلها مستهجنة وغير مقبولة، خصوصا إذا كانت موجهة والإنسان بطبعه ينفر من الأمور التي توجه وتفرض عليه. وأوضح الجوير أن التأثير السلبي لتوحيد الخطب يمتد للخطيب من خلال قتل الإبداع والموهبة لدى الخطيب وتطوير الأداء واللغة والبحث العلمي فيصبح الخطيب أشبه بآلة تتلقى أسبوعيا خطبة يكون مجرد ناقل لها دون أن يكون له فيها أي دور، ولفت الجوير إلى أن بعضا من يعدون الخطب قد يكونون أقل مستوى من بعض الخطباء. وأشار الدكتور إبراهيم إلى أن وزارة الشؤون الإسلامية لديها تقويم على مستوى الخطباء ومستوى الخطبة، مفيدا أن هناك خطباء ينبغي تشجيعهم لما لديهم من قدرات عالية في الإدراك والتجديد والإبداع والتأصيل، وقال الجوير «ليس مناسبا أن نوحد لهولاء الخطبة»، واستدرك «لكن هناك خطباء معروف لدى الوزارة مستواهم الثقافي والعلمي وفهمهم وقدراتهم المحدودة فهولاء يمكن أن يزودوا بأفكار وعناصر أو خطب جاهزة حتى يتطور مستواهم». اختلاف الخطباء واختلف خطباء المساجد حول توحيد الخطبة، ففي حين رفض إمام وخطيب جامع الفارسي في مكة وعضو هيئة التدريس في جامعة أم القرى الدكتور محمود حسن زيني فكرة التوحيد جملة وتفصيلا لتقييدها الخطيب وقتل الهدف التي وجدت من أجله الخطبة، مشددا على أن تطوير مستوى الخطباء لايكون بتوحيد الخطبة وتحويل الخطيب إلى مجرد ببغاء يردد مايكتب له، وإنما من رفع كفاءة الخطباء ومهاراتهم وعدم تعيين إلا من يكون كفؤا لهذه المهمة الصعبة. بينما فضل إمام وخطيب أحد مساجد جدة الشيخ عبدالله الغامدي إعادة مثل هذا الأمر لهيئة كبار العلماء ووزارة الشؤون الإسلامية لدراسة إيجابيته وسلبياته وبناء القرار النهائي عليها، مشيرا إلى أن مثل هذه الأمور التي تمس المجتمع بأكلمه مرجعها لولي الأمر والذي يرجح كفة الحل الذي فيه مصلحة المسلمين، مشددا على أن هذا الأمر بحاجة لدراسة عميقة قبل الحكم على فائدته ومساهمته في الارتقاء بمستوى خطبة الجمعة، ورأى الغامدي أن توحيد الخطبة أمر غير مجدي لاختلاف الخطاب الموجه في المدينة عن الخطاب الموجه للقرية، مفيدا أن خطبة الجمعة يجب أن تلامس واقع المجتمع الذي يعيشونه، مبينا أن توحيد الخطب أمر خاطئ وسلبي يمنع الإمام من تطوير نفسه، مشيرا إلى أن منهج الوزارة اليوم هو الارتقاء بالخطيب لرفع كفاءة الخطبة وليس العكس.