* بدايةً.. أعتذرُ للقارئ الكريم إن كان في العنوان شيء من الاستفزاز، وإن كنتُ -شخصيًّا- لا أرى فيه ذلك.. فالحمارُ (الغلبان) فضلاً عن أُلفته، وفائدته للإنسان.. فإن له من الصفات المحمودة الشيء الكثير، كالصبر، والطاعة، وقوة التحمّل والقدرة على ضبط الأعصاب، والتسامح، وتحمّل سخافات الصبية والصغار الذين يتفننون في إيذائه.. لكنه -ولشديد الأسف- رغم كل هذه المآثر.. ورغم كل ما قدم لرفيق دربه الإنسان من خدمات شاقة طوال 12 ألف سنة هي عمر استئناسه، يظل حيوانًا سيئ السمعة، خصوصًا في شرقنا البائس الذي قلب له ظهر المجن.. بينما يتمتع في الغرب بمنزلة أفضل حيث يتخذه نصف الأمريكيين قدوة لهم، وشعارًا لحزبهم الديمقراطي.. كما سنّت بريطانيا مؤخرًا قانونًا يسمح له وحده أن يكون حرًّا طليقًا في حدائقها العامة.. وهو (دلال VIP) لا يشاركه فيه، لا الأسود، ولا الخيول، ولا حتى بني البشر!. * ما علينا.. كنت قد وضعت لهذا المقال عنوانًا: (أطلق الحمار الذي بداخلك)، على طريقة مدربي التنمية البشرية (أطلق العملاق الذي بداخلك) إيمانًا مني بأن الخالق قد استودع بداخل كل إنسان قوى رائعة من الصبر، والجلد، وقوة التحمل.. وهي مآثر وخصائص محمودة ومطلوبة.. لكن وجودها بشكل لافت لدى هذا الحيوان جعل البعض يحاول وبشتى الطرق إخفائها، بل وإظهار نقائضها أحيانًا.. خوفًا من أن يُقال عنه حمار (بنمرة واستمارة).. أو أن يوصم في أقل الأحوال بقرابة -ولو من بعيد- بأبي صابر (كنية الحمار).. كما حدث مع مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية، الذي لقّب بالحمار؛ لا لشيء إلاّ لصبره؛ ودأبه في الحرب على الخوارج. * (أطلق حمارك).. قد يراها البعض دعوة للغباء.. لا بأس.. فلتكن كذلك.. فالغباء، أو التغابي هذه الأيام هو السبيل الأسرع -في أغلب الأحيان- لتحقيق النجاح الاجتماعي والوظيفي في الحياة!! كما أنه الطريق الأمثل للحفاظ على صحة نفسية وجسدية جيدة، في عالم يموج بالقلق والاضطراب.. أمّا التجاهل الذي يقول عنه (عمنا) المعرّي: «ولمّا رأيتُ الجهلَ في النّاسِ فاشيًا تجاهلتُ حتى ظنّ أني جاهلُ».. فهو فن آخر لا يجيده إلاّ العباقرة، والحكماء من أمثال أبي العلاء.. ألم تلاحظ أن معظم المتجاهلين من حولك، بل على مستوى العالم بأسره هم مَن يمتلكون الجاه والثروة.. وهم من ينعمون بالنصيب الأكبر من هذه الحياة؟!.. ألم تلاحظ أيضًا أن أكثر الناس تحمّلاً لثقل الحياة وكوارثها هم أولئك الذين يواجهونها بمزيد من الحمق والتغابي واللامبالاة والتجاهل؟!. * إنّها معادلة الحياة المعاصرة يا سيدي.. والتي تحتاج منك لقليل من الغباء، وكثير من الصبر والتحمّل والتجاهل كي تُسيّر أمورك بنجاح.. فإذا كانت هناك أشياء من حولك تسير بطريقة غبية، مستفزة، وعصيّة على الفهم.. فأطلق العنان لحمارك.. فهو الكفيل بتحمّل كل ضغوطات الحياة، والتنقل في طرقها الوعرة بكل كفاءة.. وهو الأقدر على التعامل بحكمة مع سخافات الصبية والأقزام، وتطاولاتهم.. فنحن يا سيدي نعيش زمن البلادة!. * لو كان هناك مساحة أكبر لحدّثتكم عن كتاب «لماذا لا يُصاب حمار الوحش بقرحة المعدة»؟ الأربعاء المقبل ألقاكم.