عقدان من الزمان أمضاهما الشاعر والإعلامي محمد عابس متنقلًا بين العمل الإعلامي المسموع والمرئي والمقروء، ليحط به الرحل حاليًا في وزارة الثقافة والإعلام، وبالتحديد في وكالة الشؤون الثقافية ناطقًا باسم الوزارة، تجربة يرى عابس أنها أضافت إليه بعدًا تراكمًيا وتكامليًا.. ممتدحًا تجربة عمله في وزارة الثقافة والإعلام، مشيرًا إلى أن الجميع يعملون بروح الفريق الواحد، كون الزمن لم يعد يتسع للعنتريات والرأي الواحد.. العابس أبدى أسفه من الهجوم الذي تعرض له ملتقى المثقفين الثاني، مشيرًا إلى أن أكثر المنتقدين له كانوا من الذين تخطتهم الدعوات، لافتًا إلى أن بعض المنتقدين ممن حضروا الملتقى لم يشاركوا في الفعاليات، وكانت لهم مآرب أخرى، وغير ذلك من أسباب آثر أن يتركها لفطنة القارئ في قوله "خلِّ الطابق مستور".. أما عن تجربته الشعرية فيميل العابس إلى ديوانه الثاني "ثلاثية اللذة والموت" مرتئيًا أنه أميز تجربة شعرية في الألفية الثالثة.. أما إن أردت أن تعرف رأيه في قصيدة النثر، والمسابقات الشعرية، والشاعرات السعوديات، والأندية الأدبية، وتجربته في المقهى الثقافي، وغير ذلك من المحاور الأخرى، فلا سبيل لك إلى أن تنظر إلى حديثه الصريح في سياق هذا الحوار.. منظومة متجانسة * لنبدأ من محطة عملك مديرًا للإعلام والنشر بوكالة وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية.. ماذا قدمت؟ لا يمكنني أن أدعي ما ليس لي، أنا مجتهد أقوم بواجباتي حسب ما تعودت عليه ومحاولًا تنفيذ التوجيهات بالشكل المناسب لتحقيق النجاح ضمن منظومة العمل التي تفترض روح الجماعة أو العمل ضمن فريق نتحاور ونتفق ونختلف، فليس العمل في الوزارة عمومًا وفي الشؤون الثقافية بشكل خاص عملًا فرديًا ونحن لسنا في زمن العنتريات والرأي الواحد والصوت الواحد، ولا بد من الإشارة إلى التشجيع الكبير من معالي الوزير الدكتور عبدالعزيز بن محيي الدين خوجة ومعالي نائبه الدكتور عبدالله الجاسر وثقتهم التي أعتز بها وحبهم الذي أستمد منه الرغبة في مواصلة العمل لساعات طويلة خارج وقت العمل الرسمي، ثم الشكر الكبير للتعامل الراقي والدعم المتواصل من الدكتور ناصر الحجيلان وكيل الوزارة للشؤون الثقافية، الذي أعطى للعمل دفعات متميزة وآفاقًا رحبة. بعد تراكمي * عملت مذيع درجة أولى في إذاعة الرياض.. فماذا أضاف لك ذلك؟ أنت تعيدني إلى سنوات مضت، ولعلي أعترف لك أن تنقلاتي خلال العقدين الماضيين بين العمل الإعلامي المسموع والمرئي والمقروء وفي الإعلام الداخلي ثم الشؤون الثقافية أضافت لي بعدًا تراكمًيا وتكامليًا، والإذاعة كانت مدرسة حقيقية لصقل المواهب والإمكانات، ولعل أجمل ما أضافته لي خاصة أنني تعينت بها بعد إصدار أول أعمالي الشعرية كما إنني كنت إعلاميًا معروفًا في مجال الصحافة؛ إلا أن الإذاعة قربتني من الناس من خلال الصوت المباشر، واستقبال آرائهم واحتياجاتهم دون وسطاء، كما أنها عززت عندي الحضور الارتجالي للحديث؛ حيث كان كثير من برامجي المباشرة يتطلب الارتجال على الهواء. هجوم مجحف * ملتقى المثقفين الثاني لم يسلم من هجوم الأدباء.. بوصفك رئيس اللجنة الإعلامية إلى سبب ذلك الهجوم؟ مع الأسف الشديد كان أكثر من هاجموه ممن لم توجّه لهم الدعوات؛ لأنه لا يمكن لأي مناسبة كبرت أم صغرت أن تدعو جميع المثقفين بمختلف فئاتهم وشرائحهم وتخصصاتهم، ومنهم من له مآربه الخاصة وأهدافه النفعية، ومنهم من هاجم الملتقى وهو مدعو له ولكن لم تعجبه الندوات أو الضيافة ونحو ذلك، ومنهم من انتقد وهو لم يخرج من الفندق، ومنهم من يريد أن نعمل له جولات سياحية في الرياض وأشياء وأمور أخرى، وخلِّ الطابق مستور. سر البساطة * في هذا الملتقى المثقفين أشرفت على ديوانية مسائية للحوار.. يرى البعض أنها تفوقت على الجلسات الرسمية.. فما سر نجاح هذه الديوانية؟ هي استمرار للمقهى الثقافي الذي أشرفت عليه في معرض الكتاب وغيره، حتى إنه طلب مني نقل التجربة لمناسبات أخرى خارج الرياض، ولكن ذلك يحتاج ترتيبات وتنسيقا ربما عملي لا يسمح بها، المهم أن هذه الجلسات تتسم بالود والبساطة والصراحة والصدق في التواصل بعيدًا عن الرسميات الزائدة، ولكن ضمن حد أدنى من التنظيم لضمان أن يتحدث الجميع ويعلق الجميع ونبتعد عن الأحاديث الفردية أو الثنائية أو الضيقة إلى روح الجماعة والحوار الجماعي وملامسة موضوعات الساعة وذات العلاقة بالمثقف والأديب بمختلف اهتماماتهم. شكل راق * من واقع إشرافك على المقهى الثقافي في معرض الكتاب.. كيف تقرأ هذه التجربة؟ المقهى فعالية ثقافية بدأت منذ ست سنوات تقريبًا؛ منذ انتقال تنظيم معرض الكتاب من وزارة التعليم العالي لوزارة الثقافة والإعلام، ونمت بحب وإصرار على التواصل للاستفادة من العدد الكبير من الضيوف في الفترة المسائية وخلال إقامتهم في الفندق بإيجاد نشاط جماعي يرفد اللقاءات الخاصة ثنائيا أو على شكل جماعات في البهو إلى شكل أكثر رقيًا بتخصيص مكان مناسب وطرح موضوعات مسبقة وحوارات مفتوحة. تطور متواصل * أي دور لعبته في معرض الكتاب؟ إلى جانب الإشراف على المقهى، أتولى رئاسة اللجنة الإعلامية للمعرض ولجائزة الوزارة للكتاب، وهو عمل متعب، ويبدأ منذ فترة طويلة تسبق المعرض، والحمد لله بتكاتف الجميع يشهد العمل نجاحًا متميزًا، وحضورًا لافتًا، وأتمنى المزيد هذا العام والأعوام القادمة، وبخاصة أن المعرض يشهد تطويرًا متواصلًا بتوجيهات معالي الوزير ومعالي نائبه وإصرار المشرف العام على المعرض الدكتور ناصر الحجيلان على إعطائه دفعات جديدة، وهوية جديدة، وتنوعًا جديدًا في الفعاليات. تجربة شعرية مميزة * لك العديد من الإصدارات.. فأيها الأقرب إلى نفسك؟ لدي ثلاثة إصدارات، ولكل منهم علاقة خاصة معي؛ فالديوان الأول "الجمر ومفارش الروح" له حب خاص كبكري الشعري، وديوان "ثلاثية اللذة والموت" جاء بعد انقطاعي سنوات عن الطباعة، وبينهما جاء كتاب "فاكهة المرأة وخبز الرجل" الذي ضم نخبة من مقالاتي التي نشرت في الصحف والمجلات، لكن الديوان الثاني له وضعه الخاص، حيث عدت من خلاله لساحة الطباعة، ولا أقول النشر، لأنني كنت أنشر وأشارك في أمسيات خلال فترة التوقف الطباعية، ولكنني أزعم أن هذا الديوان يمثل تجربة متميزة شعريًّا منذ مطلع الألفية الجديدة. شاعر بالميلاد * لو تعمقنا أكثر في تجربتك الشعرية وبادرتها الأولى.. هل ثمة ظلال وراثية وجهت بوصلة إبداعك نحو الشعر؟ لعلي أؤكد أن الشاعر الحقيقي يولد ومعه موهبته، أما أن يأتي من هو في العشرين أو أكثر من ذلك ويقول إنني شاعر فلا أحفل بذلك، الشاعر منذ طفولته تكون له تجارب تختلف في مستواها من بيئة إلى أخرى حسب ظروف هذا الشاعر أو ذاك، ولكنني أذكر أنني منذ المرحلة الابتدائية كنت أكتب خربشات كثيرة تحت لافتة الشعر، وبالتأكيد هي محاولات متعثرة، بدأت النضج منذ المرحلة الإعدادية حينما بدأت النشر بالمراسلة من خلال البريد مع الشرق الأوسط ثم الجزيرة والرياض والندوة وغيرها في مراحل لاحقة، وجدي -رحمه الله- الذي لم أقابله كان شاعرًا، كما أن لوالدي وعمي محاولات في الشعر الشعبي، لكن والدي كان له فضل كبير في تشجيعي منذ الصغر، وتزويدي بالكتب والصحف وزيارة المكتبة العامة باستمرار والمشاركة في النشاطات اللامنهجية خارج وقت دوام الدراسة حينما كان للنشاط قيمته في مدارسنا. مخاتلة ومماطلة * أيّ طقس تهيؤه لكتابة القصيدة.. متى تزورك.. ومن هي ملهمتك؟ الطقوس تختلف؛ فليس هناك وقت محدد أو مكان محدد، القصيدة تخاتل وتماطل وتولد دون تحديد مسبق، ولكن الهدوء هو الشرط الرئيس ولذلك يكون الليل هو الغالب للكتابة، أما الإلهام فله وسائل مختلفة حسب ما يسمى المحفزات أو المحرضات، فربما يكون مشهد ما أو منظر ما أو حالة ما هي الشرارة لولادة القصيدة، فليست الأنثى هي الملهمة الوحيدة وإنما الأشياء البسيطة وربما العادية والمهملة قد تكون محرضة ومحفزة بشكل أكبر، فالعملية تفاعلية مع المحيط والأشياء من حولنا، والتجارب بتنوعها وتمايزها وجمالياتها وتأثيراتها لها دور في كتابة النص. كسر المفاهيم * كل شاعر يعبر بقصائده إلى الضفة التي يهواها.. فإلى أي جهة من أغراض الشعر أبحرت سفينة إبداعك؟ الأغراض الشعرية موجودة في القصيدة من غزل وعتاب ووصف وغيرها؛ ولكن القصيدة الحديثة كسرت مفهوم الأغراض الشعرية المعروفة أو التقليدية في تاريخ القصيدة العربية منذ العصر الجاهلي، كتبت في تلك الأغراض ولكن النصوص الجديدة خرجت عن عباءة الأغراض الكلاسيكية لمناقشة الهموم البسيطة وعلاقتها بالإنسان والكون والوجود وانطلقت من الذات للآخر، وتقاطعت مع التفاصيل المختلفة، وربما ابتعدت عن الموضوعات العامة التي أصبحت مسؤولية أشكال أخرى، وبدأت تبحث عن خصوصيتها ومسارات جديدة تميزها. قصائد مطلوبة * مستعرضًا تجربتك.. أي قصائدك تراها الأجمل؟ ربما الناقد هو من يحدّد أجمل القصائد، وهناك قصائد كثيرة دائمًا تطلب مني في الأمسيات مثل "ثلاثية اللذة"، و"مدينتي الجديدة"، و"سورة الحب"، و"الجمر ومفارش الروح"، و"مشاهد ممطرة"، وغيرها. معضلة الاستسهال * مسيرة الشعر الحديث ماضية في التطوّر واصلة الآن إلى قصيدة النثر.. فكيف تنظر إليها؟ قصيدة النثر توجه ونهج جديد يريد الخروج بالقصيدة من التكرار والمألوف والنمطية على أبعاد جديدة تلتصق بمفهوم الشعرية بشكل أكبر، وتحاول الابتعاد عن الموضوعات الكبرى على الأشياء البسيطة والمهملة والعادية المرتبطة بالإنسان والأشياء من حوله، وهذا لا يعني نفي الإبداع عن شكل القصيدة العمودية أو التفعيلة ولكن مشكلتهما ولاسيما العمودية تكمن في التقليد والتكرار والخطابية، وفي نفس الوقت تعاني قصيدة النثر من استسهال بعض الكُتّاب لها وعدم فهمهم لفلسفتها وجدلية تكوينها ومقوماتها الإبداعية. بيئة استهلاكية * الملاحظ أن مساحة الشعر الفصيح تتقلص أمام سطوة النبطي.. فلم ذلك؟ مشكلتنا أننا أصبحنا نعيش في بيئة استهلاكية في كل المجالات، وانعكس ذلك على المنتج الأدبي والفني والثقافي، وهذا التراجع يعود لأسباب كثيرة منها التربوي والتعليمي والثقافي والسياسي، وأنا لست ضد القصيدة العامية (الزجل)؛ ولكن هذا النمط أعطي مساحة أكبر على حساب غيره، وأصبحت تتبناه المجلات والقنوات والملاحق والصفحات في الصحف اليومية والمواقع الإلكترونية، فظهر الغث وانتشر على حساب السمين، وهو قليل بطبيعة الحال، مع ضعف الدعم والقنوات الإعلامية المختلفة التي تهتم بالفصيح والثقافة الجادة بشكل عام شعرًا ونثرًا وفكرًا وفنونًا. فساد بأشكال مختلفة * الساحة تشهد ظاهرة بيع الشعر.. هل تعرضت لمثل هذا الموقف.. وهل في القصائد سعة لعيش كريم؟ بيع الشعر اقترن في الغالب بالشعر العامي من ناحية، ورغبة أصحاب المال أن يشار إليهم بالبنان بنسبة ما ليس لهم، فبدل أن يدعموا وينفقوا ويشجعوا المبدعين توجهوا إلى شرائه ونسبته إلى أنفسهم، وهذا أحد أشكال الفساد الذي نعيشه في مجالات مختلفة، أما الشعر الفصيح فيحتاج إلى دعم أكبر وفتح مجالات أرحب له لأنه أحد روافد ثقافتنا وهويتنا ولغتنا التي لا غنى عنها. شاعرات متميزات * هل ترى للشاعرات حضورًا لافتًا في الشعر الفصيح.. ومن هي أبرزهن بنظرك؟ بالتأكيد الشاعرات لهن حضور متميز وربما لانفتاح المجتمع إلى حد ما واختلاف النظرة للمرأة جزئيا أتاح لعدد من النساء البوح بموهبتها الشعرية بعد أن كانت تمنع وتقيد ولا يسمح لها في حالات كثيرة، وأنا لا أقول إن الوضع متميز بالكامل فهناك من لا يزال حجر عثرة في طريق كتابة المرأة وظهورها إعلاميًا كشاعرة. هناك أسماء متميزة، بعضها مازال ينشر، وبعضها شبه مختفٍ، وبعضها حاضر بشكل كبير، وإن كانت هناك أسماء خدمها الإعلام لكونها امرأة فقط مع أن شاعريتها بسيطة جدًّا، ولكن تظل هناك أسماء متميزة مثل خديجة العمري، وفوزية أبو خالد، وأشجان هندي، ولطيفة قاري، وآسية العماري، ونادية البوشي، وبديعة كشغري، وهدى الدغفق، وغيرهن. وأعتذر فلا يمكن أن أذكر كل الأسماء هنا. أندية معزولة * الأندية الأدبية متهمة بعدم إيلاء الشعر الفصيح الاهتمام المرجو.. فما قولك؟ مشكلة الأندية الأدبية أنها عزلت نفسها عن الناس والمجتمع بشكل أو آخر، وكان حريًا بها أن تتواصل مع المجتمع بمختلف فئاته، وأن تصبح أندية اسمًا على مسمى؛ بحيث يستفيد منها أفراد العائلة جميعًا، ويكون الشعر والأدب نشاطين من ضمن نشاطاتها، وبطبيعة الحال نتمنى بعد الانتخابات أن تتحسن أوضاع الأندية، وأن تقترب من المبدعين من ناحية ومن المجتمع بمختلف أطيافه من ناحية أخرى، وتبني مهرجانات للشعر وملتقيات نقدية حول الشعر السعودي بشكل خاص. * ولماذا قَلَّت الأمسيات الشعرية في الأندية الأدبية؟ أتمنى أن توجه هذا السؤال لعدد من رؤساء مجالس إدارات الأندية الأدبية فلعل لهم عذرًا ونحن نلوم. مسؤوليات متعددة * كيف السبيل إلى إيجاد جيل جديد من الشعراء الجيدين؟ الموهبة لا يمكن أن توجدها من العدم؛ فالدور في البدء تتحمل مسؤوليته وزارة التربية والتعليم في التعليم العام، ثم يأتي دور المؤسسات الأخرى ومنها الأندية الأدبية في استقطاب الشباب في المرحلتين الثانوية والجامعية ودعم الموهوبين منهم بمشروعات وبرامج مختلفة مع عقد شراكة مع وسائل الإعلام. حاجة إلى مؤسسات فاعلة * على أي صورة ترى الجيل الجديد من الشعراء.. ومن هو الأبرز فيهم؟ لست مخولًا لتقييم غيري؛ فهناك من هو أفضل مني للقيام بهذا الدور من نقّاد وباحثين ودارسين، ولكن من ناحية ذوقية أرى أن شعراءنا الشباب، جيلي ومن بعدنا أفضل بكثير ممن سبقونا لاستيعابهم للتجارب وتجاوزهم للسائد وبحثهم المستمر عن التجديد والإضافة وخوض تجارب جديدة ومسارب لم يطرقها غيرهم، وكذلك البعد الثقافي والفكري لعدد منهم، وأزعم أن الشعر عاد بقوة لجزيرة العرب مولد ومنطلق الشعر بوجود أسماء متميزة جدًّا وتفوق كثيرًا من الأسماء في عواصم الدول العربية الأخرى الذين خدمهم الإعلام سنين طويلة في ظل ظلم إعلامنا وتهميش إعلامهم لنا، ولكننا بحاجة ماسة إلى مؤسسات فاعلة ودور نشر متميزة تسهم في نشر شعرنا وثقافتنا للآخر عربيًا ودوليًا من باب إحقاق الحق على الأقل. ليس دور الشعر * البعض يرى أن الشعر العربي يمر بأزمة.. فهل تراه قادرًا على مواكبة قضايا الأمة العربية؟ لم يعد مطلوبًا من الشعر أن يناقش تلك القضايا؛ لأن هناك وسائل ووسائط قادرة على القيام بتلك المهمة من وسائل إعلام وخطباء وسياسيين ومحللين ومؤلفين وغيرهم. كذب مجازي * "أعذب الشعب أكذبه".. مقولة راسخة في الأذهان.. فهل الأمر كذلك فعلًا؟ هذه القضية نوقشت نقديًا منذ بواكير النقد في القرن الأول والثاني الهجريين واستمرت فيما بعد، الكذب هنا يحيلنا إلى المجاز والصورة والمبالغة وغيرها من الأساليب التي يستخدمها الشاعر لإحداث التأثير في المتلقي، وليست حرفية لمعنى الكذب المجرد. تفاهة وسطحية * من أي نافذة تنظر إلى دور التقنية الحديثة في خدمة الشعر انتشارًا وذيوعًا؟ مع الأسف إن وسائل الاتصال الحديثة لم تستغل الاستغلال الأمثل لها وما يهمنا هنا البعد الثقافي بشكل عام والشعر بشكل خاص، وربما لأننا لم نسهم في اختراع وتصنيع تلك الوسائط، أصبحنا نستخدمها في الأمور التافهة والسطحية، وقد أخبرني أحد الأصدقاء أنه على سبيل المثال لا يستخدم الناس أكثر من 10% من الإمكانيات التي تتيحها أجهزة الجوال المختلفة، وعلى ذلك يمكن القياس، وفي الحاسب (الإنترنت) التركيز على الشات (المحادثات) والألعاب مع أن هناك إمكانيات مخيفة يمكن أن تخدم المتلقي والشاعر والمثقف عمومًا. سؤال معقّد * بعد كل هذه التجربة.. ماذا أضاف لك الشعر؟ رغم سهولة هذا السؤال الظاهرة؛ إلا أنه معقد بشكل كبير، ولكن لو لم يضف لي الشعر إلا التعبير الحر وخوض التجارب الكتابية المختلفة والتحاور المستمر مع اللغة ذلك الكائن الساحر والتواصل الصادق مع الآخر أيًا كان؛ لكفى. سيل عارم * لم فقد الشعر وهجه القديم الذي غطى به قديمًا على الأجناس الأدبية الأخرى؟ الوهج يختلف؛ ولكننا في العصر الحديث أصبحت لدينا مغريات وملهيات ووسائط كثيرة انشغل بها الناس، قديمًا كان الشعر مثلًا يعادل دور وزارات الثقافة والإعلام، أما الآن فهناك آلاف الوسائط والوسائل والأدوات والبرامج والأشكال التي تتقاطع مع الناس، فالشعر والأدب والثقافة عمومًا أصبحت جزءًا بسيطًا مقارنة بالكم الهائل والسيل العارم من الأشكال الأخرى. اتكاء على المهمل * بنظرة عامة للمشهد الشعري العربي.. على أي رهان تتكئ قصيدة اليوم؟ لعلي أزعم أنها تتكئ على كل ما هو إنساني وبسيط وعادي ومهمل وما يتقاطع مع الإنسان والآخر وعلاقتهما بالحياة والكون والوجود في فلسفة لا حدود لها، القصيدة تنحو نحو مفهوم الشعرية الحقة وتحاول التخلص من الإرث القديم المتمثل في التكرار والزوائد والصيغ الجاهزة وغيرها وتبحث عن الجماليات الجديدة. طبيعة الحياة * لم لا تجد الأجناس الشعرية الحديثة فرصتها في التلقي دون صراع أدواته النفي والإقصاء؟ ربما هي طبيعة الحياة وصراع الأجيال ونفي السابق للاحق والعكس، وفي النهاية أي شكل يملك مقومات الحياة والاستمرار سيبقى مهما كانت محاربته، وسيموت أي شكل لا يمتلك تلك المقومات مهما كانت وسائل وأساليب دعمه أو فرضه على الذائقة. أهداف تسويقية * الساحة تشهد العديد من المسابقات الشعرية في الفضائيات.. كيف تقرأ إيجابياتها وسلبياتها؟ مشكلة تلك المسابقات اعتمادها على مفهوم الاستهلاك وإتاحة التصويت للعامة الذين تختلف إمكاناتهم في اختيار هذا الاسم أو ذاك وإقصاء دور الباحثين والدارسين المتميزين عن الحضور، وإذا شكلت لجان للتحكيم فليست مكونة من الأسماء المتميزة، وبصريح العبارة تلك المسابقات أهدافها تسويقية مادية وليست شعرية إبداعية، كما أن أغلبها يتجه للشعر العامي دون الفروع الأخرى من الأدب. الجمهور ليسوا سواء في ذائقتهم والغالبية يحتاجون إلى من يرشدهم إلى مقاييس الإبداع وشروطه وأسباب اختيار هذه القصيدة أو تلك إلى غير ذلك من الضوابط. المجتمع العربي يظل محبًّا للشعر ولكن أي نوع من الشعر يفرض عليهم أو يقدم لهم هنا مكمن المشكلة!!